مع الشروق : رهانات ترامب... ومعادلات المنطقة

مع الشروق : رهانات ترامب... ومعادلات المنطقة

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/05/15

تكتسب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قادته إلى المملكة العربية السعودية، أهمية استثنائية كونها تمثل أول جولة شرق أوسطية له منذ انطلاق ولايته الرئاسية الثانية تشمل أيضا قطر والإمارات، وهي ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي روتيني، بل تحمل في طياتها ملامح رؤية أمريكية لإعادة تشكيل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، تتكشف تباعا من خلال اللقاءات رفيعة المستوى، وفي مقدمتها المباحثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتصريحات ذات الدلالات التي تصدر عن الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض.
وتأتي هذه الزيارة في سياق اقتصادي وسياسي لافت، حيث تشير التقارير إلى صفقات استثمارية ضخمة، إذ تحدثت مصادر عن استثمارات بمليارات الدولارات واتفاقيات في مجالات متنوعة تكنولوجيا واقتصاديا، حيث سيمهد هذا الزخم الطريق أمام تفاهمات سياسية أعمق، ويبدو أن الهدف يتجاوز مجرد تعزيز العلاقات الثنائية، ليصل إلى بناء شراكات جديدة تكون فيه المملكة العربية السعودية حجر الزاوية، ضمن استراتيجية أمريكية أوسع لمواجهة التحديات القائمة وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
ولم يتردد الرئيس ترامب في إعادة تأكيد الموقف الأمريكي المتشدد تجاه إيران، واصفاً إياها بأنها "أكبر قوة مدمرة في الشرق الأوسط"، في تصنيف يعكس استمرار سياسة المواجهة التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدرجات متفاوتة، والتي يبدو أنها ستأخذ منحى أكثر حدة في ظل الإدارة الحالية، فالهدف من هذا الضغط المتواصل هو دفع طهران إما إلى طاولة المفاوضات بشروط تراها واشنطن وحلفاؤها أكثر ملاءمة، أو المخاطرة بمزيد من التصعيد الذي قد تكون له عواقب وخيمة على استقرار المنطقة برمتها، ويبدو أن تعزيز التحالفات الإقليمية، وحديث ترامب عن التطبيع مع عدة دول عربية يندرج ضمن هذه الاستراتيجية لاحتواء النفوذ الإيراني وتقويضه، وفقا لما يسوّق له ساكن البيت الأبيض.
وبدا لافتا خلال هذه الزيارة إلى الرياض، اللقاء الذي جمع بين ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، والذي يتزامن مع تصريحات ترامب عن نيته "التحرك نحو تطبيع العلاقات ورفع العقوبات عن سوريا لإعطاء الحكومة الجديدة فرصة للسلام والنمو"، وهي خطوة، إن تمت بالفعل، تمثل تحولا في المقاربة الأمريكية للملف السوري، فهي قد تشير إلى محاولة أمريكية لملء الفراغ الاستراتيجي الذي قد ينشأ عن تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا نتيجة للضغوط والأوضاع الإقليمية والدولية، كما أنها قد تمهد الطريق أمام تشكيل تحالف جديد يضم دمشق، أو على الأقل جزءاً من المشهد السياسي السوري المستقبلي، إلى المحور الأمريكي-الخليجي، مما يعيد رسم خريطة التحالفات في سوريا بشكل كبير.
وعلى الرغم من هذه الطروحات التي يسعى ترامب إلى ترويجها في جولته الخليجية لإعادة تشكيل المنطقة، إلا أن تطبيقها يظل مرهونا بالعديد من العوامل المعقدة والمتشابكة، فالمعادلة الأكثر تعقيدا تكمن في كيفية موازنة الضغوط الأمريكية لتحقيق هذه الأهداف مع ضرورة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي الهش أصلا، فمخاطر انفجار الأوضاع في المنطقة لا تزال قائمة، علاوة على أن القدرة على احتواء أي تصعيد محتمل مع إيران، وإدارة الانتقال السياسي المعقد في سوريا، والأهم من كل ذلك تقديم حل عادل للقضية الفلسطينية، التي تظل حجر الأساس في  أي تسويات إقليمية جديدة على المستوى الشعبي والرسمي العربي.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك