اتركوها بسلام...فإما حياة و إما فلا
تاريخ النشر : 16:58 - 2025/07/29
لست أدري كيف ستكون البداية و إلى أي مدى يمكن أن تسعفني بندقيّتي التي لطالما عانقتني متى اشتقت أين ما حلّت بي الذكريات و رافقتني هواجس السلام بلا أرض و الحب بلا قلب...
لست أدري كيف أرسم ملامح الصباح العاجز و لا القمر الحزين راحلا عن سماهم ثأرت منه القنابل الحارقة و أنا أتحدّث عنهم، و كيف أروي معاناة اليأس في قلوبهم و أنا أجادل العروبة فيّا و فيهم عن فنون القتال التي تنوّعت على أجسادهم و أمانيهم أو كيف أخاطب نفسي عن تفاصيل عيونهم التي ترحل إلينا كل حين تتحدّث أنّنا نسينا نسيانهم بين كل صرخة جوع و صرخة صمت ليس كغيره من الصمت، فذاك الطبيعي هادئ كالنسيم و هذا كارثة إنسانيّة بعدسات استراتيجيّة ،جيوسياسيَة مزدوجة لقيادات إدارة الدول تترجم كونها ديبلوماسيّة العلاقات الدوليّة بديلا عن القواعد القانونيّة الدوليّة الآمرة بحفظ حقوق الإنسان زمن السلم و الحرب فما بالك بالحرب العدوانيّة على قطاع غزَة كأخطر تهديد صارخ لحياة المدنييّن وفق سياسة إجراميّة متكاملة الأهداف الإستيطانيّة بل و متميّزة الأركان و الوقائع عن غيرها من الجريمة المعتادة على انتهاك حق الحياة للفرد و المجموعة حيث سياسة التجويع المممنهجة في القطاع و التي اتّخذتها الإدارة الصهيوأمريكية بعدا مستحدثا للجريمة كأداة الضغط المتميّزة لإضعاف قوام المقاومة الفلسطينيّة وفق استهداف ممنهج لاحتلال شهداء الحقّ في الأرض و المصير في أزمة كونيّة غير مسبقة على مستوى هيبة الأجهزة الدوليّة شأن فضّ النزاعات مما يستحيل معه تحقيق الأمان القانوني الدولي في سياق التسويات السياسيّة أو التفاوض اللامشروط عن مئات الآلاف من شهداء المجازر الإسرائيليّة المرتكبة في القطاع و الهلع من ويل آلات الإعدام في غزّة، شهداء الصوت و الصورة أصل الحقيقة و ميدان الجريمة الدوليّة المنظّمة للمدنييّن و اليوم شهداء الخبز و المساعدات الإنسانيّة في اعتداءات صارخة على مصير الباقين في غزّة وفق سرديّة ديبلوماسيّة كريهة جميل أن يقال عنها "ديبلوماسيّة الزّقوم " لتحالفات عربيّة صهيوأمريكيّة تساوت في إقامة الجوع و الإستيطان...
و في هذا السياق بالذات يجدر بي الإعتراف بشيء من الحقيقة و لو كانت مؤلمة و لكنها تستقيم مع إرثنا الإستعماري المتأصّل في هويّتنا ليست العقائديّة و لا الوطنيّة و إنما هويّتنا الأخلاقيَة، فأصل الحكاية أنّنا أصحاب الكرامة و الرايات الشامخة بمورثنا الدينيّ البديع و مواسما من الزمن لا تستثنى منها إلا لحظات من العمر يمكن أن يمضيها المرء في حب فلسطين، الأصل أنّنا أصحاب القضايا الإنسانيّة الحرّة و محورها العروبة أصل الجمال فينا و لنا، هدف الإستعمار و كيد العدوان، و فجأة تغيّر أصل الحكاية بموجب ذلك الجنس المتجدّد من التجارة في الشأن السياسي حيث قرارات التنازل عن الأصل لاستهلاك المعروض المنسوج بخيوط دقيقة لا مرئيّة و لا مسموعة متروكة لزمن ما تتصارع فيه الديبلوماسيّة السياسيّة للبقاء الأقوى و ها هو ذا تحديدا زمن القتل المستهدف للرضّع كونهم مستقبل المقاومة لتحرير الأرض، زمن إعدام هند و لايان و أعداد لا تحصى على غرار المفقودين من أمثالهم على اعتبار الطفولة أرقاما حسب أسلوب التفاوض السياسي الخائب بديلا عن أحلام الورد و تفاصيل البراءة المنعشة ما دامت القرارات العربيّة تتخبّط في الوحل المتّفق عليه بالسلام مع شريك تستقيم معه صبغة أخرى من الديمقراطيّة التي أثقلتنا و نحن نلمح أنين أفراد عزّل عن السلاح و الجريمة يتنفّسون لحظاتهم الأخيرة في وداع للجوع حيث هناك الجنّة فيها الخبز كلمات من هذا القبيل يتعانقون بعدها ثم يرحلون إلى ذاك النّعيم وسط هذا الزاد من الخذلان الذي ورثناه نحن من الأخلاقيّات العربيّة المنهكة حتى صرنا حميرا نترافق الذئاب و هي النتيجة الحتميّة و الطبيعيّة و حتى المطلقة و الغاية في البساطة للإحتلال و ربما ليس كاحتلال غزّة الفلسطين و إنما أخطر بكثير، ففي غزّة الفلسطين أبت المدنيّة المقاومة بالسلم إلا أن ترفض رقص الشياطين على جذورها فترجّل المسك ليبقى العطر يفوح من تحت الركام و الأنقاض ذاك النصر المعلن للمحتل بهشاشة موقعه على هذه البقعة المقدّسة، و إنّما الإحتلال الأخطر ذاك الذي ينتصر للباطل خلف الكواليس مذ خطّت بنود للسلام مع أطراف اللاسلم و لا سلام في سياق مخطّطات ضمنيّة للإحتلال الكليّ و الدائم أنجزت لتوقيت محدّد كحال هذا التوقيت بالذّات لتغدو علنيّة ممنهجة فوق كل التشريعات و الأجهزة الدوليّة و الإقليميّة التي أخضعت الوجع الفلسطيني تحت الحصار المطلق بمفعول سوء التّدخل الديبلوماسي، السياسي العربي في التعامل مع مجرم ذكيّ كالإدارة الصهيوأمريكيّة و بالتالي تحقّقت النتيجة الحتميّة للإخفاق في النصر للهويّة الأصيلة مرجع القضيّة الفلسطينيّة رغم حضور لقوى من المنطقة العربيّة ذات موضع إقليمي و دولي متميّز إلا أنها فشلت في اعتقادها بالنصر لمثل هذه القضايا الانسانيّة كحال قطاع غزَة.
فلمّا جسّدت الديبلوماسيّة أثرا دوليّا أحيانا لحفظ السلم والأمن الدولييّن و بعدا دوليّا في محطّات أخرى لتطوير العلاقات و إستراتيجيّات التعامل بين الدول أخفقت في هذه المرحلة و بالذّات مع صرخات الجوع في قطاع غزّة أقوى أسلحة الدمار الشامل للرّوح و العقل حيث شكّلت المجاعة في القطاع خريطة مستحدثة لهويّة العروبة و نفحات اعتناق الإسلام في منهج الدّفاع عن الحقّ و العرض، فيها من المواقف الشعبيّة وجع وحدة قوامها غزّة و منها إدارات سياسيّة عربيّة عكست قدرة الشعوب على تحقيق الإنسانيّة اللامقيّدة في إسناد غزّة و من عليها وفقا لمنهج هذه الإدارة المضطربة عجزا خلّفه سوء حفظ الهويّة و استثمار الباطل لإنجاز القيادات على حساب أرواح الضحايا أو بقايا أشلاء منهم في خطاب غريب جدّا بين عجز البطلان و بطلان العجز عن الإعتقاد بحق الفلسطينييّن في تقرير المصير و حقّ الدولة ذاتها في إقامة أصلها المؤسّساتي الشرعي على أرض أبى الإحتلال هجرانها بمفعول سوء التدّخل العربي في إسناد القضيّة الفلسطينيّة حقّا و منهجا بما في ذلك الدور الفعلي و العملي في إنفاذ القانون الدولي لتحقيق العدالة الجنائيّة حيث غاب عنها حضور الإدارات السياسيّة العربيّة عن أبرز الضمانات الإجرائيّة الدوليّة لحفظ حقّ الشهداء في العدالة الوضعيّة التي لم و لن ترى النّور في ظل هذا النوع من الخذلان لدماء أهدرت كالشلاّلات تجري من تحتها الأنهار و مجازر إسرائيليّة أتت على الأخضر و اليابس حتى المقابر حيث تجرف جثث الشهداء فرسية للكلاب السّائبة و أجساد الأطفال تترامى للسماء علّها تحتضنها من هول القصف العدواني لخيام بائسة تأوي نازحين دون تمييز للمستهدفين في هذا العدوان أو تناسب لما يقوده الجانب المحتلّ الغاصب تلك أبسط الأساسيّات المدرجة ضمن خوض الحرب.
و لهذه الأخيرة فاصلا صغيرا تناوله كل العالم و في كل المحطّات الإخباريّة و في الصحف و المجلاّت و في دعاء الجوعى و الثكالى و العزّل اليتامى بأن تنتهي هذه الحرب في دلالة رمزيّة مخطئة و ظالمة لحقّ كل شهيد في هذا العدوان الغير مسبوق لأنّ الإقرار بمصطلح الحرب يعني الإعتراف بالحقّ الشرعي للأطراف في هذه الأخيرة بالدّفاع على ضوء القانون الدّولي و بالتّالي الإعتراف و لو كان ضمنيّا بشرعيّة ما يستخدم من اعتداء على السيّادة و المؤسّسات المستهدفة في خوض الحرب بموجب الشرعيّة الدوليّة مما لا يستقيم و بشكل مطلق مع الإبادة الجماعيّة في قطاع غزّة و تطوير سياسة الإستيطان إلى مرحلة المجاعة و إنتاج الجوع لضمان الموت لا محالة للباقين المحتسبين المرابطين على قهرهم و تعذيبهم من أجل البقاء، فكان استخدام مصطلح الحرب غير ذي حقيقة في هذا الوضع الميداني لغزّة في غياب التوصيف القانوني الحقيقي لهذه الكارثة الإنسانيّة بما يتماشى مع ماهيّة الحرب العدوانيّة التي تنشأ دون موجبات مشروعة أو ضرورة حمائيّة حتميّة على خلاف ما تقتضيه مرجعيّات القانون الدولي من تجريم الإعتداء على سيادة الدولة أو احتلالها أو السيطرة عليها بالقوّة وهو التكييف القانوني الأصلي الذي تطرّقت إليه الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في إحدى قراراتها لتعريف العدوان كأخطر شكل من أشكال اللّجوء غير المشروع لاستخدام القوّة لتقويض وجود الدولة و أمنها و سلامة إقليمها على نحو يقوّض المبادىء الأساسيّة للقانون