من حق الالتحاق بالحياة إلى حق الحياة على الكفاف إلى حق الحياة المنتجة .. كيف يمكن أن نصوغ مفهوما مناسبا لتشغيل الشباب؟

من حق الالتحاق بالحياة إلى حق الحياة على الكفاف إلى حق الحياة المنتجة .. كيف يمكن أن نصوغ مفهوما مناسبا لتشغيل الشباب؟

تاريخ النشر : 18:43 - 2021/11/20

يوم أمس، وقبل أن يتكلم رئيس الجمهورية عن القانون 38 الذي كنا نعرف منذ البداية انه قصة محض وهمية، وقبل أن يتكلم وزير التشغيل أيضا، كنا كتبنا الأسطر التالية: " على رئيس الجمهورية أن يتوجه مباشرة وبشكل خاص إلى الشباب الأكثر كفاءة وطموحا إبداعيا في كل المجالات والقوى العاملة الأكثر كفاءة وخبرة في كل المجالات من أجل توجيهها جميعا نحو خدمة الوطن والشعب بتقديم التصورات الكفيلة ببناء القوة الذاتية وتعهد الدولة بتخطيط بناء بعض المشاريع وتنفيذها عندما يصبح الأمر ممكنا والتعهد بمساعدة هؤلاء في مشاريعهم الخاصة وخاصة في مجال التكنولوجيات". وهي عندنا قناعة تامة بأنه من المستحيل علينا أن نضحي بمن يتطلع كل هذه السنوات تطلعا مشروعا إلى الحصول على موطن شغل وخاصة من الذين طال تعطيلهم، ولكنها في نفس الوقت قناعة تامة اننا مقبلون على مشكلة كبيرة لأن أمورا عديدة تغيرت بشكل كبير بحيث أصبح كل تغيير أمرا صادما فالسماء ليست مجازا يمطر ذهبا مجازيا، وبحيث أصبحت المشكلة الكبرى كما يلي: كيف ننتقل من القديم إلى الجديد دون أن ننهي ما تبقى من حياة في الأجيال التي انهكت ودون أن ندخل الأجيال الجديدة أي الحيوات الجديدة في حالة تقتيل بطيء؟ هاهنا لا ينفع أي مفهوم لطرد أشباح الموت المعنوي والمادي عن هؤلاء جميعا ولا الدولة قادرة على حمل صفة البراءة ولا المجتمع ولا الحكومات الفائتة ولا نظام الحكم الجديد. هذا هو الواقع المرير والظالم إذن مع ان الجميع دون استثناء يعلم ما حصل ويميز جيدا بين المسؤوليات رغم أنها، أحببنا أم كرهنا، سوف تقع جميعها كما يقال في رأس رئيس الجمهورية والحكومة الجديدة. هل سوف نتغافل عن هذه المأساة مثلا أم سوف نوزعها في ظروف زائدة نلحقها إلحاقا بالاختناق الكبير والمدمر الحاصل في الوظيفة العمومية على وجه التحديد وحتى دون أن نسأل عن المالية العمومية وسواها؟
نحن نقول منذ الآن وبشكل واضح وضوح الصدمة المعنوية عند أصحاب الحق المعنيين بالأمر، ودون تقييم غير مفيد لأسلوبهم وأسلوب الدولة وسجال تحميلهم جزءا من المسؤولية من عدم تحميلهم... وهكذا عبثا. لقد وقع ما وقع. ولذلك نقول منذ الآن وبلا تردد وبالعامية التونسية: على رئيس الجمهورية وعلى الحكومة الجديدة أن يرمي وأن ترمي نفسها في تعهد جديد مفاده التعهد بتشغيل هؤلاء في غضون سنة على أقصى تقدير مع توفير كل ما أمكن من مساعدة لهم في انتظار الحلول. 
ولكن قبل ذلك، ثمة ما يتوجب علينا توضيحه فورا. نحن كنا نعتقد، بما اننا كنا من ضمن كوكبة الذين أطلقوا في بداية سنوات الألفية الثانية حركات المعطلين عن العمل واطروحتهم الثورية وشعارها المركزي "شغل حرية كرامة وطنية"، كنا نعتقد وقتها وعلى حق لأن ما كان ممكنا وقتها تغير الآن، كنا نعتقد بأن حق الشغل هو حق الحياة رأسا حتى أننا كنا نسميها "الحياي" لا الحياة التي نعرفها نظريا وانه لا إمكانية واحدة للحياة الحرة والكريمة بما فيها العمل على إسقاط النظام دون حياة أصلا ودون مقومات صمود أصلا ودون إنسانية أصلا ودون مواطنة أصلا أي دون شغل أصلا واتخذنا مدخل حق الشغل بكل وعي مدخلا أساسيا للمقاومة الإيجابية من أجل هدفين معا هما افتكاك حق الشغل-الحياة ما أمكن وفي نفس الوقت مواجهة النظام حتى التمكن من إسقاطه بما توفر من لحم حي ومن قدرة على البقاء ومن قدرة في حدها الأدنى على التصرف والحركة التي تؤمن بعض المستلزمات الحياتية الأساسية للكفاح بما فيها الأكل والشرب والتنقل والتداوي والسكن ومواصلة الدراسة وطبع المنشورات وتأمين الاتصالات والتنقلات وإبقاء الأبدان في حالة حياة عند الدخول في أي شكل من أشكال التحركات النضالية. وكان ذلك نتيجة قراءة للواقع وبجانب فلسفي منها يقول ان الحق في الشغل هو حق في الحياة الرفيعة وانتصار على الحياة العارية المتوحشة وهذا باختصار. غير أن الأمور تغيرت كثيرا والأمر لم يعد مجديا أبدا حتى إذا وفر الشغل الكفاف والستر الأدنى كما يقال. وعادت الحياة غير حية أو شبه ميته بما انها لا تنتج شيئا في هذه الحالة الاقتصادية والاجتماعية لعموم الموظفين تقريبا، فما بالك بمن يريد التدارك في واقع صعب جدا وبعد بلوغه شيئا من الكهولة المبكرة. المأساة الكبرى أو المهزلة الكبرى أو حتى الجريمة الكبرى أن الدولة لم تتغير والسياسات لم تتغير والمجتمع لم يتغير في هذا الشأن والتصورات النضالية أيضا لم تتغير وقد يجوز القول انه لم يكن ممكنا لها أن تتغير دون أي تفصيل وتشريح. 
لا نعرف حقيقة وصفة سحرية في أي دولة وفي أي مجتمع رغم بعض التجارب الناجحة الجزئية. ولكننا نزعم أن أسوأ الحلول التي لا تساعد إلا على تجميد حياة من كنا في مكانهم كمعطلين سابقين وهي بالمناسبة ليست حلولا جديدة، تجميدها في مستوى الكفاف السلبي لنقل، تبقى ممكنة رغم كونها سيئة، إذ يمكن أن تتحمل الجماعة الوطنية مسؤولية توزيعهم بنسبة الثلث منهم على دفعات على أكبر عدد ممكن من باب الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والقطاع العام والمؤسسات الخاصة بصورة استثنائية والتعهد بمساعدة الثلث ممن يرغب في بعث مشاريع صغيرة مهما كان طابعها على أن تكون مجدية بالشراكة بين الدولة والبنوك وتمكين الثلث الثالث، ممن يستطيعون، ضمن تقييم معين، المزيد من الصبر، تمكينهم من عقود مؤقتة لمن يقبلها من ستة أشهر ومن سنة حتى يتم استيعابهم لاحقا هم وما أمكن من الثلث الثاني ضمن مشاريع جديدة تحت عنوان الشركات الأهلية التي وعدت بها رئاسة الجمهورية والتي رأينا في أميركا البوليفارية مثلا انها شيء ممكن وقادر على النجاح وممكن التجسيد في بلدنا إلى جانب ما يمكنه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وما يمكن أن يوفره مع مرور الوقت الاقتصاد الأخضر والدائري والعائلي كما تابعنا ذلك في سوريا وغيرها. 

