مع الشروق : لحظة تحوّل ممكنة في الوعي الغربي؟

مع الشروق : لحظة تحوّل ممكنة في الوعي الغربي؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/11/06

يشكّل فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك لحظة فارقة في التاريخ السياسي الأمريكي، ليس فقط لأنه أصغر من تولّى هذا المنصب وأكثرهم جرأة في مواجهة المنظومة التقليدية، بل لأنه كسر أحد أقوى المحاذير السياسية في الولايات المتحدة المتعلقة بنقد إسرائيل علنا ومساندة القضية الفلسطينية من داخل مؤسسة الحكم الأمريكية نفسها.
ففي مدينة تُعدّ معقل اللوبي الصهيوني ونقطة ارتكاز النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، استطاع شاب من أصول آسيوية أن يهزم ماكينة المال والإعلام والضغط السياسي، وأن يفرض نفسه بخطاب مختلف جذريا عن السائد. 
هذا الفوز لا يمكن اعتباره مجرد نجاح انتخابي محلي، بل هو مؤشر على تغير عميق في وعي الناخب الأمريكي، خاصة في أوساط الشباب والطبقة المتوسطة والمهمّشة، الذين سئموا من ازدواجية المعايير ومن تواطؤ حكوماتهم مع سياسات الاحتلال والتمييز العنصري.
فما فعله زهران ممداني يُشبه الزلزال السياسي، فقد واجه الرئيس الأمريكي نفسه، الذي حاول ثنيه عن الترشح عبر رسائل غير مباشرة ودعوات لمقاطعته، كما شنّ الإعلام الموالي للكيان الغاصب حملة شرسة عليه وصلت إلى حد التشكيك في وطنيته، ومع ذلك، اختار الناخبون الوقوف إلى جانبه لأنهم رأوا فيه وجهاً جديدا للسياسة يقول الحقيقة دون مواربة، وينتقد النظام الصهيوني دون خوف من لوبيات الضغط.
برنامج زهران في عمقه لم يكن عاديا، فقد تضمّن مواقف صريحة تدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، واعتبر أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، مؤكدا أن العدالة للشعب الفلسطيني هي جزء من العدالة العالمية، والأدهى من ذلك أنه أعلن صراحة أنه سينفذ مذكرة التوقيف الدولية بحق بنيامين نتنياهو في حال زيارته لمدينة نيويورك، في موقف لم يجرؤ أي مسؤول أمريكي على تبنيه من قبل.
بهذا الفوز، تلقّى اللوبي الصهيوني في أمريكا صفعة قوية، فلطالما كانت نيويورك معقله الحصين، ومنصّته للتأثير في السياسة الأمريكية والخارجية، واليوم يتحول هذا المعقل إلى نقطة مقاومة رمزية، ويصبح على رأسها سياسي شاب لا يخشى التصادم مع مصالح إسرائيل، في رسالة واضحة من الناخب الأمريكي إلى المؤسسة السياسية مفادها أن الرأي العام لم يعد خاضعا لابتزاز "الهاسبارا الإسرائيلية"، ولم تعد الدعاية التقليدية قادرة على تبرير المجازر والانتهاكات ضد الفلسطينيين.
فمن الثابت أن زهران ممداني يمثل جيلا جديدا من القادة الغربيين الذين يتحررون من عقدة تأييد إسرائيل كشرط للقبول السياسي، جيلٌ يرى في العدالة والقانون الدولي مرجعية أعلى من التحالفات الأيديولوجية أو المصالح الانتخابية، ومن هنا، فإن صعود ممداني ليس حدثا معزولا، بل جزء من موجة أوسع بدأت تتشكل داخل الجامعات والنقابات وحركات الشباب والمجتمع المدني، والتي تطالب بإعادة تعريف العلاقة الغربية مع إسرائيل على أسس أخلاقية وإنسانية.
ويمكن القول إن صعود ممداني، قد يكون فاتحة لمرحلة جديدة في الخطاب السياسي الغربي، وقد تكون هذه اللحظة بداية انكسار "القداسة السياسية" التي أحاطت بإسرائيل لعقود، وبداية بروز جيل من القادة الذين يؤمنون أن الحرية لا تتجزأ، وأن العدالة للفلسطينيين هي امتحان صدق القيم الغربية نفسها، وهذا ما قد تثبته السنوات المقبلة أو قد تنفيه.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك