مدفوعة بأزمة "أزواد" ومشروع انفصالي يهدد أمنها: هل تعود الجزائر إلى وساطة 2015؟

مدفوعة بأزمة "أزواد" ومشروع انفصالي يهدد أمنها: هل تعود الجزائر إلى وساطة 2015؟

تاريخ النشر : 07:58 - 2025/09/25


تعيش الجزائر على وقع تحديات أمنية معقدة في ظل تصاعد التوترات في شمال مالي واشتداد القتال قرب حدودها الجنوبية، خاصة بعد بروز جبهة تحرير أزواد التي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري. 

هذه الجبهة، التي تشكلت نتيجة لتحالف عدة حركات انفصالية طوارقية في شمال مالي، لم تعد تقتصر على مطالب محلية، بل تجاوزت ذلك إلى تهديد استقرار دول الجوار، وعلى رأسها الجزائر، خاصة مع تسجيل تحركات واتصالات بين هذه الجماعات وطوارق الجنوب الجزائري، ما ينذر باحتمال تصدير العدوى الانفصالية إلى الداخل.


ما يزيد من خطورة الوضع هو الدور الفرنسي المزعوم في هذه التطورات، حيث وجّهت الحكومة المالية اتهامات مباشرة لفرنسا بأنها وراء إنشاء ودعم هذه الجبهة الانفصالية من أجل زعزعة استقرار البلاد. هذه الاتهامات لم تأت من فراغ، فقد شهدت مالي في أوت 2025 حادثة اعتقال فرنسي يُشتبه في عمله لصالح المخابرات الفرنسية، إلى جانب عدد من الجنرالات والمدنيين الماليين، بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم والتنسيق مع حركات متمردة في الشمال، ما أضفى مصداقية أكبر على الرواية المالية بشأن التدخل الفرنسي في شؤونها الداخلية.

في السياق نفسه، أكدت تقارير إعلامية، من بينها تقارير لقناة الجزيرة، أن فرنسا تدعم حركات أزواد قانونيًا وسياسيًا على الصعيد الدولي، حيث ساهمت في تقديم شكاوى ضد الحكومة المالية أمام المحكمة الجنائية الدولية، تتهم فيها الجيش المالي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في شمال البلاد. هذه التحركات تأتي بالتوازي مع تحركات عسكرية على الأرض، حيث سيطرت جبهة تحرير أزواد على عدة مدن استراتيجية في الشمال، وهو ما يهدد ليس فقط وحدة مالي، بل يفتح المجال أمام تمدد الفكر الانفصالي إلى جنوب الجزائر، خاصة وأن روابط الدم والقبيلة لا تزال حية بين طوارق الجزائر وطوارق أزواد.

الجزائر بدورها ليست غريبة عن هذه السيناريوهات، فقد سبق لها وأن اتهمت باريس بشكل صريح بمحاولة زرع الفتنة ودعم جماعات طوارقية في الجنوب الجزائري للمطالبة بالانفصال، وذلك ضمن مخطط فرنسي أوسع لضرب الاستقرار الداخلي وإضعاف الموقف الإقليمي للجزائر. ولم تكن هذه الاتهامات مجرد تصريحات إعلامية، بل تم استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر أكثر من مرة للاحتجاج على هذه الممارسات، ما يعكس درجة التوتر الحاصل بين البلدين.

التهديد يتعاظم في ظل هشاشة الوضع الأمني على الحدود الجزائرية – المالية، حيث تنشط جماعات مسلحة، بعضها ينتمي لتنظيمات إرهابية والبعض الآخر لحركات انفصالية، وهو ما يؤكد أن أمن الجزائر لم يعد مهددًا فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا، خاصة بعد رصد تحركات لما تسمى "حركة تحرير جنوب الجزائر"، وهي مجموعة مسلحة طائفية تدّعي تمثيل سكان الجنوب وتطالب بالحكم الذاتي أو الانفصال، ما يشير إلى أن بعض الأطراف قد بدأت فعلاً في محاولة استنساخ النموذج الأزواي داخل التراب الجزائري.

كل هذه المعطيات تدفع الجزائر إلى التحرك بشكل استباقي لاحتواء الخطر قبل تحوّله إلى تهديد فعلي لوحدة الدولة. ومن بين أهم الآليات التي يمكن للجزائر اعتمادها، إعادة تفعيل دبلوماسيتها النشطة والعودة إلى دور الوساطة الذي لعبته سنة 2015، حين نجحت في رعاية اتفاق السلام بين الحكومة المالية وحركات أزواد. هذا الدور ضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ يُمكن أن تساهم الجزائر في جمع الأطراف المتنازعة مجددًا على طاولة الحوار، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التدخل الفرنسي الذي أضحى محط رفض من باماكو والجزائر في آن واحد.

إلى جانب ذلك، يجب على الجزائر أن تُكثف جهودها الأمنية على الحدود الجنوبية، عبر تعزيز تواجد الجيش والاستخبارات، ومراقبة تحركات الأفراد والتجارة غير المشروعة، إلى جانب دعم المجتمعات المحلية في الجنوب لخلق حاضنة وطنية تُفرغ أي دعوات انفصالية من محتواها.

 كما ينبغي على الدولة أن تولي اهتمامًا أكبر بمطالب سكان الجنوب، سواء من حيث التنمية أو العدالة الاجتماعية، لتفويت الفرصة على كل من يسعى لاستغلال تلك المطالب لتغذية النزعة الانفصالية.

في ظل هذا الوضع المعقد، فإن الصراع في أزواد لن يُحلّ دون إرادة سياسية حقيقية من الحكومة المالية، كما صرّح بذلك رئيس جبهة تحرير أزواد بلال أغ الشريف، الذي أكد أن الحل النهائي ممكن إذا توفرت الرغبة الصادقة في الاعتراف بحقوق شعب أزواد. وهنا، يمكن للجزائر أن تلعب دورًا محوريًا في دفع هذا المسار نحو حل سياسي يُنهي دوامة العنف، ويُجنّب المنطقة الانفجار الشامل، مع ضمان أمنها القومي ووحدة أراضيها.

التحدي الآن أمام الجزائر هو قدرتها على الموازنة بين الدفاع الصارم عن حدودها وسيادتها، وبين لعب دور إيجابي في تحقيق السلام في الجوار. فالمخاطر القادمة من الجنوب لا يمكن مواجهتها بالقوة وحدها، بل بمنظومة متكاملة تجمع بين الأمن، التنمية، العدالة، والدبلوماسية، وهي الأدوات التي إن استُخدمت بذكاء، كفيلة بإجهاض أي مشروع خارجي يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، مهما كان مصدره أو غايته.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

أفادت وسائل إعلام عبرية اليوم الخميس، بسقوط جرحى جرّاء انفجار سيارة في تل أبيب.
13:33 - 2025/09/25
تمكّنت 6 سفن يونانية اليوم الخميس، من الالتحاق بأسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة،وفق ما ا
12:29 - 2025/09/25
كشفت اللّجنة الدّولية لكسر الحصار عن غزّة، أنّ عددا جديدا من السفن ضمن أسطول آخر يبحر من إيطاليا،
12:20 - 2025/09/25
نشر وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل الخطيب أمس الأربعاء، معلومات ووثائق "سرية" تتعلق بأشخاص مؤث
10:45 - 2025/09/25
قضت محكمة الجنايات في باريس، الخميس، بسجن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي خمس سنوات، بتهمة
10:06 - 2025/09/25
أبلغ الرئيس إيمانويل ماكرون نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء، خلال اجتماع على هامش الجمعية
09:11 - 2025/09/25
أكّدت إدارة أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة في وقت مبكر اليوم الخميس، أن عدة دول حذرت موا
08:15 - 2025/09/25
أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أن زلزالا بقوة 6.4 درجة ضرب فنزويلا فجر اليوم الخميس.
07:30 - 2025/09/25