مع الشروق: الحل بالحوار... لا باستعراض العضلات

مع الشروق: الحل بالحوار... لا باستعراض العضلات

تاريخ النشر : 11:02 - 2021/02/28

فيما تغرق الدولة وينهار الاقتصاد ويكتوي المواطن بنيران غلاء الأسعار وانهيار قدرته الشرائية ينخرط السياسيون في صراع بالشوارع والساحات وتجييش الأنصار وحشد المريدين بتجييش وحشد يأتيان بكل تأكيد في التوقيت الخطإ ويوجهان الرسائل الخطإ. لأن الاستقواء بالشارع لا يحل المشاكل ولا يحلحل الأزمة ولعله على عكس ذلك يفضي إلى مزيد تعقيدها.


الأزمة في تونس هي في الانطلاق أزمة منظومة حكم منظومة سادت منذ عشر سنوات وبادت واهترأت ولم تعد قادرة على ايجاد حلول عملية وواقعية لمشاكل ظلت تتفاقم على مدى عقد من الزمن إلى أن وصلنا مستويات منذرة بكل المخاطر ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد ولدت هذه الأزمة عديد الأزمات وأفضت إلى كشف أعوار وحدود نظام الحكم الذي أرساه «أفضل دستور أخرج للعالم» ليتحوّل إلى تشتيت السلطة الذي هندسه واضعو الدستوروإلى تنازع للسلطات بل إلى حرب ألقت بظلالها على الحكومة وكان يكفي لرئيس الحكومة أن يتحرك لاجراء تعديل استهدف به «وزراء الرئيس»  لتتدحرج كرة الصراع إلى نقطة اللاعودة وتنطلق حرب كسر ارادات مازال التونسيون يعيشون فصولها كل يوم.
عند هذه النقطة يتم الزجّ بالمواطن ويتم حشده في الشوارع والساحات بغية اطلاق الرسائل اللازمة وإظهار موازين القوى على الميدان حتى اننا عشنا تضخما في الزج بالشارع في المعارك السياسية مع ما ينطوي عليه من مخاطر ومن محاذير، وهو تضخم أفضى إلى تسيير مظاهرتين في نفس اليوم وان كان ذلك في ساحات وشوارع مختلفة.  فهل ان عملية حشر المواطن وتحويله إلى وقود للصراعات السياسية ولحروب المواقع والخنادق في رأس السلطة أدت الغرض منها وأسهمت في حلحلة الأزمة أم انّها زادت في تعميق الهوة بين الفرقاء السياسيين؟


جوابا عن هذا التساؤل يمكن الجزم بأن المسيرات التي نظمت قد ذهبت لكن الأزمة ظلت جاثمة في مكانها. بل ولعل الفرقاء السياسيين لم ينتبهوا إلى أن حل المشاكل السياسية يتم بأدوات سياسية بعيدا عن لغة التجييش وبعيدا عن منطق استفزاز المشاعر وتأجيج العواطف الذي لا يجسر هوة ولا يزيل حاجزا بل يزيد في تعميق الهوة وفي زعزعة الثقة.. فهل نحو نريد مدّ جسور الثقة والتفاهم أم نحن ماضون في صراعات الإرادات حتى الآخر؟ وهل نحن واعون بخطورة الأوضاع التي وصلتها البلاد وباتت تهدد العباد أم ان نشوة السلطة وطلب السلطة قد أعميا البصر والبصائر وجعلا الكل ينخرطون في صراع محموم لتحسين المواقع ولو باستعمال المواطن؟


ان خطورة منطق اللجوء إلى الشارع وخاصة من قبل الفريق المتربع في الحكم يهدّد بإيصال الأمور إلى نقطة اللاعودة. ويفتح الطريق أمام عمليات تجييش الأنصار واستعراض للقوة لا تنتهي. وهو ما من شأنه أن يزيد في تعميق الأزمة بدل حلحلتها وبلادنا تحتاج من سياسييها أن يتكلموا لغة العقل وأن يسعى كل واحد منهم إلى النزول من الشجرة التي اعتلاها. أما منطق الحشد والتجييش فإنه لن يفضي إلا إلى تعقيد الأزمة. أزمة تحل بالهدوء وبالحوار وبالعقل ولا تحل تأكيدا باستعراض العضلات.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك