الأستاذة كاهنة عباس تكتب لـ"الشروق أون لاين "2/1: ما هو مضمون مشروع لجنة المساواة والحريات من وجهة نظر قانونية؟

الأستاذة كاهنة عباس تكتب لـ"الشروق أون لاين "2/1: ما هو مضمون مشروع لجنة المساواة والحريات من وجهة نظر قانونية؟

تاريخ النشر : 12:17 - 2018/10/20

انبعثت لجنة المساواة والحريات ،بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 111 الصادر عن رئيس الدولة التونسية السيد الباجي القايد السبسي بتاريخ 13 أوت 2017، وذلك لإعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة، استنادا إلى مقتضيات الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة ،حسب منطوق فصله الأول ، الذي تضمن أيضا تسمية أعضاء اللجنة.
إذ حدد الأمر المذكور مجال المشروع ،بأن جعله يقتصر على مسألتين : الأولى تتعلق بالحريات الفردية والثانية بالمساواة، وأن يكون مطابقا لدستور البلاد وللمعايير الدولية .
(1)الأسس السوسيولوجية والدينية لمشروع اللجنة
لقد اختارت اللجنة في توطئة التقرير مقاربة اجتماعية دينية ،اعتمدت المنحى ألمقاصدي في الدين الإسلامي بوصفه لا يتنافى لا مع الحريات الفردية ولا مع المساواة ، من هذا المنظار يعتبر الإنسان مخلوقا حرا ،أوكلت إليه مهمة استخلاف الله على الأرض و بالتالي فهو مسؤول عن أفعاله،ويتمتع بجملة من الحريات الفردية : مثل حرية التنقل والتفكير والتعبير ،وقع التضييق فيها لإرساء أنظمة استبدادية في العالم العربي الإسلامي ،كانت سبب تخلفه الثقافي والحضاري .
أما مسألة المساواة، فإنها تندرج ضمن الحركة الإصلاحية التونسية، التي سنت مجلة الأحوال الشخصية زمن الاستقلال ،وما عرفه المجتمع التونسي من تحولات اقتصادية واجتماعية من أهمها تعليم المرأة، أدت بدورها إلى ظهور العائلة النووية وإلى مساهمة المرأة في الإنفاق على العائلة، إذ تضمن التقرير بعض الإحصائيات الهامة التي تبين مدى عمق تلك التغييرات ،من بينها أن ثلث النساء يساهمن في مصاريف العائلة وأن 72% من المشتغلات يخصصن كامل دخلهن على الأسرة وأن ثلث القروض المتحصل عليها من البنوك لاقتناء مسكن منحت لنساء، ومع ذلك فنسبتهن كصاحبات أعمال ومستقلات لا تتجاوز 9 ,4% لأسباب عديدة من بينها انعدام التوزيع العادل للثروة .
ففي مسألة المواريث ،تجدر الإشارة إلى أن الأحكام الشرعية ،تنبني على العلة وجودا أو عدما ،حسب ما جاء بالتقرير وأهم ما يبرر منابات الورثة عند قسمة التركة بين الرجال والنساء، هو واجب الإنفاق المحمول على الرجل والبنية القبلية ونظامها واستمراريتها التاريخية في المجتمعات الإسلامية ،فهي التي تبرر إذا ، آليات التعصيب أي علتها ،علما بأن المبدأ هو إقرار العدل والمساواة في الإسلام .
وينقسم التقرير إلى جزأين : الأول يتعلق بالحريات الفردية والثاني بالمساواة .
(2)في نشأة الفردانية
لقد وسعت اللجنة من مفهوم الحقوق الشخصية المضمونة بمقتضى القانون ،مثل حق الملكية وحق الحرية التعبير والتنقل، بأن عرفتها : على أنها الحقوق التي تعبر عن تفرد الشخص وذاتيته Singularité، ومعنى ذلك أن هذا الفرد سيغدو على المستوى القانوني مصدرا لجملة من الحقوق ،أي مفهوما قانونيا مستقلا، لذلك تعرضت اللجنة أيضا إلى التفرقة بين ما يسمى الحريات العامة مثل حرية التنظم وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات والتي تمارس في نطاق المجموعة والحريات الفردية التي تمارس في الإطار الخاص، أي في نطاق الدائرة الشخصية للفرد.
أما الآثار القانونية لمثل هذا التعريف ،فأولها الإقرار بقيمة الحياة الإنسانية ،باقتراح إلغاء عقوبة الإعدام أو الحد منها، بأن لا تنطبق إلا في حالات قصوى، كما جاء بالفصل 22 من الدستور التونسي، وتجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن اللجنة كانت قد صاغت المقترحين بالمقدمة المخصصة للحريات ،إلا أنها ذهبت عند سنها لمشروع مجلة الحريات الفردية إلى إلغاء عقوبة الإعدام ضمن الفصل 17 منه، وهو ما يدل أنها لا تجيز مبدئيا عقوبة الإعدام، بل تحث على إلغائها تدريجيا و قد اقترحت في نفس السياق تجريم الدعوة إلى الانتحار .
وفي هذا السياق، يجدر التذكير ، أن مطلب الكرامة كان من أهم استحقاقات الثورة، لكنه غيب من كل خطب والمفاوضات والاحتجاجات إثر اندلاعها ، فلا نجد لعبارة الكرامة تعريفا قانونيا مستقلا، لذلك سعت اللجنة إلى تعريفه استنادا إلى الإنسان بوصفه قيمة في حد ذاتها، لا ترتبط بأي توصيف أو اعتبار أو أية قيمة أخرى ،بالتالي فكرامة الفرد حسب منطوق الفصل 20 من مشروع اللجنة ليست مرتبطة بالانتماء السياسي أو العرقي أو المظهر الخارجي أو الحالة الصحية أو التوجهات الجنسية للفرد ولا بلغته أو دينه أو آرائه السياسية أو الغير السياسية أو نشاطه النقابي أو أصله القومي أو الاجتماعي أو مكان إقامته أو ثروته أو نسبه أو حالته المدنية ،وذلك حتى لا يتم التعامل معه كشيء أو وسيلة .
(3)في علاقة الفرد بالدولة
مثل هذا الإقرار، لا يمكن إلا أن يعيد النظر في علاقة الفرد بالدولة ،لكي تقوم على الحرية لا على القمع ،بذلك تكون الدولة مطالبة بضمان حرية الفرد وعدم النيل من حرمته الجسدية ،مهما كان السبب ،وأن توفر له الأمان وهو ما أدى باللجنة إلى إعادة صياغة الفصل 101 مكرر من المجلة الجنائية، الذي عرف جريمة التعذيب :'على أنه كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا أو معنويا عمدا بشخص ما ،بقصد التحصيل منه أو من غيره على معلومات أو اعتراف بفعل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه هو أو غيره ، ويعد تعذيبا تخويف أو إزعاج شخص أو غيره للحصول على ما ذكر والحاصل للأسباب المذكورة بدافع التمييز العنصري ." إذ جعلت التعذيب لا يقتصر على الفعل المرتكب بدافع التمييز العنصري، بل وكذلك بدافع عقاب الضحية لأي سبب مثل انتمائها أو عدم انتمائها واقعا كان أو مفترضا إلى عرف أودين أو لغة أو رأي سياسي أو غير سياسي أو أصل قومي أو اجتماعي أو نقابي أو حسب توجهاتها أو هويتها الجنسية .
ولم تكتف اللجنة بالرجوع إلى المبادئ الكلاسيكية، التي كرسها القانون الجنائي لحماية الفرد من استبداد الدولة : وألا وهي  قرينة البراءة وشخصية العقوبة وشرعية الجرائم، بل أضافت لتلك المبادئ، جملة من المقترحات تتعلق بتحديد تاريخ الاحتفاظ ، مع إمكانية الطعن في قراره من طرف المتهم وحقه في رفع دعوى قضائية في صورة خرق مبدأ قرينة البراءة .
وبالرجوع إلى المبدأ شرعية العقوبة والجرائم ،اقترحت اللجنة إعادة صياغة الفصل 226 مكرر الذي نص على عقوبة سالبة للحرية:" لكل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو للآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنا مضايقة الغير بوجه يخل بالحياء." وقد عللت اللجنة اقتراحها بان عبارة" الأخلاق الحميدة" هي متعددة المعاني والآراء في المجتمعات الديمقراطية وتقوم على تعددية في كل المجالات ،إذ لا بد من حماية الفرد بإعلامه بدقة ووضوح بالأفعال المجرمة قانونا ،لذلك اقترحت اللجنة التعريف الآتي لجريمة الاعتداء على الحميدة حتى لا يقع التوسع في تأويلها تطبيقا للمبدأ المذكور:  "إتيان فعل جنسي أو كشف لمواطن الحياء في البدن بقصد الإضرار بالغير." وقد جاء اقتراح تعديل الفصل 231 من نفس المجلة في نفس السياق ،إذ نص الفصل المذكور على ما يلي :" تعاقب النساء اللواتي يعرضن أنفسهن بالإشارة أو القول أو يتعاطين الخناء ولو صدفة بالسحن ."
