مع الشروق : الحقّ في الصحة.. الحقّ في الحياة
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/25
منذ السنوات الاولى للاستقلال، مثل قطاع الصحة العمومية مرفقا عموميا حيويا وحساسا راهنت عليه دولة الاستقلال باعتباره أساسا للاستقرار الاجتماعي وللتطور الاقتصادي والتنموي. ولم يخل أي دستور من الدساتير الثلاثة من التنصيص على هذا الحق ولم تكفّ الدولة منذ الاستقلال والى حد الآن عن العناية به حسب الإمكانات المتوفرة. فلا تطور اجتماعيا دون مجتمع سليم له الحق في الحد الادنى من الخدمات الصحية العمومية، ولا تقدم اقتصاديا دون قطاع صحي متماسك وقوي وعادل بين كل المواطنين.
رغم كل ما تحقق في هذا القطاع من تطوير على مستوى المستشفيات والوحدات الصحية والتجهيزات والكفاءات البشرية، إلا أنه ظل مكبلا بمنظومة قانونية وإدارية واجرائية ثقيلة وغير عادلة.. منظومة مشتتة بين قطاع خاص يقدم خدمات صحية راقية ومتطورة وبصفة مستعجلة لكن لا يقدر عليها إلا ميسورو الحال، وقطاع عمومي مازالت خدماته، على تطورها وكفاءتها وجودتها، مكبلة بتعقيدات إدارية وإجرائية تحرم المواطن في عديد الأحيان من التمتع بخدمة مستعجلة وفي الوقت المناسب ويصل الامر أحيانا حدّ الحرمان من الحق في الحياة !
وقد مثلت وفاة تلميذة مؤخرا بأحد مستشفيات قفصة، وما تردد عن تسبب الإجراءات الإدارية والحالة المادية لعائلتها في وفاتها، حادثة مؤلمة وغير مقبولة وملف وجب الوقوف عنده للقيام بمراجعات عديدة في المنظومة الصحية العمومية. فاسعاف وانقاذ المريض من الموت او من اية تطورات صحية أخرى، مهما كانت حالته الاجتماعية او العائلية، ومهما كانت المنظومة العلاجية التي ينتمي اليها، يجب ان يكون هو القاعدة في كل المستشفيات العمومية واقسام الاستعجالي ولم لا في المصحات الخاصة، ثم يقع التثبت في ما بعد من وضعيته ومن مدى قدرته على خلاص المستحقات المالية..
صحيح أن المرفق العمومي للصحة يعاني من قلة التجهيزات في بعض المستشفيات ومن الاكتظاظ والفوضى في البعض الآخر وأحيانا من غياب أطباء الاختصاص والإطار شبه الطبي ومن نقص أسرة الإقامة في الاقسام الاستشفائية او في اقسام الاستعجالي او في غرف الانعاش .. وصحيح أن هذا المرفق يتطلب امكانات مالية كبرى تحاول الدولة كل عام توفيرها حسب قدرات الميزانية.. غير ان كل ذلك أمكن في عديد الاحيان تجاوزه بفضل جهود العاملين في القطاع والأطباء.. لكن ما لا يمكن لأي كان تحمله، من مواطنين وإداريين وأطباء وإطارات شبه طبية هو المسألة الاجرائية المعقدة والتي تحرم البعض من الحق في الصحة وتعطل العلاج وتتسبب احيانا في الوفاة او في تعكر حالة المريض..
فالمنظومة الصحية في تونس ما زالت مشتتة بين قطاع خاص قوي يقصده من له الامكانات المالية اللازمة وقطاع عمومي يقصده ضعفاء الحال ويعانون الأمرّين للحصول على العلاج.. لكن مع مفارقة كبرى وهي ان صنفا معينا من الذين يقدرون على تكاليف المصحات الخاصة يستفيدون أيضا من تمويلات صندوق التامين على المرض " الكنام" للعلاج في القطاع الخاص في حين لا يمكن لشق كبير من ضعفاء الحال الاستفادة من هذه الخدمات حتى في المستشفيات العمومية رغم ان الامر يتعلق بصندوق عمومي من المفروض ان يستفيد منه الجميع.
والقطاع الصحي في تونس مشتت ايضا بين منظومات علاجية عديدة تختلف من مريض إلى آخر حسب نوعية "الكرني الذي بحوزته ( " الكرني الاصفر" والكرني الابيض" و"كرني الكنام") .. إضافة إلى إجراءات ثقيلة ومعقدة لتسجيل المرضى تختلف بين القبول في العيادات الخارجية او في اقسام الاستعجالي او في العيادات الخاصة للأطباء الموجودة داخل بعض المستشفيات.. وما زاد من حدة معاناة المواطن والعاملين في القطاع الصحي هو الاكتفاء بحصة واحدة صباحية لقبول وتسجيل المرضى والحال ان عدد المرضى القاصدين المستشفيات في ارتفاع كبير و يحتم العمل بنظام الحصتين للتخفيف من حدة الاكتظاظ..
كل هذه النقائص في القطاع الصحي أصبحت تتسبب في تغييب "العدالة الصحية" وفي حرمان كثيرين من الحق في العلاج في ظروف طيبة وفي الوقت المناسب.. وقد آن الاوان اليوم لان تقوم الدولة بمراجعة جذرية وشاملة للقطاع الصحي لتخليصه من النقائص والشوائب العديدة العالقة به وتطويره ضمانا لحق الجميع – على قدم المساواة - في الصحة وفي الحياة ..