إننا نقول ذلك، وليقل ذلك من يريد قوله، نقوله من باب فتح أبواب الأمل مجددا والتمسك بعدم القبول بوضعية الغرق مجددا في هذا الفخ وخصوصا لكثرة الفاشلين العاجزين الفاسدين الذين استكملوا التخريب لعشر سنوات ويترصدون الآن فرص تسميم الأجواء دون جدوى، بل يحاضرون في الشرف بلا حياء. 
إن بلدنا تونس ليس في مرحلة إنقاذ وقتي فحسب بل في مرحلة بناء: بناء السياسات وبناء العدالة وبناء القواعد الدستورية والقانونية وبناء النماء وبناء القوة الذاتية الممكنة دائما. وعليه، فإننا ندعو مجددا الرئاسة والحكومة لتحمل كل هذه الأعباء والسعي كل السعي والعمل كل العمل على توزيعها ضمن مسؤولية الدولة الضامنة على كل المؤسسات والحوار المباشر والمستمر واليومي مع كل المعطلين في كل مكان بلا كلل وبكل حكمة وصبر وبلا أدنى عنف مهما كان حتى يكون الجميع على قناعة بأننا نجتهد جميعا وبصورة مستمرة حتى نراكم الحلول يوما بعد يوم وإن بصعوبة كبيرة ونسق ضعيف وفي وقت يجب أن يأخذ وقته وبعيدا عن كل أشكال التهور من أجل جهة كانت.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

إن آخر ما يتبادر إلى الذهن تحليل ما يجري في الجامعات الأمريكية.
21:21 - 2024/04/27
قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22
تصاعدت منذ انطلاق طوفان الأقصى وتيرة مواجهة الكيان الصهيوني من خارج فلسطين وأصبحت ظاهرة بارزة بصد
07:00 - 2024/04/21
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في دمشق عملا عبثيا وانما عملا مخطط له هدفه خلط الاوراق اقليميا ودول
07:00 - 2024/04/21
-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15