مع الشروق : من العراق إلى فينزويلا... حروب النفط والمعادن !
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/05
حيثما يوجد النفط والغاز وتوجد مناجم الذهب والمعادن النفيسة تتجه «الدابة» الأمريكية.. وكأن ثروات وخيرات الشعوب مغناطيس يجذب هذه الدابة.. وكأن هذه الخيرات تسيل لعاب هذه الدابة فلا تقوى على المقاومة وتندفع اندفاعا لوضع اليد عليها.. وتصبح المعادلة أكثر صخبا وأكثر عبثية عندما يصعد إلى سدّة البيت الأبيض رئيس من طينة الرئيس ترامب يكون رجل استثمار وصفقات.. رجل بارع في اشعال الحروب والأزمات، خبير في اطفائها وتحويلها إلى مشاريع استثمارية يكسب منها هو وعائلته ملايين الدولارات.. ليعود بعدها ويقول أنه لا يشعل الحروب بل يطفئها.. لتتحول الأزمات الدولية إلى مشاريع استثمارية يحيّرها برصيده السياسي كرجل يصنع السلام.. وكذلك لرصيده الاستثماري حيث ينشط صهره ـ جاريد كوشنير ـ وباقي منظومة العائلة في ابرام الصفقات في الكواليس وتكديس الغنائم والمكاسب.
ولعل آخر أنموذج يصلح لتجسيد هذا «التكتيك الترامبي» هو الأزمة المحتدمة التي افتعلها مع فينرويلا والتي يغلفها بغياب الديمقراطية وبضلوع نظام الرئيس ـ «مادورو» في ترويج المخدرات واغراق أمريكا بسموم هذه الآفة.. والحال أن كل العالم يدرك أن الديمقراطية وحقوق الانسان هي آخر هموم واهتمامات الرئيس الأمريكي.. كما يدرك أن النظام الفينزويلي شأنه شأن النظام في كولمبيا بريء من اغراق أمريكا بآفة المخدرات.. أما الحقيقة فهي أبعد ما تكون عن هذه المزاعم الواهية والتهم الملفقة.. لأن السبب الحقيقي الذي يدفع بالدابة الأمريكية إلى بحر الكاريبي هو الاحتياطي الضخم والمهول من النفط الذي ينام في أراضي ومياه فينزويلا ليجعل من هذا البلد صاحب أكبر احتياطي للنفط في العالم.. وقديما قالت العرب «إذا عُرف السبب، يطل العجب».. وحين نضع الثروات المهولة من النفط الفينزويلي بالامكان تحسّس أسباب «الغضب الأمريكي المفاجئ» من الرئيس مادورو ونظامه.
والحقيقة أن هذا ـ التكتيك ـ ليس جديدا على الرئيس ترامب وعلى أمريكا عموما حيث يمثل أحد ثوابت وتوجهات أمريكا في تعاطيها مع شؤون العالم ومع الأزمات الدولية. فقد اندفعت ـ الدابة الأمريكية ـ عام 2003 إلى العراق تحت لافتة نشر الديمقراطية وحقوق الانسان وتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وكل العالم يدرك أن هذه الشعارات ماهي إلا مساحيق غلفت بها أمريكا أهدافها الحقيقية ممثلة في المخزون العراقي الضخم من النفط وفي بداية انجاز ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» من خلال استشهاد الشهيد صدام حسين لتتداعى بعده دول المنطقة وتتهاوى مثل حبات ـ الدومينو ـ كما نشهد الآن. والسيناريو العراقي تكرّر في سوريا حيث أشعلت أمريكا وحلفاؤها الحرب في سوريا عام 2011 وتحت ستار هذا العدوان الشامل تسلّلت الدابة الأمريكية إلى شرق الفرات لتضع يدها على منابع النفط السورية ولتقطع ـ الحبل السرّي ـ بين طهران وسوريا والذي كانت ايران تمدّ من خلاله سوريا بالسلاح والعتاد.. السيناريو أعيد في غزة لكن بشكل آخر.. حيث أطلقت الادارة الأمريكية يد نتنياهو ليدمر كل شيء في القطاع ويقضي على كل أسباب الحياة فيه ليطلع ترامب بقصة تحويل غزة إلى «ريفييرا» يتكدس فيها أثرياء العالم بعد افراغها من سكانها قبل أن يعيد مرحليا النظر في خطته الأولى ويختزلها في المساحة ما بين حدود الكيان والخط الأصفر الذي بات يشطر غزة إلى نصفين في انتظار أن يكمل نتنياهو «الشغل» ويطرد الفلسطينيين ـ قطرة ـ قطرة.. وفي غزة تخطيط لـ«ريفييرا» وتخطيط لتحويل الحج من مكة إلى عسقلان أرض سيدنا ابراهيم وتصلح لاستقطاب الحجيج بعد أن يتم التمكين لـ«الديانة الابراهيمية» التي يضغط ترامب لتعميمها.. وفي غزة أيضا وخاصة في شواطئها احتياطي ضخم من الغاز يسيل هو الاخر لعاب الدابة الأمريكية.
