مع الشروق .. أكبر من زوبعة في فنجان... أصغر من «انقلاب»

مع الشروق .. أكبر من زوبعة في فنجان... أصغر من «انقلاب»

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/03/27

لا ينتابنا شكّ في الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين أمريكا وإسرائيل.. هي ليست مجرّد علاقات وطيدة بين بلدين يتقاسمان قيما ومصالح مشتركة.. لكنها علاقات بين دولة عظمى وبين قاعدة متقدمة لها في قلب الشرق الأوسط.. وفي سرّة العالم.. وقرب ابار النفط.. على تخوم أهم ممرات التجارة الدولية.. وكلها عناصر دفعت بالرئيس بايدن منذ سنين طويلة إلى اطلاق مقولته الشهيرة بأنه «لو لم تكن هناك اسرائيل، لقمنا باختراعها».. وذلك للمزايا الاستراتيجية التي توفرها قاعدة متقدمة وثابتة في الشرق الأوسط وهو مفتاح العالم لأي دولة يمكن أن تضع عليها يدها.. لأجل كل هذا تدعم أمريكا اسرائيل ـ ظالمة وظالمة ـ لأنها تدعم مصالحها في نهاية المطاف.. والطابع الاستراتيجي والارتباط العضوي بين الطرفين لا يحتاجان إلى دليل أو تدليل.
ومع ذلك، فإن امتناع أمريكا عن رفع الفيتو في وجه القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن والذي دعا إلى وقف اطلاق النار في الأسبوعين المتبقيين من شهر رمضان المعظم، وان كان قرارا غير ملزم، فإنه يشكل انعطافة في علاقات الطرفين وجب التوقف عندها.. واستشراف ان كانت حدثا عابرا في سماء علاقات متينة، وطيدة أم منعرجا سيكون له ما بعده؟
لنقل منذ البداية ان هناك خصوصية في علاقات الطرفين تعطي هذه العلاقات طابعا استراتيجيا حيويا لا غنى عنه للطرفين/ طابع يجعل العلاقات الأمريكية ـ الاسرائيلية فوق الخلافات وفوق الزوابع لأنها تستند وعلاوة على الجوانب الاستراتيجية والأمنية، على جوانب أخرى تجعلها أكثر تداخلا وأكثر متانة.. ومن بينها الجوانب الحضارية والجوانب الدينية حيث تلتقي منذ عقود علاقات حكام واشنطن من المحافظين الجدد مطلع التسعينات إلى رموز التيار المسيحي المتصهين في الاعتقاد بأن رؤساء أمريكا المتصهينون وبدعمهم آسرائيل فكأنما يدعمون الله باقامة دولة يهودية بفلسطين للتعجيل بنهاية الزمان.. ومن هذه الزاوية فإن دعم أمريكا للكيان الصهيوني هو عبارة عن دعم أمريكي لشأن أمريكي صرف أو لمسألة أمريكية تحظى بالأولوية المطلقة..
لذلك فإن علاقات الطرفين تتجاوز الآن مسألة ضغط اللوبي الصهيوني وتأثيره في قرارات الادارة الأمريكية وتكتسب طابعا دينيا يضفي عليها نوعا من القدسية التي تنضاف إلى الجوانب الاستراتيجية لتجعل هذه العلاقات فوق الزوابع وفوق الأحداث العرضية.. لكن ما لا يظهر للعلن، أن المقود المتحكم  في سيرورة هذه العلاقات يقع في نهاية المطاف بين أيدي الإدارة الأمريكية التي تتصرف من خلاله في العلاقات مع الكيان وأيضا مع كامل دول الاقليم ومع قضاياه المتشعبة.. وهو ما يفرز من حين لآخر نوعا من التجاذب أو المناكفات بين حكام أمريكا وحكام الكيان.. إذ يحدث ان لا تتفق مواقف ورؤى وحسابات الطرفين كما يحدث الآن بين إدارة بادين وبين حكومة نتنياهو أو لنقل أيضا بين بايدن شخصيا ونتنياهو حول ادارة مآلات الحرب الصهيونية على غزة وحول مسألة غزو رفح بريا وهو ما يتمسك به نتنياهو ويعارضه بايدن بالنظر إلى فاتورته الانسانية الباهظة التي تهدد بإشعال حريق كبير في المنطقة بأسرها علاوة على أنها ستعصف بما تبقى من حظوظ للرئيس بايدن للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة..
يضاف إلى كل هذا انقطاع حبال الودّ بين بايدن ونتنياهو، إن كانت وجدت أصلا.. حيث تفيد التقارير والتحاليل حتى قبل «طوفان الأقصى» بأن بايدن متبرّم من أداء نتنياهو وان إدارته تبحث له عن بديل على نار هادئة.. وجاء الطوفان ليجرف ما تبقى من حبال تشد الطرفين إلى بعضهما البعض.. وهذه العناصر مجتمعة هي التي يجب من خلالها مقاربة علاقات الطرفين.. وكذلك مقاربة اقدام الادارة الأمريكية على السماح بتمرير قرار مجلس الأمن الأخير رغم تحذيرات نتنياهو وتهديده بالامتناع عن ارسال وفدين كانا سيتحوّلان إلى واشنطن لتباحث آفاق الحرب ومآلاتها.. ومن هذه الزاوية يمكن اعتبار الموقف الأمريكي بمثابة «فركة أذن» لنتنياهو لتذكيره بحجمه وبأنه ليس هو من يملي على الادارة الأمريكية مواقفها، وليس هو المتحكم في مقود إدارة الأمور في الاقليم وفي العالم..
وفوق كل هذا، قد يكون الموقف الأمريكي بمثابة رصاصة الرحمة على حياة نتنياهو السياسية ومؤشر قوي على أن ادارة بايدن نفضت منه أيديها نهائيا وهو المراهن ـ جهارا ـ على فوز ترامب في الاستحقاق الانتخابي المقبل.. وهو موقف سيكون له ما بعده لأن شظاياه قد تعصف بحكومة نتنياهو وقد تقوده إلى أروقة المحاكم لمجابهة قائمة طويلة من التهم.. وبذلك يكون الموقف الأمريكي الأخير أكثر من زوبعة في فنجان.. وأصغر من انقلاب على العلاقات الاستراتيجية مع الكيان.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك