إشترك في الشروق
حرب التهجير، غسيل الجثث، فائض الإنسانوية وزيفها
تاريخ النشر : 15:11 - 2023/07/15
" لا يكمن الحل إذن في لعب لعبة الإنسانية بل في تغيير الوضع الذي تقتضيه الإنسانوية في المقام الأول."
(هذا ما قاله الفيلسوف سلافوي جيجاك في آخر صفحة من مقالته المعنونة "تغيير جذري وليس تعاطفا" من كتابه "فلسفة الفوضى: هل ينقذ الدمار البشرية" الصادر سنة 2021.)
أما في أول صفحة من المقالة، (الصفحة 68)، فيرى محقا ان الحق في الانتقال من بلد إلى بلد وحق الإقامة وسواه، كلها مجردات متجاهلة لا علاقة لها بالسياق الاجتماعي المعقد. وبأن "الحل الحقيقي يكمن في تغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي ينتج المهاجرين. "
إن التصدق بالفتات بسخاء أو دون سخاء لا يحل أي مشكل. وإن أي حل لأي مشكل ينبغي أن يقوم على تغيير الظروف نفسها التي تسبب كل المحن. وفعلا، "يعد 'فتح قلوبنا' للاجئين طريقة ماكرة إلى حد ما لعدم فعل أي شيء لتغيير الوضع العالمي الذي يؤدي إلى وجودهم. " (نفس المرجع، ص. 71). ولكن من هم؟
إنهم مهجرون قسرا وقهرا. وهذا موضوع صرختنا منذ أشهر في خصوص غالبية الضحايا الذين يأتون إلى تونس ومنذ سنوات في خصوص دول أخرى. هم يقصفون بنفس أدوات التزييف وتتم المتاجرة بهم، وهم في وضع الغارق المتمسك بقشة، بنفس الزيف الإنسانوي الكاذب الذي ينطبق على قضايا البيئة والنساء والإرهاب أحيانا. بينما الإنسانية الحقة شيء آخر تماما. وهم ليسوا مجرد مهاجرين مترحلين. وأكثر من ذلك، "المهاجرون المترحلون ليسوا بروليتاريين رغم مزاعم آلان باديو وآخرين بأن البروليتاري المترحل هو الشخصية النموذجية للبروليتاري في وقتنا هذا. إن ما يجعل البروليتاريين بروليتاريين حقيقة انهم مستغلون وانهم العنصر الحاسم في تحديد سعر رأس المال، فعملهم يخلق فائض القيمة. " (ص. 70).
تهدف حرب التهجير الإنسانوية الغاشمة إلى التقتيل الجماعي المنظم والافراغ الجماعي الاستعماري المنظم للأوطان للاستيلاء عليها. فمن لم يمت على أرضه دعه يموت دعه يمر أو، بالأحرى، أتركه يمر أتركه يموت. هو لن يمر إلى حياة كريمة حقة في مطلق السياسات: يموت في المعارك أو يموت على الحدود أو يموت في الصحاري أو يموت في البحار أو يعبر عبدا إلى الموت العبودي المهين بقية العمر ومدى الحياة في مغاسل الإنسانوية الكاذبة القذرة في أي مكان في الشمال، سيان. إنها سياسات غسيل الجثث الإنسانوية أو تبييض جرائم التنكيل بالجثث. حيث نحن نقتله ونسير في جنازته من بعيد وعبر وكلاء الدموع السينمائية عندكم، هذا إذا تركنا من أعضائه ما يجمع بعضه على بعضه في جنازة. وأنت أيها التونسي المتعطش إلى إنسانيتك التي سلبناها نحن ووكلاء التوحش عندكم؛ أنت من يجب أن يتحمل المسؤولية ويدفع فاتورة الغسيل الدموي الداكن قرا وحرا.
يحصل هذا بينما يحلم اليساريون واليمينيون والرأسماليون على حد السواء بموجة جديدة من اللاجئين "تدمج في الماكينة الرأسمالية كما حدث في ستينيات القرن الماضي في ألمانيا ثم في فرنسا. ويبررون ذلك بأن "أوروبا تحتاج إلى المهاجرين". " في الحقيقة لا صحة لهذا الأمر. حيث لم يندمج المهاجرون اجتماعيا بالمرة. "تضفي هذه الحقيقة مزيدا من المأساوية على وضع المهاجرين اللاجئين العالقين في حالة إهمال اجتماعي، وهو مأزق تعرض الأصولية مخرجا زائفا منه. وفيما يتعلق بحركة رأس المال العالمي، يوضع اللاجئون في موقع فائض الإنسانية وهو صورة طبق الأصل عن فائض القيمة، وليس في وسع أي مساعدة إنسانية أو انفتاح أن تجد حلا. ولن يفي بالغرض إلا إعادة هيكلة الصرح الدولي بأسره. " (نفسه).
وعلاوة على ضرورة التعاون بين دول الجوار بدل خلق الفتن بينها، تتوجه أصابع الاتهام دون أدنى شك إلى كل من يدفع على تونس وضدها كل موجات التهجير التي تفوق طاقة تحملها وهدفه متعمد ومعلوم وواضح ودقيق ومحدد. وكل من يحاول أن يكون خادما لكيان العدو في المنطقة وعبر شبكات الاجرام وفي أوروبا. ونذكر هنا ليس إلا بمقولات الصهاينة والمعمرين من نوع "محاصرة العرب بالأفارقة" (ونحن أيضا افارقة ونعتز) ومن نوع "جعل شمال افريقيا كجنوب افريقيا". ونذكر بالاستراتيجيات الصهيو - أمريكية من نوع "الديانة الابراهامية" و"الولايات المتحدة الابراهامية في افريقيا". ونذكر بأن أكبر أداة عنصرية إرهابية صنيعة الاستعمار الغربي أي كيان العدو الزائل ضالعة في التهجير منذ ما قبل تقسيم السودان الذي شاركت فيه بشراسة واعترف موسادها بذلك في كتاب سنة 2015 وهي جاهدة في تدفيعنا الثمن وستخيب حتما، نذكر بأن هذه الأداة كانت تخطط لزرع كيانها المعادي في أوغندا وكينيا (وكينيا كانت من أوغندا) ومن ثم أنغولا والموزمبيق والكونغو وإثيوبيا والسودان وتشاد وتنزانيا ورواندا قبل فلسطين المحتلة ... دون أن نذكر كل الحركة من إريتريا وسواها. ومن القرن الافريقي إلى بحيرة فكتوريا إلى النيل الأبيض والبحيرات العظمى والبحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط ومن مالي ونيجيريا والنيجر إلى موريتانيا والجزائر وليبيا وتونس تستعر حروب التهجير وتتصدر تونس المواجهة والمقاومة بكل ما تستطيع.
إنه لمقدر علينا ردها والانتصار فيها وسواها كلفنا ذلك ما كلفنا.
" لا يكمن الحل إذن في لعب لعبة الإنسانية بل في تغيير الوضع الذي تقتضيه الإنسانوية في المقام الأول."
(هذا ما قاله الفيلسوف سلافوي جيجاك في آخر صفحة من مقالته المعنونة "تغيير جذري وليس تعاطفا" من كتابه "فلسفة الفوضى: هل ينقذ الدمار البشرية" الصادر سنة 2021.)
أما في أول صفحة من المقالة، (الصفحة 68)، فيرى محقا ان الحق في الانتقال من بلد إلى بلد وحق الإقامة وسواه، كلها مجردات متجاهلة لا علاقة لها بالسياق الاجتماعي المعقد. وبأن "الحل الحقيقي يكمن في تغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي ينتج المهاجرين. "
إن التصدق بالفتات بسخاء أو دون سخاء لا يحل أي مشكل. وإن أي حل لأي مشكل ينبغي أن يقوم على تغيير الظروف نفسها التي تسبب كل المحن. وفعلا، "يعد 'فتح قلوبنا' للاجئين طريقة ماكرة إلى حد ما لعدم فعل أي شيء لتغيير الوضع العالمي الذي يؤدي إلى وجودهم. " (نفس المرجع، ص. 71). ولكن من هم؟
إنهم مهجرون قسرا وقهرا. وهذا موضوع صرختنا منذ أشهر في خصوص غالبية الضحايا الذين يأتون إلى تونس ومنذ سنوات في خصوص دول أخرى. هم يقصفون بنفس أدوات التزييف وتتم المتاجرة بهم، وهم في وضع الغارق المتمسك بقشة، بنفس الزيف الإنسانوي الكاذب الذي ينطبق على قضايا البيئة والنساء والإرهاب أحيانا. بينما الإنسانية الحقة شيء آخر تماما. وهم ليسوا مجرد مهاجرين مترحلين. وأكثر من ذلك، "المهاجرون المترحلون ليسوا بروليتاريين رغم مزاعم آلان باديو وآخرين بأن البروليتاري المترحل هو الشخصية النموذجية للبروليتاري في وقتنا هذا. إن ما يجعل البروليتاريين بروليتاريين حقيقة انهم مستغلون وانهم العنصر الحاسم في تحديد سعر رأس المال، فعملهم يخلق فائض القيمة. " (ص. 70).
تهدف حرب التهجير الإنسانوية الغاشمة إلى التقتيل الجماعي المنظم والافراغ الجماعي الاستعماري المنظم للأوطان للاستيلاء عليها. فمن لم يمت على أرضه دعه يموت دعه يمر أو، بالأحرى، أتركه يمر أتركه يموت. هو لن يمر إلى حياة كريمة حقة في مطلق السياسات: يموت في المعارك أو يموت على الحدود أو يموت في الصحاري أو يموت في البحار أو يعبر عبدا إلى الموت العبودي المهين بقية العمر ومدى الحياة في مغاسل الإنسانوية الكاذبة القذرة في أي مكان في الشمال، سيان. إنها سياسات غسيل الجثث الإنسانوية أو تبييض جرائم التنكيل بالجثث. حيث نحن نقتله ونسير في جنازته من بعيد وعبر وكلاء الدموع السينمائية عندكم، هذا إذا تركنا من أعضائه ما يجمع بعضه على بعضه في جنازة. وأنت أيها التونسي المتعطش إلى إنسانيتك التي سلبناها نحن ووكلاء التوحش عندكم؛ أنت من يجب أن يتحمل المسؤولية ويدفع فاتورة الغسيل الدموي الداكن قرا وحرا.
يحصل هذا بينما يحلم اليساريون واليمينيون والرأسماليون على حد السواء بموجة جديدة من اللاجئين "تدمج في الماكينة الرأسمالية كما حدث في ستينيات القرن الماضي في ألمانيا ثم في فرنسا. ويبررون ذلك بأن "أوروبا تحتاج إلى المهاجرين". " في الحقيقة لا صحة لهذا الأمر. حيث لم يندمج المهاجرون اجتماعيا بالمرة. "تضفي هذه الحقيقة مزيدا من المأساوية على وضع المهاجرين اللاجئين العالقين في حالة إهمال اجتماعي، وهو مأزق تعرض الأصولية مخرجا زائفا منه. وفيما يتعلق بحركة رأس المال العالمي، يوضع اللاجئون في موقع فائض الإنسانية وهو صورة طبق الأصل عن فائض القيمة، وليس في وسع أي مساعدة إنسانية أو انفتاح أن تجد حلا. ولن يفي بالغرض إلا إعادة هيكلة الصرح الدولي بأسره. " (نفسه).
وعلاوة على ضرورة التعاون بين دول الجوار بدل خلق الفتن بينها، تتوجه أصابع الاتهام دون أدنى شك إلى كل من يدفع على تونس وضدها كل موجات التهجير التي تفوق طاقة تحملها وهدفه متعمد ومعلوم وواضح ودقيق ومحدد. وكل من يحاول أن يكون خادما لكيان العدو في المنطقة وعبر شبكات الاجرام وفي أوروبا. ونذكر هنا ليس إلا بمقولات الصهاينة والمعمرين من نوع "محاصرة العرب بالأفارقة" (ونحن أيضا افارقة ونعتز) ومن نوع "جعل شمال افريقيا كجنوب افريقيا". ونذكر بالاستراتيجيات الصهيو - أمريكية من نوع "الديانة الابراهامية" و"الولايات المتحدة الابراهامية في افريقيا". ونذكر بأن أكبر أداة عنصرية إرهابية صنيعة الاستعمار الغربي أي كيان العدو الزائل ضالعة في التهجير منذ ما قبل تقسيم السودان الذي شاركت فيه بشراسة واعترف موسادها بذلك في كتاب سنة 2015 وهي جاهدة في تدفيعنا الثمن وستخيب حتما، نذكر بأن هذه الأداة كانت تخطط لزرع كيانها المعادي في أوغندا وكينيا (وكينيا كانت من أوغندا) ومن ثم أنغولا والموزمبيق والكونغو وإثيوبيا والسودان وتشاد وتنزانيا ورواندا قبل فلسطين المحتلة ... دون أن نذكر كل الحركة من إريتريا وسواها. ومن القرن الافريقي إلى بحيرة فكتوريا إلى النيل الأبيض والبحيرات العظمى والبحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط ومن مالي ونيجيريا والنيجر إلى موريتانيا والجزائر وليبيا وتونس تستعر حروب التهجير وتتصدر تونس المواجهة والمقاومة بكل ما تستطيع.
إنه لمقدر علينا ردها والانتصار فيها وسواها كلفنا ذلك ما كلفنا.
