مع الشروق : إسرائيل... الكيان المنبوذ
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/25
حجم الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية في الأيام الأخيرة رغم أنه لا يتجاوز الحبر الذي كتب به ولا يؤسس واقعا لمقومات الدولة ولا يضع حدا لحرب الإبادة الجماعية بعقوبات وضغوطات، وانسحاب عديد الوفود ومنها حتى الغربية أثناء إلقاء رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو لكلمته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقيم الدلالة على حجم العزلة التي أصبح يواجهها الكيان الغاصب عالميا وسقوط «الهاسبارا» الإسرائيلية رغم آلة الدعاية الضخمة التي لم تفد الصهاينة في شيء أمام انكشاف حجم الجرائم التي يمارسونها في غزة.
المشهد لم يعد يحتاج إلى كثير من التأويل أو التحليل، فإسرائيل اليوم تواجه عزلة دولية غير مسبوقة، عزلة لم تقتصر على الشعوب التي ظلت دوما تتظاهر ضد احتلالها وعدوانها، بل امتدت لتشمل الحكومات الغربية نفسها، التي طالما كانت السند الأكبر لتل أبيب، والأهم من ذلك أنّ شخصيات يهودية بارزة، طالما شكلت «درعا أخلاقيا» للكيان المحتل، بدأت تعلن صراحة رفضها لممارسات الاحتلال الوحشية.
فمن الثابت أن الاعترافات الأخيرة الصادرة عن دول لطالما مثلت سندا طبيعيا لدولة الاحتلال مثل بريطانيا وفرنسا ولئن كانت لا تشكّل منطلقا لإقامة دولة فلسطينية بجغرافيّة واضحة وبمقومات السيادة ولا تفرض إنهاء الحرب الجائرة وبالتالي فهي مجرد ذر رماد على العيون، إلا أنها لها دلالات رمزية في قراءة البعض لأنها تأتي استجابة لضغوطات الشعوب التي انقلبت على الكيان المحتل رغم كل محاولات تزييف الوعي وقلب الحقائق وهو ما نتج عنه سقوط كل السرديات الصهيونية في الشارع الغربي.
ولا تُقاس العزلة فقط بالمواقف السياسية، بل كذلك بما يُترجم على الأرض من قرارات اقتصادية، فخبراء إسرائيليون أنفسهم يعترفون بأن صورة تل أبيب في الخارج انهارت، وأن ذلك انعكس مباشرة على الاقتصاد، فمقترح المفوضية الأوروبية بتجميد التسهيلات التجارية يمثل تهديدا استراتيجيا، إذ أن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك الأهم لإسرائيل، باستثمارات تفوق 70 مليار يورو سنويا، و أي مساس بهذا الشريان التجاري إذا ما وقع إقراره فعلا سيعني ضربة قاسية لقدرة إسرائيل على تمويل حربها، بل وقد يفتح الباب أمام عزلة اقتصادية شبيهة بما واجهه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ومن الدلالات الواضحة على هذا التغير هو انضمام أصوات يهودية وازنة إلى جوقة المنتقدين، فالممثلة هانا إينبيندر الحائزة على جائزة «إيمي»، صرحت أن واجبها كيهودية يحتم عليها التمييز بين اليهودية كديانة وبين دولة إسرائيل ككيان سياسي عنصري، أما الممثل ماندي باتينكين، فقد دعا اليهود في العالم إلى مراجعة ضمائرهم، مذكرا إياهم بأنهم تحولوا من ضحايا للاضطهاد إلى جلادين يمارسونه على شعب آخر، وهذا التغير في المزاج اليهودي العالمي ليس حدثا عاديا، بل يهدّد الأساس الرمزي الذي قامت عليه شرعية إسرائيل بالادعاء بأنها تمثل اليهودية العالمية.
ومن الثابت في ظل هذه التحولات الحاصلة أن «الهاسبارا» الإسرائيلية قد سقطت سقوطا لا رجعة فيه ولا يمكن تداركه، وهي التي مكنت سابقا إسرائيل من كسب معاركها الاتصالية عبر رواية موحدة تروجها مؤسّساتها وجماعات الضغط التابعة لها في العواصم الكبرى، لكن صور الأطفال الجائعين وأشلاء المدنيين في غزة، التي تنتشر عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، باتت أقوى من أي بروباغندا، وهي الصور التي نجحت في تحويل السردية الإسرائيلية من «دولة تدافع عن نفسها» إلى «كيان يشن حرب إبادة جماعية»، وهو ما كرّس الهزيمة الأكبر للكيان الغاصب، فالعزلة الدبلوماسية قد تُعالج بصفقات سياسية، لكن خسارة الرأي العام العالمي هي جرح يصعب رتقه.
فالعزلة التي يواجهها الكيان الصهيوني ليست طارئة ولا عابرة، بل هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من العدوان والاحتلال، والجديد فقط هو أن ميزان القوى الإعلامية والسياسية والاقتصادية لم يعد يميل لصالحه كما في السابق، ففي النهاية، لا يمكن لأي قوة مهما بلغت أن تعيش خارج التاريخ والجغرافيا وضمير الإنسانية، واليوم أصبح هذا الكيان المارق عن كل القوانين والتشريعات منبوذا عالميا، وما اعتراف نتنياهو بالثمن الدبلوماسي والإعلامي الذي يدفعه إلا إقرار صريح بأن «إسرائيل» فقدت ورقتها الأهم في القدرة على إقناع العالم بروايتها.
هاشم بوعزيز
حجم الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية في الأيام الأخيرة رغم أنه لا يتجاوز الحبر الذي كتب به ولا يؤسس واقعا لمقومات الدولة ولا يضع حدا لحرب الإبادة الجماعية بعقوبات وضغوطات، وانسحاب عديد الوفود ومنها حتى الغربية أثناء إلقاء رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو لكلمته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقيم الدلالة على حجم العزلة التي أصبح يواجهها الكيان الغاصب عالميا وسقوط «الهاسبارا» الإسرائيلية رغم آلة الدعاية الضخمة التي لم تفد الصهاينة في شيء أمام انكشاف حجم الجرائم التي يمارسونها في غزة.
المشهد لم يعد يحتاج إلى كثير من التأويل أو التحليل، فإسرائيل اليوم تواجه عزلة دولية غير مسبوقة، عزلة لم تقتصر على الشعوب التي ظلت دوما تتظاهر ضد احتلالها وعدوانها، بل امتدت لتشمل الحكومات الغربية نفسها، التي طالما كانت السند الأكبر لتل أبيب، والأهم من ذلك أنّ شخصيات يهودية بارزة، طالما شكلت «درعا أخلاقيا» للكيان المحتل، بدأت تعلن صراحة رفضها لممارسات الاحتلال الوحشية.
فمن الثابت أن الاعترافات الأخيرة الصادرة عن دول لطالما مثلت سندا طبيعيا لدولة الاحتلال مثل بريطانيا وفرنسا ولئن كانت لا تشكّل منطلقا لإقامة دولة فلسطينية بجغرافيّة واضحة وبمقومات السيادة ولا تفرض إنهاء الحرب الجائرة وبالتالي فهي مجرد ذر رماد على العيون، إلا أنها لها دلالات رمزية في قراءة البعض لأنها تأتي استجابة لضغوطات الشعوب التي انقلبت على الكيان المحتل رغم كل محاولات تزييف الوعي وقلب الحقائق وهو ما نتج عنه سقوط كل السرديات الصهيونية في الشارع الغربي.
ولا تُقاس العزلة فقط بالمواقف السياسية، بل كذلك بما يُترجم على الأرض من قرارات اقتصادية، فخبراء إسرائيليون أنفسهم يعترفون بأن صورة تل أبيب في الخارج انهارت، وأن ذلك انعكس مباشرة على الاقتصاد، فمقترح المفوضية الأوروبية بتجميد التسهيلات التجارية يمثل تهديدا استراتيجيا، إذ أن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك الأهم لإسرائيل، باستثمارات تفوق 70 مليار يورو سنويا، و أي مساس بهذا الشريان التجاري إذا ما وقع إقراره فعلا سيعني ضربة قاسية لقدرة إسرائيل على تمويل حربها، بل وقد يفتح الباب أمام عزلة اقتصادية شبيهة بما واجهه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ومن الدلالات الواضحة على هذا التغير هو انضمام أصوات يهودية وازنة إلى جوقة المنتقدين، فالممثلة هانا إينبيندر الحائزة على جائزة «إيمي»، صرحت أن واجبها كيهودية يحتم عليها التمييز بين اليهودية كديانة وبين دولة إسرائيل ككيان سياسي عنصري، أما الممثل ماندي باتينكين، فقد دعا اليهود في العالم إلى مراجعة ضمائرهم، مذكرا إياهم بأنهم تحولوا من ضحايا للاضطهاد إلى جلادين يمارسونه على شعب آخر، وهذا التغير في المزاج اليهودي العالمي ليس حدثا عاديا، بل يهدّد الأساس الرمزي الذي قامت عليه شرعية إسرائيل بالادعاء بأنها تمثل اليهودية العالمية.
ومن الثابت في ظل هذه التحولات الحاصلة أن «الهاسبارا» الإسرائيلية قد سقطت سقوطا لا رجعة فيه ولا يمكن تداركه، وهي التي مكنت سابقا إسرائيل من كسب معاركها الاتصالية عبر رواية موحدة تروجها مؤسّساتها وجماعات الضغط التابعة لها في العواصم الكبرى، لكن صور الأطفال الجائعين وأشلاء المدنيين في غزة، التي تنتشر عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، باتت أقوى من أي بروباغندا، وهي الصور التي نجحت في تحويل السردية الإسرائيلية من «دولة تدافع عن نفسها» إلى «كيان يشن حرب إبادة جماعية»، وهو ما كرّس الهزيمة الأكبر للكيان الغاصب، فالعزلة الدبلوماسية قد تُعالج بصفقات سياسية، لكن خسارة الرأي العام العالمي هي جرح يصعب رتقه.
فالعزلة التي يواجهها الكيان الصهيوني ليست طارئة ولا عابرة، بل هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من العدوان والاحتلال، والجديد فقط هو أن ميزان القوى الإعلامية والسياسية والاقتصادية لم يعد يميل لصالحه كما في السابق، ففي النهاية، لا يمكن لأي قوة مهما بلغت أن تعيش خارج التاريخ والجغرافيا وضمير الإنسانية، واليوم أصبح هذا الكيان المارق عن كل القوانين والتشريعات منبوذا عالميا، وما اعتراف نتنياهو بالثمن الدبلوماسي والإعلامي الذي يدفعه إلا إقرار صريح بأن «إسرائيل» فقدت ورقتها الأهم في القدرة على إقناع العالم بروايتها.
هاشم بوعزيز
