مع الشروق : أفراح ..لكنها قاتلة

مع الشروق : أفراح ..لكنها قاتلة

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/25

بنقردان تبكي اليوم بحرقة شابا خلوقا رحل في لحظة كان يفترض أن تكون أسعد لحظات حياته…
في يوم زفافه. كل شيء كان معدا للفرح، للزغاريد، للضحكات، لتوزيع المشروبات والحلويات وتناول احسن الامكلات .. للأحلام التي تتفتح في بداية عمر جديد، لكن «رصاصة» طائشة قلبت الموازين وحوّلت العرس إلى مأتم، والبهجة إلى صدمة، والسعادة إلى دموع... مشهد مأساوي تتوقف عنده القلوب وتختنق الكلمات، مشهد يختصر عبثًا لا مبرر له في أفراحنا واعراسنا..
ما حصل في بنقردان ليس حادثا معزولا، بل هو انعكاس «لثقافة» بالية خطيرة ما زالت تعشش في عقولنا وسلوكنا باسم العادات والتقاليد والنوروث الشعبي،  ثقافة تُلبس الموت لباس الفرح، وتخلط بين العادة والكارثة باستعمال البارود  والرش في الأعراس ، إلى الفوشيك العشوائي في الاعياد يباع الاطفال على قارعة الطريق ، ومن السيارات التي يقودها مخمورون سعداء بزواج صديق ..في كلمة نعيش يوميًا على حافة الهاوية دون أن يشعر ،  الغلطة لحظة، لكن الندم سنين، وهذه الحادثة الموجعة خير دليل على أن الأرواح لا تحتمل التلاعب ولا تقبل التهاون.
بعض العادات والتقاليد التي نصر  على التمسك بها ليست سوى قنابل موقوتة تنتظر لحظة الانفجار،  فما معنى أن نفرح بالرش ؟ ما معنى أن نزغرد بطلقة بارود ؟ بأي منطق نربط الزواج، رمز الحياة والبداية الجديدة، بأصوات السلاح وروائح الدخان؟ وكيف نورث ابناءنا أن الفرح لا يكتمل إلا بضوضاء قد تقتلهم، وأن العادة أقوى من عقولهم وأغلى من حياتهم؟ 
هي عادات فقدت معناها اليوم وتحوّلت من رمزية بريئة وتباهي بالقوة والشجاعة إلى خطر داهم يهدد الأرواح ويمزق العائلات.
من حق أصحاب الفرح أن يفرحوا، وأن يغنوا ويرقصوا ويحتفلوا، لكن ليس من حق أحد أن يحوّل الفرح إلى مقامرة بالموت فالفرح لا يحتاج إلى سلاح ناري، ولا يحتاج إلى رش وبارود، ولا يحتاج إلى طلقات تخرق السماء وقد تخترق الأجساد كما حصل في بنقردان وفي مناطق اخرى من البلاد.. فرحنا الحقيقي يجب أن يكون بالحياة والاقبال عليها بالحب والسعادة لا بالموت واسلحة الموت بين ايادي كهول وشيوخ يتباهون بالنار. هذه الفاجعة ليست مجرد حادث عابر، بل هي مرآة لزمن يجب أن ينتهي.. زمن تُقدَّس فيه العادات أكثر من الأرواح والتقاليد اكثر من الحياة، ويُرفع فيه شعار "عادات الاجداد " وكأنه مبرر كاف للموت. 
اليوم، يجب أن يكون الكلام واضحا مباشرة: العادات والتقاليد ليست مقدسة مهما كانت جذورها ، وأن كل ما يشكل خطرًا على الحياة يجب أن يُلغى فورا ولو بقوة القانون،  فالتقاليد التي تزرع موتا وتخيط اكفانا لا تستحق البقاء، والموروث الذي يهدد سلامتنا لا معنى له إلا في كتب التاريخ.
عادات وتقاليد يمكن تجاوزها إذا كان بعضها يحمل في طياته خطورة على الأرواح… لأن لا معنى لفرح يزرع موتا، ولا قيمة لزغاريد تخرج من بين أنين وحسرات، ولا فائدة في استمرار موروث يصبح قاتلًا في ليلة يفترض أن تكون رمزًا للحياة.
راشد شعور
 

تعليقات الفيسبوك