والأمثلة عديدة ومتنوعة. ويكفي أن نتطلع إلى حيث تتوجه أمريكا بآلتها الديبلوماسية وبترسانتها الحربية لندرك أن في الأمر ـ نفطا أو غازا أو ذهبا أو معادن نفيسة ـ وكذلك لندرك كيف تتحول الحروب والنزاعات التي تشعلها أمريكا في السرّ إلى مكاسب ومغانم سياسية في العلن.. مكاسب يتسلّى ترامب بتحويلها إلى أرقام في تعداد «الحروب التي أطفأها» وكذلك إلى أرقام في الحسابات الجارية لعائلته ولشركاته ولمقاولاته.
فهل نعجب بعد هذا من اندفاع الدابة الأمريكية إلى العراق وإلى سوريا وغزة والشرق الأوسط عموما.. وهل نعجب بعدها لحريق السودان.. وهل نعجب إذا أشعل غدا حريق فينزويلا.. في انتظار وجهات أخرى للدابة الأمريكية تحدّدها تحت الطلب صور الأقمار الاصطناعية وأبحاث الدارسين والمستكشفين والعلماء.
عبد الحميد الرياحي
حيثما يوجد النفط والغاز وتوجد مناجم الذهب والمعادن النفيسة تتجه «الدابة» الأمريكية.. وكأن ثروات وخيرات الشعوب مغناطيس يجذب هذه الدابة.. وكأن هذه الخيرات تسيل لعاب هذه الدابة فلا تقوى على المقاومة وتندفع اندفاعا لوضع اليد عليها.. وتصبح المعادلة أكثر صخبا وأكثر عبثية عندما يصعد إلى سدّة البيت الأبيض رئيس من طينة الرئيس ترامب يكون رجل استثمار وصفقات.. رجل بارع في اشعال الحروب والأزمات، خبير في اطفائها وتحويلها إلى مشاريع استثمارية يكسب منها هو وعائلته ملايين الدولارات.. ليعود بعدها ويقول أنه لا يشعل الحروب بل يطفئها.. لتتحول الأزمات الدولية إلى مشاريع استثمارية يحيّرها برصيده السياسي كرجل يصنع السلام.. وكذلك لرصيده الاستثماري حيث ينشط صهره ـ جاريد كوشنير ـ وباقي منظومة العائلة في ابرام الصفقات في الكواليس وتكديس الغنائم والمكاسب.
ولعل آخر أنموذج يصلح لتجسيد هذا «التكتيك الترامبي» هو الأزمة المحتدمة التي افتعلها مع فينرويلا والتي يغلفها بغياب الديمقراطية وبضلوع نظام الرئيس ـ «مادورو» في ترويج المخدرات واغراق أمريكا بسموم هذه الآفة.. والحال أن كل العالم يدرك أن الديمقراطية وحقوق الانسان هي آخر هموم واهتمامات الرئيس الأمريكي.. كما يدرك أن النظام الفينزويلي شأنه شأن النظام في كولمبيا بريء من اغراق أمريكا بآفة المخدرات.. أما الحقيقة فهي أبعد ما تكون عن هذه المزاعم الواهية والتهم الملفقة.. لأن السبب الحقيقي الذي يدفع بالدابة الأمريكية إلى بحر الكاريبي هو الاحتياطي الضخم والمهول من النفط الذي ينام في أراضي ومياه فينزويلا ليجعل من هذا البلد صاحب أكبر احتياطي للنفط في العالم.. وقديما قالت العرب «إذا عُرف السبب، يطل العجب».. وحين نضع الثروات المهولة من النفط الفينزويلي بالامكان تحسّس أسباب «الغضب الأمريكي المفاجئ» من الرئيس مادورو ونظامه.
