مجموعة "حالة وعي" لسميّة بالرّجب ج(3\3): الهوس ... بالوطن

مجموعة "حالة وعي" لسميّة بالرّجب ج(3\3): الهوس ... بالوطن

تاريخ النشر : 13:40 - 2021/03/07

نشرنا امس السبت الجزء الثاني من هذه الدراسة التي لاحظ خلالها كاتبها يوسف عبد العاطي ان الشاعرة سمية بن رجب عادة ما تتخفى وراء الغزل للتّعبير عن هموم الإنسان في هذا  الوطن وهذا الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة :    و لأنّ التّدليل على كلّ ما سبق، يحتاج إلى مطالعة قصائد المجموعة كاملة،  سأحاول التوقّف عند المقطع الأخير في الكتاب و الذي قد يُساهم في دفع القارىء إلى المقارنة بينه و بين المقطع الأول في المجموعة و بينه و بين المقطع الأوّل في القصيدة الأخيرة « خُذْني إليك » لما يُوفّره ذلك من إمكانيات في التّأويل، و أيضًا في تشكيل صورة أوضحة حول  ملامح الكتابة الشعرية لدى سميّة بالرّجب و هو المطمح الذي أرنو إلى تحقيقه. 
       جاء المقطع الأخير في المجموعة في أسلوب خبري: 
    ( خذني إذًا 
      و احضن بصدقك رغبتي 
      أن أستوي وسْطَ الضُّلُوع أميرة 
      قد أُلبست من عشقك المجنون 

      آلاف الحُلَلْ 
      أنت الطَّروب إذا ضحكتُ عصيّةً 
      أنت الصّبور إذا بسطتُ مَواجعي 
      أعددت لي قلبا يفيض من البكاء 
      هب لي إذا عرض الضلوع سفينة 
      تجتاح بي زَمن المذابح و المللْ 
       يا شِعْرِي المسكوب فوق دفاتري 
       أهواك حدّ الموت لَا …
       لا أرتضِي 
                      ذاتا بدونك يا بطلْ)  ( ص : 105)
     بعد الاطلاع على هذا المقطع الأخير في المجموعة أرى أنه يحق لنا كقرّاء  البحث جديًا عن ملامح هذا الحبيب الذي يسكن قلب الشّاعرة. بل وجدتني أتساءل  أكثر من مرة عن مدى توفّقي في اعتبار أن الحبيب المُتحدّث عنه في القصائد  ما هو في نهاية الأمر إلاّ هذا الوطن. وسأحاول التّدليل على ذلك من خلال بعض  المقاطع المختارة. 
       ففي قصيدة  « زَغاريدُ الرِّمال » تقول الشّاعرة: 
     (إِلَى أينَ سعيُكِ يا أمَّ دَفْرٍ 
       و نحنُ نُعاني الجُمود الثّقيلَ …
       مَضَى دون كلِّ المباهِجِ عُمرٌ …
       و وجهٌ بدَا 
                      مِنْ شُحوبٍ عليلَا…) ( ص : 21)
        و في نفس هذا السّياق، نقرأ في قصيدة « شَظَايَا الصَّنَمْ » :
     ( أنا الصَّبرُ- أُمِّي …
                              خُذِينِي امتدادًا لجُرحِ القَبيله 
        أنا الجُرْحُ … أمِّي …
                      فغَطّي رُفاتِي لأبدُو جميلهْ…
       أنا الشَّوقُ أمِّي… فضُمّيني ضُمِّي …
       كرهت النُّعوتَ بما ألهمُونَا …
       و عُدتُ من اليأس أحبُو البُطولهْ… ) ( ص : 31/ 32)
     و في الحقيقة فإنّ الأمثلة في هذا المجال كثيرة و متعدّدة، لكن حسبي اختيار  البعض منها للتّدليل على بعض الاستنتاجات التي توصّلت إليها، لأنّ مطالعة القصائد ستعطينا لا محالة فضاءات أخرى للتّحليق عاليًا في دنيا التّأويلات. 
   أصل الآن إلى القصيد الخامس عشر في المجموعة و الذي حمل نفس العنوان  للكتاب حيث انطلقت فيه الشّاعرة منشدة: 
    ( سنُشفَى … قالت لي الرّيحْ 
      أهوالُ هذا الفراغ تعبثُ بِي 
      سنمضي على جادّة من دماء 
      هُوَ الحُلم فينَا …
      سؤالٌ يشتِّتُ هذا الفَضاء:
      « هل بات هذا الحزن …معراج الأماني؟
          هل بات هذا الضّيمُ … نافذَة الضياعْ؟) ( ص : 97)
        فعن أيّ وعي تتحدّث الشّاعرة في قصائدها التي ضمّتها في هذه المجموعة  و التي شعرت بأنّها اجتهدت كثيرًا في اختيارها و ترتيبها و لذلك كانت « حالة وعي » هي القصيدة القبل الأخيرة. و الأكيد أن عددًا كبيرًا  من القرّاء سينتبهون إلى هذه الدقّة في التّرتيب بعد الاطلاع على كامل الأشعار    و مع ذلك أرى أن تقديم المقطع الأخير من القصيدة سيساهم بقسط وافر في  اكتشاف أحد الأغراض  التي اشتغلت عليها الشّاعرة. بل يصيبني شبه اقتناع بأنّ ذلك سيدعّم صورة الحبيب الذي تغنّت به، و يقدّم لنا تعريفًا دقيقا له، و على القارئ تشكيل ملامحه بنفسه بعدذلك. 
      تقول الشّاعرة في آخر قصيدة « حالة وعي » :
     ( قد أنتخِب … كلًّا و كلِّي ناقصٌ!؟
        وَيْحِي أنا!
       قد أنتخِب جُرحًا و جُرحي غائرٌ!؟
       قد أغدُو كُلَّ الأمس في شبه امتداد 
       سنشفى قالت لي الريح 
       من هباءِ اللَّحظة الفارقة 
       من خوااااااء)  ( ص : 101)
     و هنا تجدني أعترف بأنّ انطباعي كقارىء للقصائد دفعني إلى الاقتناع بأن  الشّاعرة مهووسة بحبّها العميق للوطن، و لذلك أحسست بأنّها في كامل شدوها كانت تنوح حال الوطن و ما لحق الإنسان فيه من محن،  و هذا المناخ الذي طبع أشعارها دعاني إلى مواجهة هذاالواقع المرير الذي نحياه  و دفعني إلى البحث عن مقاصد جديدة لصورة غلاف المجموعة، فهل كنت أُتابع  انسياب شعرها تحت أنظار عينهااليمنى التي كانت تُراقب العنوان « حالة وعي »؟
  و خلاصة القول أن هذه المجموعة جاءت محمّلة بالصّور و الإحالات البلاغية و هو ما يُغذّي في داخلي الحلم بانتظار الأفضل من إنتاجات هذه المبدعة القادمة على مهل سواء انتمى ذلك إلى الإبداع السّردي أو  الشّعري و كلّ ما أتمنّاه هو أن يقع تأكيد و تحقيق هذه الأمنية. و الأكيد أنّ هذه المجموعة « حالة وعي » تستحقّ أكثر من هذه الوقفة  و لكن حسبي تحفيز القرّاء و المبدعين و النقّاد على الاطّلاع عليها و الانتباه إلى كلّ ما تنتجه سميّة بالرّجب. 
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

اختتمت يوم الأحد فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الدولي»إيتيكات للفنون والإبداع» الذي تنظمه ال
07:00 - 2024/04/23
اعلن اعضاء فرع اتحاد الكتاب التونسيين ببنزرت في بيان لهم مساء اليوم عن استقالتهم الجماعية معلنين
20:22 - 2024/04/22
تم اليوم الاثنين تأسيس المجمع المهني الوطني للصناعة السينمائية لكنفدرالية المؤسسات المواطنة "كونك
18:42 - 2024/04/22
تختتم الدورة 12 لعيد الرعاة هذا المساء بالمعهد العالي للغات بالمكنين بعرض للفنانة الإسبانية أستر
15:01 - 2024/04/22