كشفها «فيتو» البرلمان على القرض الفرنسي: الحكومة لا تفرق بين التعاون والتسوّل

كشفها «فيتو» البرلمان على القرض الفرنسي: الحكومة لا تفرق بين التعاون والتسوّل

تاريخ النشر : 12:38 - 2025/04/11


جاء رفض مجلس نواب الشعب لإتفاقية القرض مع الوكالة الفرنسية للتنمية معبرا عن حالة تصادم بين ثوابت المشروع الوطني الجديد ومنطق مسايرة السائد  المتفشي في دواليب الحكومة. 
 والواضح  أن هذا «الفيتو»  بالذات يكشف عن الهوة القائمة  بين عقلية الحكومة و مزاج الشعب الذي تعبر عنه المرجعيات  الكبرى لمسار  25  جويلية وفي مقدمتها «التعويل على الذات»  الذي يفرض على الحكومة أن تقطع بشكل جذري  وحاسم مع السياسات البائدة وتبتكر سياسات جديدة تعبر عن الإرتباط العضوي  بين السيادة الوطنية وإنعاش الإقتصاد ورخاء المواطن. 
 إن المؤسسات  الصغرى والمتوسطة لا تحتاج إلى زخّات  أكسجين بقدر ما تتطلع إلى مناخ كامل  يكافئ   الجهد ويحفز الإجتهاد كما يحمي المؤسسة الإقتصادية من المنافسة غير المتكافئة سواء كانت  داخلية أو خارجية. 
 وبالتالي كان على الحكومة أن تتجه إلى حلول أخرى  تضمن بالفعل استدامة  الإستثمار  الوطني من خلال ابتكار هياكل وأدوات  تنفيذية وتشريعات تحقق الترابط بين التعويل على الذات والشركات  الأهلية للقطع مع التشتت  الذي يخيّم  على النسيج الإقتصادي الوطني ويحدّ من تنافسيته وقدرته على خلق الثروة ومواطن الشغل ودفع الرقي الإجتماعي بشكل متصاعد كما تكرّس المساواة  الكاملة أمام «الواجب الجبائي»  وتعيد صياغة الحوافز  من أجل بناء مناخ أعمال محفز للشباب. 

 لقد حان الوقت للقطع  مع كل الأسباب التي أفرزت اقتصاد العمولة والمناولة وبناء اقتصاد وطني جديد قادر  على استيعاب  عناصر القوة   التي تمتكلها تونس وفي مقدمتها تنوع  المعارف المكتسبة  بفضل الاستثمار  القوي في الموارد البشرية وموقع  تونس الجغرافي  الذي يؤهلها لأن تكون «سيدة البحار»   من خلال الآفاق غير  المحدودة لتطوير الصناعات البحرية  والتحكم في تدفقات التجارة العالمية. 
  كما لا يوجد مشكل مال في تونس بل مشكل تقصير في تجميع موارد الدولة في خضم تواصل الإحتكام إلى منظومة   مالية وجبائية  وتجارية متخلفة تحفز  على التهرب الجبائي وتهريب المال والتوريد المتوحش للمنتوجات  الإستهلاكية بما يتطلب  مراجعة  جذرية  لكل أركان هذه المنظومة من خلال تشكيل لجنة وطنية رفيعة المستوى تنكب على صياغة قانون مالية جديد يجسد عناوين المشروع الوطني وفي مقدمتها تحفيز الإنتاج  المحلي ورأب  الثغرة الموجودة في البنك  المركزي التونسي الذي لا يملك إلى حد الآن منظومة لمتابعة صادرات الخدمات التونسية. 
 كما ينتظر الشعب التونسي من حكومته أن ترفع رأسها عندما تتفاوض مع الحكومات الأجنبية  وتتحدث بنبرة تعكس  قوة الدافع الحضاري  لبلادنا الذي يؤهلها لأن نعطي الدروس للدول الكبرى قبل الصغيرة في التشريع والتنظيم الإداري حيث تتفرد  تونس على سبيل المثال باعتماد نظام الرقابة المسبقة على الاتفاق  العام منذ عام  1920  كما أن الصندوق  العام للتعويض  وبنك التضامن تمثل نماذج متفردة في تكريس مفهوم التضامن والتكاتف الاجتماعي. 
 وبالمحصلة يبدو أن  الشعب التونسي قد وجه من خلال نوابه في البرلمان ورقة صفراء  إلى الحكومة  المدعوة إلى التمييز بين التعاون والتسول الذي يتسبب  في إذلال   تونس وشعبها مثل السيارة الإدارية التابعة لإحدى الوزارات وتحمل  يافطة «هبة  من الاتحاد الأوروبي» ومشهد إسناد شهائد تكوين  من الطلبة في إحدى جامعاتنا  ساهمت فيه إحدى  الوكالات الفرنسية  بمبلغ 300 ألف يورو أي ما يعادل  سعر سيارة فاخرة !. 
 ربما ستحتاج تونس مستقبلا إلى تعديل للدستور  يحجر بشكل واضح قبول الهبات والقروض خارج نطاق «آلمشاريع الإستراتيجية» التي تتطلب  بدورها مراحعة جذرية من خلال استحداث مؤسسة وطنية جديدة في نطاق الشراكة بين الهندسة  العسكرية والقطاع الخاص تختص  في تنفيذ المشاريع الكبرى للبنية  الأساسية في تونس والدول الإفريقية فالوضع الراهن يشير بكل وضوح إلى أن هيكلة تنفيذ المشاريع أصبحت بؤرة للتضخم المالي وأداة  تنكيل   بالشعب فالطريق الحزامية إكس 20 التي لا يتعدى طولها 15 كلم استغرقت 10 أعوام بالتمام والكمال!. 
 إن الحكومة أمام مسؤولية أخلاقية تفرض عليها تحسس خطواتها فكلما اجتهدت أكثر في  تجسيد مرجعيات المشروع الوطني الجديد سيقطع  الشعب مع التواكل والإحساس  بالعجز ويتخلص من  مؤثرات المسخ الأخلاقي والثقافي  الذي خضع له طيلة نصف قرن من الزمن ويستعيد من  ثمة  ثقته في قدراته المستمدة من إرث تاريخي عريق ومجيد.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

اجتمع وزير الإقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ بعد ظهر الإربعاء 30 أفريل 2025 Gottardt Tobias كاتب
15:44 - 2025/05/01
انتظمت صباح اليوم الخميس غرّة ماي 2025، بتونس العاصمة، مسيرة احتجاجية ضدّ إيقاف المحامي والقاضي ا
12:44 - 2025/05/01
شهدت العاصمة تونس اليوم الخميس تظاهرة نظمها أنصار الرئيس قيس سعيّد، عبّروا خلالها عن دعمهم له ورف
12:27 - 2025/05/01
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد بعد ظهر الثلاثاء 29 أفريل 2025 بقصر قرطاج، محمد علي تميم نائب رئي
07:00 - 2025/05/01
مرة أخرى يعود شبح الحرب ليخيّم على سماء شبه القارة الهندية، تصريحات قادمة من باكستان بالأمس، أفاد
07:00 - 2025/05/01
تعقد لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب جلسة يوم غدا الجمعة 2 ماي الجاري للاستماع إلى ممثلي الغر
07:00 - 2025/05/01
رجّح مقرر لجنة الصحّة وشؤون المرأة والاسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بالبرلمان رؤوف الفقيري
07:00 - 2025/05/01
مثل تطوير الأداء الاتصالي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مجال التثقيف والتحسيس الانتخابي، م
07:00 - 2025/05/01