ما بعد الطوفان: المقاومة تكتب معادلة النصر
تاريخ النشر : 11:47 - 2025/10/13
فجر التاسع من أكتوبر 2025 سيبقى يوماً مفصلياً في الذاكرة السياسية للمنطقة، ليس لأنه شهد إعلان وقف إطلاق النار ، بل لأنه جسّد تحولاً استراتيجياً في بنية الصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبين الوعي العربي والعالمي تجاه مفهوم العدالة والشرعية الدولية. فالبيان الذي أصدرته حركة المقاومة الإسلامية حماس عقب مفاوضات شرم الشيخ التي قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاء ليعلن نهاية حرب الإبادة على غزة، وانسحاب الاحتلال، ودخول المساعدات وتبادل الأسرى.
لكن خلف هذا النص الدبلوماسي المكثف تختبئ وقائع استراتيجية عميقة تستحق القراءة والتحليل.
منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، دخلت المنطقة في واحدة من أطول وأقسى الحروب في التاريخ الحديث. عامان من النار والدمار، وحصار خانق استهدف الإنسان قبل الحجر، لكن غزة لم تنكسر. بل على العكس، استطاعت المقاومة أن تُعيد تشكيل معادلة القوة على نحوٍ لم يتصوره أحد. لقد انتقلت من الدفاع إلى الردع، ومن رد الفعل إلى الفعل السياسي المؤثر، وأثبتت أن
الإرادة الواعية قادرة على تعديل موازين القوى حتى في غياب التكافؤ العسكري.
في المقابل، كان الاحتلال يعيش حالة إنهاك وجودي. لم يعد يملك ترف المبادرة ولا القدرة على الحسم. انهارت هيبة جيشه، وتآكلت ثقة المجتمع الإسرائيلي بقياداته، وتفجرت التناقضات داخل الائتلاف الحاكم بين من يريد إنهاء الحرب بأي ثمن، ومن يخشى الاعتراف بالفشل. أمّا على الصعيد الدولي، فقد تحولت "إسرائيل" من دولة يُدافع عنها الإعلام الغربي، إلى كيان تُلاحقه الاتهامات بالجرائم ضد الإنسانية، وتواجه عزلة أخلاقية غير مسبوقة.
التحول اللافت جاء من قلب الغرب نفسه. فبعد عامين من المجازر، بدأ اليمين المحافظ الأمريكي الذي كان يوماً الحليف الأوثق لإسرائيل، يعيد حساباته. شخصيات مؤثرة مثل تاكر كارلسون و تشارلي كيرك وقيادات داخل الحزب الجمهوري انتقدت علناً الانحياز الأعمى لتل أبيب، واعتبرت أن واشنطن تخسر أخلاقياً واستراتيجياً بدعمها لسياسات الإبادة. هذه المراجعات الفكرية والسياسية تشكل بداية تحول في الوعي الغربي، عنوانه: أن فلسطين لم تعد قضية دينية أو قومية فحسب، بل اختبار للضمير الإنساني.
على المستوى العربي، كشفت الحرب عمق التناقض بين الشعوب والأنظمة. ففي الوقت الذي صمتت فيه بعض الحكومات أو هرولت نحو التطبيع، كانت الشعوب تهتف لفلسطين في العواصم من الرباط إلى جاكرتا، مذكّرة الجميع بأن القضية لا تموت بالخذلان الرسمي. ومن رحم هذا الوعي الشعبي، اكتسبت المقاومة مشروعيتها الأعمق، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كرمز للكرامة العربية والإسلامية.
اليوم، ومع إعلان وقف إطلاق النار، تدخل المقاومة مرحلة جديدة: مرحلة إدارة النصر.
هذه بكل تأكيد ليست نهاية المعركة، بل بدايتها السياسية. فاذا كانت الحرب تُدار بالسلاح، فان السلام يُدار بالعقل. والمقاومة مطالبة بأن تترجم إنجازها العسكري إلى مكاسب سياسية صلبة، دون أن تقع في فخ الضغوط. فالمعادلة القادمة دقيقة:
إعادة الإعمار دون الإذعان، والتهدئة دون التفريط، والانفتاح السياسي دون التنازل عن الثوابت.
الرئيس ترامب الذي رعى الاتفاق في شرم الشيخ، وإن كان يتحرك بدافع المصلحة الانتخابية والسياسية ، إلا أنه أدرك أن استمرار الحرب يهدد استقرار المنطقة ويقوّض هيبة واشنطن.
وهنا يمكن القول إن حماس أجبرت الجميع على الاعتراف بوجودها السياسي، ليس كتنظيم مقاوم فقط، بل كفاعل إقليمي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تخص فلسطين أو أمن الشرق الأوسط.
إن وقف النار في غزة تتويج لصمود أسطوري، فرض على العالم احترام إرادة شعب يواجه أقسى آلة حربية بوسائل محدودة.
وإذا كان العالم قد تعلم شيئاً من هذه الحرب، فهو أن قوة الحق ما تزال قادرة على زعزعة منطق القوة.
اليوم، على العرب أن يدركوا أن الطوفان لم يكن معركة فلسطينية فقط، بل مرآة لهزائمنا وانبعاثنا معاً.
لقد أعادت المقاومة تعريف مفهوم البطولة والسياسة معاً، وربطت بين البندقية والوعي، بين الدم والكرامة، بين الإنسان والوطن.
سلام على غزة التي خرجت من تحت الركام أكثر شموخاً من كل جيوش التطبيع،
وسلام على كل من آمن أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح،
وسلام على الطوفان… الذي غيّر مجرى التاريخ.

