مع الشروق..الخدمات العمومية... وتشتّت الأدوار

مع الشروق..الخدمات العمومية... وتشتّت الأدوار

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/10/24

ونحن على أبواب موسم التقلبات الجوية والفيضانات التي تهدد المدن والأحياء سينطلق بالتوازي مع ذلك الموسم المعهود ل"تقاذف" مسؤولية ما قد يحصل من كوارث - لا قدر الله - بين عديد الهياكل العمومية، وهو أمر بات معهودا ليس بالنسبة للفيضانات فقط بل في عديد المجالات الأخرى..


من معضلات الدولة التونسية تشتت الأدوار في إدارة الشأن العام والخدمات العمومية بين أكثر من طرف فتصبح بذلك عديد المهام الموكولة للدولة كالكرة تتقاذفها عدة هياكل عمومية دون أن يقع تحميل المسؤولية لهيكل واحد يمكن مراقبته ومحاسبته عند التقصير أو عند سوء التصرف أو عند حصول ضرر للمواطن.


في تونس، تتوزع العناية بالبنية التحتية للطرقات والشوارع والأنهج بين وزارة التجهيز والبلديات، وهو ما يتسبب في تدهور ملحوظ لحالة العديد منها على امتداد كامل أنحاء الجمهورية وبقائها أحيانا مدة سنوات دون تدخل من أي طرف لإصلاحها وذلك نتيجة تبادل رمي كرة المسؤولية بين الطرفين..


وفي تونس يتشتت ملف النفايات في المدن بين البلديات من جهة والهياكل التابعة لوزارة البيئة على غرار وكالة التصرف في النفايات من جهة أخرى، وهو ما يتسبب بين الحين والآخر في أزمة بيئية خطيرة على غرار ما حصل مؤخرا بجهة صفاقس وسط مخاوف من تكرار الظاهرة في مناطق أخرى..


وفي تونس يتقاسم مهمة تصريف المياه المستعملة ومياه الأمطار والحماية من الفيضانات كل من وزارة التجهيز ووزارة الفلاحة (ديوان التطهير) ووزارة البيئة والبلديات، وعند حصول فيضانات تصعب مهمة التنسيق في ما بينها ويحاول كل منها التفصي من المسؤولية، وفي الأثناء "يغرق" المواطن ولا يجد من يسمعه..


وفي تونس، تتولى الصيدلية المركزية شراء وتوزع الدواء بصفة حصرية وتتولى المستشفيات العمومية تقديم العلاج لكن كل منهما ينتظر دائما الحصول على الأموال الضرورية من صندوق التأمين على المرض ( الكنام) الذي ينتظر بدوره الحصول على المبالغ المقتطعة من الأجراء من صندوقي الضمان الاجتماعي.


وفي تونس تتوزع مهمة محاربة الفساد وسوء التصرف ومراقبة المال العام بين عدة هيئات رقابية تعمل بكل استقلالية عن بعضها البعض وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى صعوبات عديدة في التصدي لمظاهر الفساد المختلفة التي انتشرت بشكل ملحوظ وأصبح بعضها خارج سيطرة الدولة نتيجة تقاذف المسؤوليات..


أمثلة عديدة وغيرها كثير من التداخل الحاصل بين عديد الأطراف في أدوار هامة وحساسة موكولة للدولة دون أن يُعرف الطرف الحقيقي المسؤول عنها. وهو ما أصبح يمثل مصدر قلق واستياء لدى المواطن نتيجة تعطيل قضاء شؤونه، وسببا بارزا لتدهور جودة خدمات المرفق العام ولتعطيل المصالح الحيوية للدولة..


اليوم، أصبحت الدولة في حاجة إلى إعادة هيكلة بعض مفاصلها ومراجعة توزيع الأدوار بين مختلف الهياكل العمومية وذلك من خلال إسناد مهمة التصرف في قطاع ما إلى هيكل وحيد يتولاه بصفة حصرية أو بتدخل هيكل آخر على أقصى تقدير. فظاهرة تشتيت الأدوار بين أكثر من طرف – والتي تكاد تختص بها تونس- لم تُخلف غير اللخبطة والفوضى في تسيير الشأن العام وأصبحت تفسح المجال أمام انتشار الفساد وسوء التصرف واهدار المال العام دون أن يقع تحميل المسؤولية لطرف وحيد واضح وجليّ..


فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك