مع الشروق... الفلاحـــة .. والأمـــن الغذائــــي

مع الشروق... الفلاحـــة .. والأمـــن الغذائــــي

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/03/05

لم يسبق للقطاع الفلاحي في تونس أن مرّ بأزمة شبيهة بالأزمة الحالية في ظل ضعف اهتمام الدولة بمشاكله. فكل مجالات القطاع الفلاحي بلا استثناء أصبحت عُرضة لعديد مظاهر التهميش والفوضى والتلاعب وهيمنة "بارونات" الفساد والاحتكار والسمسرة، مقابل عدم تحلي الدولة بالقوة والجرأة والشجاعة اللازمة لمجابهتها، رغم صيحات الفزع التي ما انفك يطلقها الناشطون في القطاع ورغم ما يسود سوق المنتجات الفلاحية من فوضى وارتفاع مشطّ في الأسعار..
حالة من التململ والاستياء تسود منذ أشهر مُختلف الناشطين في القطاع الفلاحي وارتفعت حدّتها في الأيام الأخيرة وتلُوح معها في الأفق بوادر "أزمة غذاء" خاصة مع اقتراب المواسم الاستهلاكية الكبرى كرمضان والصيف، وذلك في ظل توقعات بنقص الصابة وبارتفاع غير مسبوق لأسعار مختلف المنتجات الفلاحية. وهو ما يثير المخاوف ويطرح تساؤلات حارقة حول هذا التهميش الذي أصبحت تعانيه الفلاحة، أبرز ضمانة للأمن الغذائي وأحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني.
ومنذ بداية الموسم، وجد الفلاحون صعوبات كبرى في الحصول على الاسمدة كالفسفاط و"دي.أ.بي"، فيما يتواصل إلى اليوم غياب مادة "الأمونيتر" عن مناطق الزراعات الكبرى بالشمال وهو سيؤثر حتما على صابة الحبوب وغيرها. ومنذ سنوات يعاني مربيو المواشي من أزمة دائمة في قطاع الأعلاف بسبب ارتفاع أسعارها وندرتها نتيجة الاحتكار والسمسرة. وهو ما ينطبق أيضا على سوق المبيدات الفلاحية التي تشهد حالة كبرى من الفوضى نتيجة ارتفاع الأسعار.
 وككل عام، لم تسلم منظومات الألبان والتمور والقوارص وزيت الزيتون من أزمة فائض الإنتاج وأزمة ضعف التصدير وهو ما أثر على مردودها المالي وتسبب في إفلاس كثيرين نتيجة غياب استراتيجية فعالة من الدولة للعناية بها من حيث التخزين والتصدير والترويج والتوريد، خاصة بعد ما أثير مؤخرا حول التوريد والتصدير العشوائي لبعض المنتوجات الفلاحية. وينطبق ذلك أيضا على منظومات اللحوم والبيض والخضر والغلال ومنتجات الصيد البحري.
وتنضاف لكل ذلك الأزمة الدائمة و"المؤبدة" لمسالك توزيع المنتجات الفلاحية بالجملة والتفصيل والتي ما انفكت تُلحق أضرارا فادحة بالفلاح وتقلّص من أرباحه بما أن الوسطاء والمحتكرين أصبحوا يستحوذون على النصيب الاكبر من العائدات المالية للقطاع دون أن تقدر الدولة على التصدي لهم.  وقد انعكس ذلك على الأسعار التي ارتفعت بشكل غير مسبوق ولم تعد في متناول المواطن، وأيضا على مدى توفر بعض المنتجات في السوق نتيجة الاحتكار والمضاربة..
إن ما يثير المخاوف هو فقدان الثقة في قدرة الدولة على التعاطي الأمثل مع أزمة القطاع الفلاحي – كما هو الحال مع مختلف الازمات - لإنهاء معاناة الفلاحين من هذه الصعوبات وتبديد مخاوف المواطن من الاحتكار ومن ارتفاع الأسعار. وهو ما يُحتّم اليوم على الحكومة وعلى وزارات الإشراف عدم الاكتفاء فقط بالاجتماعات داخل المكاتب وبتقديم الوعود والتطمينات، وعدم الاكتفاء بالمتابعة عن بعد وبالدراسات أو بإحداث "اللجان" و"وحدات التأهيل والتصرف"..
اليوم تحتاج أزمة القطاع الفلاحي إلى نزول المسؤولين إلى الميدان للاطلاع على المشاغل الحقيقية للفلاح ثم المرور مباشرة نحو اتخاذ القرارات العاجلة والصارمة والشروع في تنفيذها فورا بكل جرأة وشجاعة والضرب بقوة على أيادي المحتكرين والمضاربين والفاسدين والمهربين الذين أضروا بالقطاع الفلاحي ومساعدة الفلاحين بكل الوسائل الممكنة مثل الدعم عند الإنتاج والامتيازات الجبائية والضغط على أسعار التكلفة وضبط هوامش الربح وإحكام تنظيم مسالك التوزيع .. عدا ذلك لن ننتظر غير أزمة غذاء تبدو وشيكة..
فاضل الطياشي 
 

تعليقات الفيسبوك