شيكات العار: قيس سعيد يضع حدا لمعاناة تاريخية للتونسيين

شيكات العار: قيس سعيد يضع حدا لمعاناة تاريخية للتونسيين

تاريخ النشر : 10:22 - 2024/06/11

بدأ مجلس نواب الشعب في نقاشات بشأن تنقيح فصول القانون التجاري المتعلقة بجرائم إصدار الشيك من دون رصيد، بعد إطلاق حملات واسعة من متعاملين اقتصاديين ومواطنين سقطوا في دائرة التعثر المالي والملاحقات القضائية والسجنية بسبب الصكوك بدون أرصدة مطالبين بإجراء تعديلات قانونية جديدة.
وتناول رئيس الجمهورية قيس سعيّد في لقاء جمعه، يوم الإثنين 3 جوان 2024 بقصر قرطاج، بليلى جفال، وزيرة العدل، مشروع تنقيح عدد من فصول المجلة التجارية المتعلقة بنظام التعامل بالشيك حيث شدّد على غرار تأكيده في مناسبات سابقة على أن مشروع التنقيح يجب أن يكون قائما على التوازن بين كل الأطراف من الساحب والمسحوب عليه والمؤسسات المصرفية والمالية، ويقطع نهائيا مع النظام القانوني الحالي وما أدى إليه من ضحايا.
وأكّد رئيس الدولة على ضرورة أن يكون هذا المشروع قائما على التوازن المنشود وفي نفس الوقت مكمّلا وموضحا ورافعا لكل لبس يتعلّق بمشروع القانون المتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية. وأوضح رئيس الجمهورية الذي أطلق مسار وضع حد لمعاناة التونسيين التاريخية مع الفصل المذكور أن المسؤولية الوطنية تقتضي إرساء العدل بتشريعات جديدة تنصف المظلوم وتقضي نهائيا مع نظام قانوني للشيك لا توازن ولا عدل فيه.
ومؤخرا، أحالت الحكومة على مجلس نواب الشعب مقترحا لتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، أو ما يُعرف على وجه التحديد بقانون الشيك بدون رصيد، تضمّن خفض العقوبات السجنية والغرامات المالية لمصدِري الشيكات بدون رصيد. كما تضمّن مشروع القانون أيضا سحب ذات العقوبة على كل من تسلّم شيكا على وجه الضمان، في إطار مساع لحوكمة استعمال الشيكات كوسيلة خلاص مؤجلة.
جاءت التنقيحات المعروضة على المصادقة على مشروع القانون الذي صاغته الحكومة، مخالفة لمطالب عدة جمعيات مهنية طالبت بإلغاء عقوبات السجن والخطايا عن إصدار الشيكات بدون رصيد. كما طالب متعاملون اقتصاديون بتغيير المنظومة كلها، والانتقال إلى استعمال الشيك الإلكتروني الذي يوفر الضمانات الكافية للخلاص بين الأطراف المتعاملة.
ويقترح تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية في علاقة بجريمة إصدار الشيك بدون رصيد، المعاقبة بالسجن لمدة عامين وبغرامة مالية تساوي 20% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته لكل من أصدر شيكا وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك. كذلك تشمل العقوبة قبول شيك بدون رصيد عن علم، أو تلقّي شيك كضمان، أو مساعدة مُصدر الشيك عمدًا في إخفاء الجريمة بانتهاك الواجبات المهنية. كما ينص مشروع القانون أيضا على فرض غرامات على البنوك التي ترفض خلاص شيك في بعض الحالات تصل إلى 40% من قيمة الشيك.
وتصنّف القوانين النافذة حاليا عملية إصدار الشيك بدون رصيد ضمن الجرائم المالية التي تستوجب السجن في حال عدم السداد وفقا لبنود الفصل 411 من المجلة التجارية، الذي طالب طيف واسع من المواطنين بإسقاطه، بمن في ذلك المستثمرون، بعد ارتفاع عدد الملاحقين في قضايا إصدار صكوك بنكية بدون أرصدة إلى أكثر من 7 آلاف، إلى جانب مئات الآلاف من الفارين من الأحكام القضائية.
وللتذكير، ينص الفصل 411 من القانون التجاري على انه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي 40% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على ألا تقل عن 20% من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".
وتواجه فصول القانون انتقادات من قبل منظمات دولية حيث تعتبر الأمم المتحدة أن العقوبات السالبة للحرية في قضايا الشيك دون رصيد مخالفة لأحكام المادة 11 من ميثاق الأمم المتحدة الدولي، الذي صادقت عليه تونس ودخل حيز التنفيذ منذ 1976، والذي ينص على أنه "لا يجوز حبس أي شخص لأنه لم يف بالتزاماته التعاقدية".
في هذا الإطار، يبين رئيس الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، ان التنقيحات المعروضة على المصادقة جاءت محبطة لآلاف المتعاملين الاقتصاديين، ولا سيما أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة الذين يعدون أكبر ضحايا القانون الحالي. وأكد حواص، مؤخرا أن الإبقاء على العقوبات السجنية والخطايا المالية سيؤبّد ما المآسي المترتبة على هذا الصنف من القضايا، نتيجة التعثر المالي لأصحاب المؤسسات الذين يواجهون السجن وخسارة مؤسساتهم بسبب غياب وسائل الحماية الاقتصادية اللازمة لهم وعدم توفير السيولة المالية لدعم أصحاب المشاريع.
ونوه مبرزا ان أغلب المتعاملين الاقتصاديين يلجؤون إلى استعمال الشيكات كضمان أو وسيلة خلاص مؤجلة الدفع بسبب صعوبة النفاذ إلى التمويلات المالية كاشفا أن جمعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة سبق أن قدمت مقترحات لمجلس نواب الشعب، تتمثل في استعمال صيغ جديدة للشيك، على غرار الشيك الإلكترونية المعتمدة في الدول المتقدمة.
في جانب اخر ووفق وثيقة شرح الأسباب التي قدمتها الحكومة للمجلس، تهدف التعديلات المقترحة في مشروع هذا القانون إلى تطوير السياسة الجزائية نحو دعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني، والأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المالية والاجتماعية للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة المستثمرين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
كما يندرج في إطار مراجعة التشريعات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصياته، وذلك بتعديل أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد ونظام العقوبات المقررة لها.
ويرى مقرر لجنة التشريع العام في المجلس، ظافر الصغيري، أن المشروع المحال على المجلس كان مخيبا للآمال بعد انتظارات دامت أكثر من سنة حيث يبين أن التنقيحات الجديدة لا تخدم الاقتصاد الوطني ولا المتعاملين الاقتصاديين مقابل خدمة أطراف متنفذة تحاول المحافظة على امتيازاتها والمكاسب التي تحقق من مواصلة تداول الشيكات بالصيغة الحالية.
كما يشدد المقرر على انتظار المجلس لقانون شامل لتغيير صيغة استعمال الشيك، بما يحمي حقوق جميع الأطراف المتعاملة، غير أن النسخة التي أحيلت على السلطة التشريعية لم تتضمن إلا تغييرا للفصل المختص من المجلة التجارية الذي يبقي على العقوبة السجنية والمالية لمصدري الشيك بدون رصيد. ويرى مقرر لجنة التشريع العام أن التنقيح المحال على المجلس لا يحقق الحد الأدنى من تطلعات التونسيين والمتعاملين الاقتصاديين. وتؤكد بيانات رسمية أن الإحصائيات المسجلة لدى مصالح وزارة العدل من بداية العام إلى حدود شهر افريل 2024، تشير إلى أن العدد الإجمالي للمودعين في السجون من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد قد بلغ 496.
ويبدو أن تنقيح قانون الشيكات لا يمكن أن ينجز بمعزل عن إصلاحات هيكلية تحتاجها المنظومة المالية في البلاد، ولا سيما ان أطرافا تتكسّب من مآسي الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الأرصدة لدى صغار المتعاملين الاقتصاديين. كما أن ضعف الاندماج المالي يجبر المواطنين على اللجوء إلى الشيك كوسيلة دفع مؤجلة أو اقتراض قصير المدى في سوق موازية لا تحمي الأطراف المتعاقدة. ويهيئ عموما ضعف الاندماج المالي الأرضية لكل التعاملات المالية المحفوفة بالمخاطر، ومن بينها إصدار الشيكات بدون رصيد.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

ينطلق الاكتتاب في القسط الثالث من القرض الرقاعي الوطني لسنة 2024، الذ حدد مبلغه بـ700 مليون دينار
00:11 - 2024/07/27
رفع صندوق النقد العربي توقعاته لنمو اقتصاد المنطقة العربية إلى 2.5% خلال العام 2024 مقارنة مع 0.3
11:51 - 2024/07/26
كشفت المؤشرات المالية والنقدية الصادرة اليوم الجمعة 26 جويلية 2024 عن البنك المركزي التونسي، ان خ
10:51 - 2024/07/26
التكنولوجيا المبتكرة من «إل جي» لتحسين الحياة اليومية
07:00 - 2024/07/25
سجل الميزان التجاري الغذائي إلى موفى شهر جوان 2024 فائضا بقيمة 1834,7 مليون دينار مقابل عجز بقيمة
07:00 - 2024/07/25
افتتحت الشركة البلغارية الرائدة في مجال صناعة البلاستيك التقنية Akumplast   أول وحدة تصنيع للصناد
07:00 - 2024/07/25
ستنطلق وزارة الاقتصاد والتخطيط، قريبا، في إعداد المخطط التنموي للفترة 2026-2030 وذلك في إطار تشار
21:37 - 2024/07/24