مع الشروق...وراء صفقة الغواصات... ما وراءها !

مع الشروق...وراء صفقة الغواصات... ما وراءها !

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/09/19

زوبعة كبرى تلك التي تفجّرت بين فرنسا من جهة وأمريكا واستراليا من جهة أخرى. زوبعة سيكون لها ما بعدها وسوف تفضي إلى تحولات جذرية على خارطة التحالفات الدولية.


الزوبعة سببها صفقة الغواصات التي أبرمتها فرنسا مع حكومة أستراليا منذ 2016 والقاضية بتزويدها بـ 12 غواصة ذات دفع تقليدي. لكن ودون مقدمات وفي غفلة من السلطات الفرنسية تتبخّر الصفقة وتتحول من وراء ظهر باريس إلى صفقة بين أستراليا وأمريكا. وتتحول الغواصات التي كانت تقليدية وتشتغل بالمازوت في نسختها الفرنسية إلى غواصات نووية في نسختها الأمريكية وهو ما يوفر لها امكانات أعرض بكثير للمناورة تحت الماء ولوقت أطول. صفقة أغضبت باريس التي عدتها «طعنة في الظهر» من الحليف الأمريكي الذي اكتفى بتوجيه بعض عبارات «الأسف» التي لا يمكن أن تبرر «طعنة» من هذا العيار لحليف مهم على الساحة الأوروبية والتي لا تكفي لرأب الصدع بين الحليفين وترميم جسور الثقة بين الطرف الأمريكي وحليفه على الضفة الأخرى للأطلسي ومن ورائه  الطرف الأوروبي.


من علامات غضب السلطات الفرنسية التي نددت بـ«غدر» السلطات الاسترالية وبـ«طعنة» واشنطن الغاء فرنسا حفلا كان سيقام في واشنطن احتفاء بالنصر في احد المعارك البحرية على الأسطول البريطاني. ليس هذا فقط بل ان باريس سحبت سفيريها في «كامبيرا» (عاصمة أستراليا) وواشنطن للتشاور في تحرّك غاضب يعدّ من أعلى درجات الغضب والاحتجاج في قاموس ونواميس العلاقات بين الدول، فما بالك إذا كانت هذه العلاقات تجمع بين حلفاء. والأكيد ان هذا الغضب سيكون له ما بعده. لأن الطعنة الأمريكية تأتي لتصب الزيت على نار كامنة تحت الرماد في سجل العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية التي تعاني بعض التصدع الذي ضرب الثقة بين الطرفين ودفع أصواتا عديدة في أوروبا للدعوة إلى تشكيل قوة ردع وحماية أوروبية بعيدا عن حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه وتشكل نواته الصلبة الولايات المتحدة الأمريكية.


هذه الارهاصات التي تشي بتحولات أكثر دراماتيكية على صعيد العلاقات الأمريكية الأوروبية لم تنطلق من فراغ. ذلك ان الحليف الأوروبي ظل يتلقط علامات الوهن للامبراطورية الأمريكية ليصل الأمر بوزير بريطاني حدّ التأكيد أن أمريكا لم تعد قوة عظمى.. كما أن الحليف الأوروبي التقط العديد من علامات التحول في الأولويات الاستراتيجية لأمريكا.. حيث باشرت واشنطن منذ فترة انسحابها التدريجي من شؤون الشرق الأوسط المنطقة المتاخمة للحليف الأوروبي ومن مناطق أخرى من العالم للتركيز على صعود «الغريم» الصيني الذي راكم الكثير من مقومات القوة وباتت طموحاته الامبراطورية وتوقه إلى لعب دور حيوي ومحوري على الصعيد الدولي تؤرق أمريكا وتهدد بتقويض ريادتها للعالم وموقعها كقوة أولى ومهيمنة على العالم.


وعلى هذا الصعيد يأتي تحولان استراتيجيان كبيران أولهما «الهروب» الأمريكي غير المفهوم من أفغانستان. وثانيهما صفقة الغواصات التي «اختطفت» من فم الحليف الفرنسي والتي باتت تشكل بطابعها النووي تهديدا مباشرا للصين وتؤشر إلى نشوء تحالف أمريكي ـ بريطاني ـ أسترالي موجه لكبح الصعود الصيني. وهي الرسالة التي سرعان ما التقطتها سلطات بيكين التي سرعان ما ندّدت بهذا التوجه الخطير.. وبالتأكيد لن تقف بيكين عند مجرد التنديد وهو ما يشي بتحولات متسارعة وبخطوات متبادلة سيكون تأثيرها كبيرا وخطيرا على الاستقرار الاقليمي في بحر الصين وما حوله وعلى السلم والأمن الدوليين.


أزمة الغواصات ليست مجرد صفقة أجهضت وليست مجرد طعنة وجهت لظهر حليف.. بل هي عنوان لصراع قادم قد يفضي إلى مواجهة مسلحة بين أمريكا والصين.. وأمريكا التي تنظر إلى ريادتها العالمية وهي تترنّح ستكون مستعدة لكل السيناريوهات بما فيها القوة العسكرية لمنع الصعود الصيني نحو الريادة.. فأين العرب من هذه التحولات الصاخبة التي تجري.. سؤال سوف تبقى أصداؤه تتردّد في واد غير ذي  زرع!
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك