تداعيات كارثيّة على الدولة والمجتمع: تهميش الخدمة الوطنية.. إلى متى؟

تداعيات كارثيّة على الدولة والمجتمع: تهميش الخدمة الوطنية.. إلى متى؟

تاريخ النشر : 15:12 - 2024/06/21

 أدى تهميش الخدمة الوطنية منذ تسعينات القرن الماضي إلى تداعيات كارثية على كيان الدولة والنسيج المجتمعي وثوابت الهوية الوطنية. 
 إن ما يسمى  التدافع الاجتماعي الناجم عن تغوّل النزعة الفردانية وانهيار مستوى التحضر هي إفرازات طبيعية لضرب مرتكزات المواطنة وفي مقدمتها إلزامية الخدمة الوطنية إلي جانب التعليم والثقافة والعائلة. 
 وبالنتيجة أصبحت صيرورة الأجيال الجديدة متروكة  للصدفة والأقدار فالاحتمالات متساوية بين أن يصبح الطفل مواطنا صالحا متشبعا بقيم العيش المشترك أو أن يلتحق بصفوف الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة لأن المحيط فقد قدرته على التأثير الإيجابي في المواطن. 
 وعلى هذا الأساس تحولت المخالفة والجريمة من إفراز استثنائي لحركة المجتمع إلى قاعدة تحكم المجتمع وهو ما يفسر إلى حدّ بعيد تغول النزاعات القضائية إلى الدرجة التي أصبح فيها الشيك دون رصيد مجتمعا في حد ذاته وأصبحت كل أشكال الغش والاحتكار تتفاقم كلما ارتفعت أرقام المحاضر العدلية والحجوزات. 
 وحتى مفهوم الزمن لم يعد له أي معنى فالأجيال الجديدة تلاقي صعوبات  في احترام المواقيت بما في ذلك مواعيد الغذاء والنوم وهو ما زاد في توسيع الهوة بين الأجيال. 
 والأخطر من ذلك هو الإنخراط  المتفاقم للنخب الجديدة في نظرية «المواطن العالمي» الذي لا وطن له في خضم تفاقم التفكير في الهجرة رغم أن الأوضاع المعيشية في تونس أفضل بكثير من عديد الدول المستقطبة للهجرة. 
 وبالمحصلة فإن كل التحديات التي تواجهها تونس بما في ذلك إفرازات اقتصاد العمولة وسهولة الإختراق الخارجي تعود بالأساس إلى التراجع اللافت لجذوة الواعز الوطني وهو ما يصنع الفرق على سبيل المثال  بين تونس وإيران حيث يتمسك 460 ألف مهندس بالمشاركة في نهضة بلادهم رغم صعوبة الوضع الداخلي المتأثر بالحصار المالي الأطلسي وكذلك رغم الإغراءات المالية الكبيرة للعمل في الخارج. 
 وإذا كانت إعادة بناء الأبعاد الوطنية والتربوية لمنظومة التعليم مسارا طويلا فإن فرض إلزامية الخدمة الوطنية يضل أهم الحلول المتاحة على المدى القصير لإعادة ترسيخ العقيدة الوطنية في المجتمع باعتبارها ركيزة أساسية للنهوض بمستوى التحضر وإحياء قيمة العمل والقطع مع أزمة الأخلاق الراهنة . 
 إن المليون تلميذ الذين غادروا مقاعد الدراسة بصفة مبكرة في عشرية الخراب يمثلون أخطر تحدي ستواجهه تونس في الأعوام القادمة لأنهم خرجوا إلى الحياة العامة دون أي سلاح يحصنهم ضد كل آفات المحيط ومن ثمة فإن الخدمة الوطنية هي الوسيلة المتاحة لإحتواء هذا التحدي خاصة في خضم التكامل بين التدريب العسكري والتكوين المهني . 

 كما أن التكريس  الفعلي والمطلق لمبدأ السيادة الوطنية كأساس لإعادة بناء سائر المنظومات والسياسات العمومية باتجاه بناء مرتكزات قوية للرخاء والأمن تمر وجوبا عبر إعادة تجذير واجب القيام بالخدمة الوطنية لترسيخ التلازم بين كرامة الفرد وسيادة الدولة. 
 وحتى من الناحية العسكرية فإن التحولات الراهنة في العالم وتجربة عشرية الخراب المؤلمة تؤكد بكل وضوح أنه لا توجد دولة في العالم خارج نطاق المطامع الخارجية وهو ما يقتضي إعطاء مفهوم «جيش الإحتياط» الأهمية التي يكتسبها بمنطق الأمن القومي الإستراتيجي.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

دعت القنصلية العامة للتونس بطرابلس، اليوم الأربعاء، المواطنين التونسيين المقيمين والموجودين بليبي
11:17 - 2025/05/14
الخلاف بين الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس وزراء الكيان نتنياهو أصبح ملحوظا بالعين المجرّدة..
07:00 - 2025/05/14
تعقد الاكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب غدا الخميس 15 ماي الجاري الحصة الثالثة من الدورة التك
07:00 - 2025/05/14
وجّه أكثر من 70 نائبا من البرلمان أمس الثلاثاء مراسلة الى رئيسة الحكومة طالبوا فيها باتخاذ إجراءا
07:00 - 2025/05/14
تواصل لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب غدا الخميس النظر في الصيغة الموحدة لمقترحي القانونين عد
07:00 - 2025/05/14
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم أمس الاول في لقاءين منفصلين كلا من وزير الفلاحة والموارد الما
07:00 - 2025/05/14
أيام السياحة والصناعات التقليدية بقفصة
07:00 - 2025/05/14
أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد لدى استقباله أمس الاول رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري ضرورة م
07:00 - 2025/05/14