وقد طرحت صياغة النص عدة إشكاليات تطبيقية تتعلق بعبارة "ولو صدفة" ،بعد أن أثبتت التجربة أن العديد من النساء يقع تتبعهن على أساس الفصل المذكور، دون ممارستهن للبغاء ،حسبما جاء بتقرير اللجنة.
لكن حماية الفرد في علاقته مع مؤسسات الدولة، لا تتوقف عند احترام حرمته الجسدية ،بل تتجاوزها لتشمل أيضا معتقداته وآرائه واختياراته ، وتعتبر حرية الضمير الذي يكرسها الفصل السادس من الدستور التونسي من أهم ركائز حقوق الإنسان، باعتبارها من الشروط الأساسية لممارسة بقية الحريات ،وقد عرفته اللجنة ضمن الفصل 50 من مشروعها على أنه : "حرية الإنسان بأن يدين بدين ما أو لا يدين ،وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد ،يختاره وكذلك حريته في إظهاره أم لا." كما اعتبرت اللجنة أن الاعتداء على المقدسات أو التكفير هما من قبيل المخالفة ولا يمكن معاقبتهما، إلا إذا عمد من يرتكب أحدهما إلى التحريض على العنف والكراهية والتمييز .
(4)في حماية الحياة الشخصية للفرد
هكذا توصلت اللجنة إلى الإطار الذي يتحرك فيه الفرد والمعبر عن خصوصياته أو بالأحرى تفرده : ألا وهي حياته الخاصة، التي أحاطتها بالحماية اللازمة حتى لا تخضع إلى أية سلطة، ما عدا إرادة صاحبها، حسب منطوق الفصل 57 فعرفتها تعريفا واسعا ليشمل المعطيات الاسمية ،مظهر الشخصية ، الحياة العاطفية والجنسية والعائلية والاجتماعية ، الحالة الصحية وضعية الذمة المالية القناعات والمعتقدات السلوك والمحادثات، أما الآثار القانونية المنجرة عن ذلك ،فهي إمكانية رفع دعوى لا فقط لدى القاضي الأصلي بل  وحتى لدى القاضي ألاستعجالي لحماية الحريات الفردية ،في هذا السياق اعتبرت اللجنة التوجه الجنسي وتحديدا المثلية الجنسية تندرج ضمن خصوصيات الفرد، فاقترحت إلغاء العقوبة المنصوص عليها بالفصل 230 من المجلة الجنائية، التي تضمنت عقوبة سالبة للحرية للمثلية الجنسية .
أما حدود الخاصة بممارسة تلك الحريات فقد نص عليها الفصل 49 من الدستور التونسي وهي تتعلق بحماية حقوق الغير و بمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة على أن لا تنال من جوهر تلك الحريات مع احترام شرط التناسب بين تلك الضوابط وموجباتها بأن تكون مناسبة لتلك الحريات المزمع حمايتها .
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

"الصوت موهبة السماء فطائر يشدو على غصن وآخر ينعب" بيت شعري للأخطل الصغير كان دائما يردده الإعلامي
07:00 - 2025/05/05
تسافر جميع أعمال الروائي التونسي الشاب الأمين السعيدي إلى الدوحة بمناسبة فعاليات المعرض الدولي لل
19:18 - 2025/05/04
تحت شعار»تونس السياحة بعدسة الإبداع قاطرة للتنمية» تستعد الهيئة المديرة للمهرجان الدولي للفيديوها
07:00 - 2025/05/04
كشفت الفنانة  تفاصيل جديدة عن الحالة الصحية للفنان ، قائلة إنها على تواصل دائم معه عن طريق المكال
00:46 - 2025/05/04
احتضن بيت الشّعر بالقيروان أمسية شعرية  في إطار الدورة 27 من المهرجان الدّولي لربيع الفنون بالقير
22:46 - 2025/05/03
صدر حديثا عن دار نيرفانا للنشر في طبعة أنيقة وفاخرة من الحجم الكبير كتاب جديد للصحفي والإعلامي ال
21:39 - 2025/05/03
توفي في الساعات الأولى من صباح السبت، المنتج المصري وليد مصطفى، زوج الفنانة اللبنانية كارول سماحة
08:34 - 2025/05/03