فاضل الطياشي
منذ السنوات الاولى للاستقلال، مثل قطاع الصحة العمومية مرفقا عموميا حيويا وحساسا راهنت عليه دولة الاستقلال باعتباره أساسا للاستقرار الاجتماعي وللتطور الاقتصادي والتنموي. ولم يخل أي دستور من الدساتير الثلاثة من التنصيص على هذا الحق ولم تكفّ الدولة منذ الاستقلال والى حد الآن عن العناية به حسب الإمكانات المتوفرة. فلا تطور اجتماعيا دون مجتمع سليم له الحق في الحد الادنى من الخدمات الصحية العمومية، ولا تقدم اقتصاديا دون قطاع صحي متماسك وقوي وعادل بين كل المواطنين.
رغم كل ما تحقق في هذا القطاع من تطوير على مستوى المستشفيات والوحدات الصحية والتجهيزات والكفاءات البشرية، إلا أنه ظل مكبلا بمنظومة قانونية وإدارية واجرائية ثقيلة وغير عادلة.. منظومة مشتتة بين قطاع خاص يقدم خدمات صحية راقية ومتطورة وبصفة مستعجلة لكن لا يقدر عليها إلا ميسورو الحال، وقطاع عمومي مازالت خدماته، على تطورها وكفاءتها وجودتها، مكبلة بتعقيدات إدارية وإجرائية تحرم المواطن في عديد الأحيان من التمتع بخدمة مستعجلة وفي الوقت المناسب ويصل الامر أحيانا حدّ الحرمان من الحق في الحياة !
وقد مثلت وفاة تلميذة مؤخرا بأحد مستشفيات قفصة، وما تردد عن تسبب الإجراءات الإدارية والحالة المادية لعائلتها في وفاتها، حادثة مؤلمة وغير مقبولة وملف وجب الوقوف عنده للقيام بمراجعات عديدة في المنظومة الصحية العمومية. فاسعاف وانقاذ المريض من الموت او من اية تطورات صحية أخرى، مهما كانت حالته الاجتماعية او العائلية، ومهما كانت المنظومة العلاجية التي ينتمي اليها، يجب ان يكون هو القاعدة في كل المستشفيات العمومية واقسام الاستعجالي ولم لا في المصحات الخاصة، ثم يقع التثبت في ما بعد من وضعيته ومن مدى قدرته على خلاص المستحقات المالية..
صحيح أن المرفق العمومي للصحة يعاني من قلة التجهيزات في بعض المستشفيات ومن الاكتظاظ والفوضى في البعض الآخر وأحيانا من غياب أطباء الاختصاص والإطار شبه الطبي ومن نقص أسرة الإقامة في الاقسام الاستشفائية او في اقسام الاستعجالي او في غرف الانعاش .. وصحيح أن هذا المرفق يتطلب امكانات مالية كبرى تحاول الدولة كل عام توفيرها حسب قدرات الميزانية.. غير ان كل ذلك أمكن في عديد الاحيان تجاوزه بفضل جهود العاملين في القطاع والأطباء.. لكن ما لا يمكن لأي كان تحمله، من مواطنين وإداريين وأطباء وإطارات شبه طبية هو المسألة الاجرائية المعقدة والتي تحرم البعض من الحق في الصحة وتعطل العلاج وتتسبب احيانا في الوفاة او في تعكر حالة المريض..
فالمنظومة الصحية في تونس ما زالت مشتتة بين قطاع خاص قوي يقصده من له الامكانات المالية اللازمة وقطاع عمومي يقصده ضعفاء الحال ويعانون الأمرّين للحصول على العلاج.. لكن مع مفارقة كبرى وهي ان صنفا معينا من الذين يقدرون على تكاليف المصحات الخاصة يستفيدون أيضا من تمويلات صندوق التامين على المرض " الكنام" للعلاج في القطاع الخاص في حين لا يمكن لشق كبير من ضعفاء الحال الاستفادة من هذه الخدمات حتى في المستشفيات العمومية رغم ان الامر يتعلق بصندوق عمومي من المفروض ان يستفيد منه الجميع.
والقطاع الصحي في تونس مشتت ايضا بين منظومات علاجية عديدة تختلف من مريض إلى آخر حسب نوعية "الكرني الذي بحوزته ( " الكرني الاصفر" والكرني الابيض" و"كرني الكنام") .. إضافة إلى إجراءات ثقيلة ومعقدة لتسجيل المرضى تختلف بين القبول في العيادات الخارجية او في اقسام الاستعجالي او في العيادات الخاصة للأطباء الموجودة داخل بعض المستشفيات.. وما زاد من حدة معاناة المواطن والعاملين في القطاع الصحي هو الاكتفاء بحصة واحدة صباحية لقبول وتسجيل المرضى والحال ان عدد المرضى القاصدين المستشفيات في ارتفاع كبير و يحتم العمل بنظام الحصتين للتخفيف من حدة الاكتظاظ..
كل هذه النقائص في القطاع الصحي أصبحت تتسبب في تغييب "العدالة الصحية" وفي حرمان كثيرين من الحق في العلاج في ظروف طيبة وفي الوقت المناسب.. وقد آن الاوان اليوم لان تقوم الدولة بمراجعة جذرية وشاملة للقطاع الصحي لتخليصه من النقائص والشوائب العديدة العالقة به وتطويره ضمانا لحق الجميع – على قدم المساواة - في الصحة وفي الحياة ..
فاضل الطياشي