والحقيقة أن هذا ـ التكتيك ـ ليس جديدا على الرئيس ترامب وعلى أمريكا عموما حيث يمثل أحد ثوابت وتوجهات أمريكا في تعاطيها مع شؤون العالم ومع الأزمات الدولية. فقد اندفعت ـ الدابة الأمريكية ـ عام 2003 إلى العراق تحت لافتة نشر الديمقراطية وحقوق الانسان وتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وكل العالم يدرك أن هذه الشعارات ماهي إلا مساحيق غلفت بها أمريكا أهدافها الحقيقية ممثلة في المخزون العراقي الضخم من النفط وفي بداية انجاز ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» من خلال استشهاد الشهيد صدام حسين لتتداعى بعده دول المنطقة وتتهاوى مثل حبات ـ الدومينو ـ كما نشهد الآن. والسيناريو العراقي تكرّر في سوريا حيث أشعلت أمريكا وحلفاؤها الحرب في سوريا عام 2011 وتحت ستار هذا العدوان الشامل تسلّلت الدابة الأمريكية إلى شرق الفرات لتضع يدها على منابع النفط السورية ولتقطع ـ الحبل السرّي ـ بين طهران وسوريا والذي كانت ايران تمدّ من خلاله سوريا بالسلاح والعتاد.. السيناريو أعيد في غزة لكن بشكل آخر.. حيث أطلقت الادارة الأمريكية يد نتنياهو ليدمر كل شيء في القطاع ويقضي على كل أسباب الحياة فيه ليطلع ترامب بقصة تحويل غزة إلى «ريفييرا» يتكدس فيها أثرياء العالم بعد افراغها من سكانها قبل أن يعيد مرحليا النظر في خطته الأولى ويختزلها في المساحة ما بين حدود الكيان والخط الأصفر الذي بات يشطر غزة إلى نصفين في انتظار أن يكمل نتنياهو «الشغل» ويطرد الفلسطينيين ـ قطرة ـ قطرة.. وفي غزة تخطيط لـ«ريفييرا» وتخطيط لتحويل الحج من مكة إلى عسقلان أرض سيدنا ابراهيم وتصلح لاستقطاب الحجيج بعد أن يتم التمكين لـ«الديانة الابراهيمية» التي يضغط ترامب لتعميمها.. وفي غزة أيضا وخاصة في شواطئها احتياطي ضخم من الغاز يسيل هو الاخر لعاب الدابة الأمريكية.
والأمثلة عديدة ومتنوعة. ويكفي أن نتطلع إلى حيث تتوجه أمريكا بآلتها الديبلوماسية وبترسانتها الحربية لندرك أن في الأمر ـ نفطا أو غازا أو ذهبا أو معادن نفيسة ـ وكذلك لندرك كيف تتحول الحروب والنزاعات التي تشعلها أمريكا في السرّ إلى مكاسب ومغانم سياسية في العلن.. مكاسب يتسلّى ترامب بتحويلها إلى أرقام في تعداد «الحروب التي أطفأها» وكذلك إلى أرقام في الحسابات الجارية لعائلته ولشركاته ولمقاولاته.
فهل نعجب بعد هذا من اندفاع الدابة الأمريكية إلى العراق وإلى سوريا وغزة والشرق الأوسط عموما.. وهل نعجب بعدها لحريق السودان.. وهل نعجب إذا أشعل غدا حريق فينزويلا.. في انتظار وجهات أخرى للدابة الأمريكية تحدّدها تحت الطلب صور الأقمار الاصطناعية وأبحاث الدارسين والمستكشفين والعلماء.
عبد الحميد الرياحي