الافتتاحية: الانضباط أوّلا والانضباط اخيرا

الافتتاحية: الانضباط أوّلا والانضباط اخيرا

تاريخ النشر : 13:33 - 2020/04/04

لم تنفك أزمة كورونا، والتي هي بصدد التحول الى تراجيديا مسرحها العالم كله، تلقننا الدروس كل يوم، درسا بعد درس.
ولعل الدرس الاهم الذي يجدر ان نحتفظ به ونأخذ بعبره هو ذلكم المتعلق بالاستجابة لنداء الانتظام والتنظّم والالتزام بتنفيذ القواعد العامة والمستعجلة. انه في كلمة واحدة: الانضباط.
ويكفي أن نلقي نظرة خاطفة على خارطة العالم لنتبين ان العنصر الحاسم في تعامل الشعوب مع ظهور الوباء كان الانضباط وسيبقى الانضباط. وعلى قدر انضباطه جاءت حصيلة مواجهة كل شعب للفيروس القاتل.
فهذه الشعوب الآسيوية، في كوريا الجنوبية وفي تايوان، سارعت منذ الساعات الأولى لظهور الفيروس بتعميم الكشف عن الإصابة وفرض ارتداء القناع على كل مواطنيها، فكانت النتيجة ان هذه الشعوب سجلت اقل الخسائر.
لم تتلكأ تلكم الشعوب ولم تتباطأ وانضبطت  للتوّ لنداءات السلطات. ما من شك أن هناك تقاليد ثقافية وحضارية تفسّر هذا الالتزام وتبرر هذا الانضباط. ولكن، ما من شك أيضا أن هناك ثقة متبادلة بين راس السلطة و القاعدة المواطنية تسهّل التواصل وتدفع الى الوحدة والتضامن. ينضاف الى ذلك الاستعداد المسبق والمحكم للكوارث الصحية.
بلدان أخرى، وليست اقلها قوة، اختارت استراتيجية مختلفة تمثلت في ترك الفيروس يمضي طبيعيا متوهّمة وموهمة ان الفيروس لن يكون غير أزمة صحية عابرة. ولننظر الى أين ادّى مثل هذا التصرف الامسؤول في إنجلترا والبرازيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث قُضي فيها الأمر بسرعة لا يعادلها غير تهوّر رأس سلطتها وبدأ المصابون والموتى يتساقطون كأوراق الخريف.
لقد ضحى دونالد ترامب بصحّة شعبه من اجل صحة اقتصاد بلاده وذلك باسم العقيدة الليبرالية التي تمثل جوهر الثقافة المهيمنة في بلاده، غير عابىء بالضعفاء وذوي الدخل المحدود الذين يعدون بالملايين والذين هم اليوم في مقدمة حصاد الفيروس.
لكن امريكا تمتلك القوّة المالية والتكنولوجية الهائلة التي تمكنها من دفع فاتورة انزلاقات رئيسها وشططه.
وكذلك أوروبا، وبالأخص اروربا الغربية، التي وإن استفاقت متاخرة بسبب شعور الغرور والاستعلاء، فانها اثبتت جدارة وصحّة منظومتها الصحية الحمائية الراعية والعادلة، سواء كان ذلك في إيطاليا، رغم حجم الخسائر، او في اسبانيا او فرنسا. 
ونحن، بلا دولارات أمريكيا، ولا حمائية أوروبا، ولا أقنعة، ولا سائل لتنظيف الأيدي؟
 أسلحتنا ثلاثة.
اولها، تضامننا بعضنا مع البعض والذي يجب ان يتواصل ويتدعّم ويتنوّع.
ثانيا، بذل الجهد لتعلّم آداب وقواعد الانضباط لانه شرط نجاة وتقدّم الشعوب. ولعلنا قد بدانا ندرك قيمة هذا الشرط الحضاري.
ثالثا، الا نغترّ  ونحسب السراب ماءً فنصدق ما يُطلق في بعض الدول القربية من إمكانية قرب بدء نهاية الحجر.هذه النهاية ما تزال بعيدة لان الكورونا ليس لها دواء حاليا. ودواؤها الوحيد الى هذا الحد هو الحجر الكامل والسبيل الى تنفيذ ذلك هو الصبر والتحمل.
لكل دولة استراتيجيتها واستراتيجيتنا هو الانضباط. اليوم وغدا وأبداً.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

هِي الأمُّ لَها؛ بِهذا التشبيهِ البليغِ نقاربهما؛ علّنَا نفهم هذا التلاحم بين فلسطين وتونس ...
07:00 - 2025/06/18
رواية "مدينة النساء" هذا العمل الذي إنتشر في العالم فترجم الى لغات مختلفة وحقق مبيعات قياسية في م
20:04 - 2025/06/16
"أحبها بلا ذاكرة" هو عنوان الرواية الخامسة في مسيرة الأمين السعيدي الادبية.
22:14 - 2025/06/09
صارت أسعار التنّ المصنّع والمعلّب في تونس مشطّة إلى حدّ بعيد مع جودة متدنيّة إذ ما يصبّر في هذه ا
07:00 - 2025/06/09
حين الإنجازات في الخمسين سنة الماضية كانت حاضرة في خطاب السيد عميد كلية الطب بصفاقس كما جاء على ل
07:00 - 2025/06/09
في الوقت الذي تتضاعف فيه الإبادة الوحشية الجماعية في غزة وحشية وعنجهية زادت الهم الفلسطيني غما عل
07:00 - 2025/06/09
(أحمد الشقيري أول ديكولونيالي عربي يجيب)
07:00 - 2025/06/09