فجر التاسع من أكتوبر 2025 سيبقى يوماً مفصلياً في الذاكرة السياسية للمنطقة، ليس لأنه شهد إعلان وقف إطلاق النار ، بل لأنه جسّد تحولاً استراتيجياً في بنية الصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبين الوعي العربي والعالمي تجاه مفهوم العدالة والشرعية الدولية. فالبيان الذي أصدرته حركة المقاومة الإسلامية حماس عقب مفاوضات شرم الشيخ التي قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاء ليعلن نهاية حرب الإبادة على غزة، وانسحاب الاحتلال، ودخول المساعدات وتبادل الأسرى.
لكن خلف هذا النص الدبلوماسي المكثف تختبئ وقائع استراتيجية عميقة تستحق القراءة والتحليل.
منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، دخلت المنطقة في واحدة من أطول وأقسى الحروب في التاريخ الحديث. عامان من النار والدمار، وحصار خانق استهدف الإنسان قبل الحجر، لكن غزة لم تنكسر. بل على العكس، استطاعت المقاومة أن تُعيد تشكيل معادلة القوة على نحوٍ لم يتصوره أحد. لقد انتقلت من الدفاع إلى الردع، ومن رد الفعل إلى الفعل السياسي المؤثر، وأثبتت أن
الإرادة الواعية قادرة على تعديل موازين القوى حتى في غياب التكافؤ العسكري.
في المقابل، كان الاحتلال يعيش حالة إنهاك وجودي. لم يعد يملك ترف المبادرة ولا القدرة على الحسم. انهارت هيبة جيشه، وتآكلت ثقة المجتمع الإسرائيلي بقياداته، وتفجرت التناقضات داخل الائتلاف الحاكم بين من يريد إنهاء الحرب بأي ثمن، ومن يخشى الاعتراف بالفشل. أمّا على الصعيد الدولي، فقد تحولت "إسرائيل" من دولة يُدافع عنها الإعلام الغربي، إلى كيان تُلاحقه الاتهامات بالجرائم ضد الإنسانية، وتواجه عزلة أخلاقية غير مسبوقة.
التحول اللافت جاء من قلب الغرب نفسه. فبعد عامين من المجازر، بدأ اليمين المحافظ الأمريكي الذي كان يوماً الحليف الأوثق لإسرائيل، يعيد حساباته. شخصيات مؤثرة مثل تاكر كارلسون و تشارلي كيرك وقيادات داخل الحزب الجمهوري انتقدت علناً الانحياز الأعمى لتل أبيب، واعتبرت أن واشنطن تخسر أخلاقياً واستراتيجياً بدعمها لسياسات الإبادة. هذه المراجعات الفكرية والسياسية تشكل بداية تحول في الوعي الغربي، عنوانه: أن فلسطين لم تعد قضية دينية أو قومية فحسب، بل اختبار للضمير الإنساني.
على المستوى العربي، كشفت الحرب عمق التناقض بين الشعوب والأنظمة. ففي الوقت الذي صمتت فيه بعض الحكومات أو هرولت نحو التطبيع، كانت الشعوب تهتف لفلسطين في العواصم من الرباط إلى جاكرتا، مذكّرة الجميع بأن القضية لا تموت بالخذلان الرسمي. ومن رحم هذا الوعي الشعبي، اكتسبت المقاومة مشروعيتها الأعمق، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كرمز للكرامة العربية والإسلامية.
اليوم، ومع إعلان وقف إطلاق النار، تدخل المقاومة مرحلة جديدة: مرحلة إدارة النصر.
هذه بكل تأكيد ليست نهاية المعركة، بل بدايتها السياسية. فاذا كانت الحرب تُدار بالسلاح، فان السلام يُدار بالعقل. والمقاومة مطالبة بأن تترجم إنجازها العسكري إلى مكاسب سياسية صلبة، دون أن تقع في فخ الضغوط. فالمعادلة القادمة دقيقة:
إعادة الإعمار دون الإذعان، والتهدئة دون التفريط، والانفتاح السياسي دون التنازل عن الثوابت.
الرئيس ترامب الذي رعى الاتفاق في شرم الشيخ، وإن كان يتحرك بدافع المصلحة الانتخابية والسياسية ، إلا أنه أدرك أن استمرار الحرب يهدد استقرار المنطقة ويقوّض هيبة واشنطن.
وهنا يمكن القول إن حماس أجبرت الجميع على الاعتراف بوجودها السياسي، ليس كتنظيم مقاوم فقط، بل كفاعل إقليمي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تخص فلسطين أو أمن الشرق الأوسط.
إن وقف النار في غزة تتويج لصمود أسطوري، فرض على العالم احترام إرادة شعب يواجه أقسى آلة حربية بوسائل محدودة.
وإذا كان العالم قد تعلم شيئاً من هذه الحرب، فهو أن قوة الحق ما تزال قادرة على زعزعة منطق القوة.
اليوم، على العرب أن يدركوا أن الطوفان لم يكن معركة فلسطينية فقط، بل مرآة لهزائمنا وانبعاثنا معاً.
لقد أعادت المقاومة تعريف مفهوم البطولة والسياسة معاً، وربطت بين البندقية والوعي، بين الدم والكرامة، بين الإنسان والوطن.
سلام على غزة التي خرجت من تحت الركام أكثر شموخاً من كل جيوش التطبيع،
وسلام على كل من آمن أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح،
وسلام على الطوفان… الذي غيّر مجرى التاريخ.