الدولي حيث كان يمكن أن يكون لهذا التوصيف أثرا متميّزا على إرساء المسؤوليّة الدوليّة الجنائيّة للدولة التي تمارس مثل الذي تمارسه الإدارة العسكريّة العدوانيّة للإحتلال المسلّط على المدنييّن في قطاع غزّة، و باعتبار أنّ مثل هذا النّوع من المسؤوليّات لا يمكن أن يتماشى مع المخطّطات الأصليّة للإستعمار و الإحتلال الدائم للمناطق المخطّط لها مذ خطّت الديباجة لذاك الميثاق الأمميّ و ربما الكونيّ بأنّها شعوب الأمم المتّحدة و قد آلت على أنفسها إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب كموضعهم اليوم بالضّبط في سياق تطوّر مجازر القتل الإسرائيلي إلى ذاك الجوع القاتل ببطئ، و قد آلت ذات الشعوب على أنفسها أن تعيش بسلام و حسن جوار و أن تضمّ قوّاتها لتحتفظ بالسلم و الأمن الدولي في غياب مطلق لأثر هذه الديباجة على ميدان غزّة، و في هذا الإطار غيَب الإعتراف بالتوصيف القانوني للحرب العدوانيَة بشكل صريح ضمن موجبات الأجهزة الدوليّة المعنيّة بوقف خطر تهديد السلام كحال مجلس الأمن الذي تخلّى عن أمنه المكلّف بتحقيقه في حقّ ضحايا المجازر الإسرائيليّة المرتكبة في ميدان غزّة و من عليها ممّا وسّع نطاق الإحتلال على من لا حول لهم و لا قوّة إلاّ عيونًا تستغيث علّها القيادات العربيّة تنتعش من تأثير مفعول قصّة الأميرة النائمة فبدل دمعة الفارس التي أيقظت الأميرة جفّت دموع الشجر و الحجر من ذاك الويل الذي أسفر عن مجازر ضد الإنسانيّة في اعتراف مكشوف للهيمنة على جذور الآليّات الدوليّة المكلّفة بردع مثل هذا الجانب المهدّد للأمان المؤسّساتي الدولي كحال مجلس الأمن وهو المناط بعهدته تحديد وجود أي عمل عدواني لاتخاذ التّدابير اللاّزمة لوقف الخطر المهدّد للسلام الدولي مما يجعل طرح إصلاحه أو تغييره أو تطويره غير ذي جدوى بعد هذا التوقيت من مصير الجائعين في القطاع فعندما تنتهي المواعيد لا عزاء لمن تخلّى عنها...
و عودة على التدخل العربي و موضع الإدارة السياسيّة لمثل هذه المنطقة من العالم إذ يخطىء من ظنّ يوما أنّ للثعلب دينا، فمجاعة غزّة اليوم لم تعد تستجيب لمثل هذه التحالفات الوسائطيّة لتحقيق السلام الغير ذي أصل و لا ضمان آجال التهدئة مع أطراف عدوانيّة تخطّط للديمقراطيّة المحتلّة و الأمان الغادر بعد اكتساب الأهداف المرجوّة كواقع الهدنة الأخيرة في قطاع غزّة عودة على اتفاق وقف إطلاق النار و في الواقع صفقة تبادل الأسرى لم تكن لها علاقة بفكرة وقف العدوان، هناك حيث تكفّلت المشهديّة على الميدان لوحدها بإقامة النّصر الثابت لعزّة الأرض في استعراضات تاريخيّة للمقاومة الفلسطينيّة يهتزّ لها كل أحرار العالم، استعراضات تشكّلت فيها غزّة الحبيبة أيقونة الدنيا و عروس الشتويّة رقصت لها كل القلوب الحرّة و النفوس التي تحيا بعشق الأوطان و ثبات الأرض، مثل هذه المشهديّة التي تجلّت فيها المقاومة بشموخ يغار منه كل قصيد ترجم حبّ الأرض و صون العرض و الشرف، تلك المشهديّة الإستثنائية عن كل زمن و صورة في ظلّ حاضنة شعبيّة عظيمة رسمت عنوان الإنسانيّة الشعبيّة في فلسطين التي لا و لن تتجزّأ، و لأنّ التعامل كان مع عدوّ لا يستجيب للثقة في غياب الأثر الإلزاميّ القانوني لتفعيل آليات القانون الدولي في ضمان نجاعة الإلتزام بإنتاج التسوية السياسيّة من قرارات، تطوّرت أجهزة استهداف الحياة إثر تلك المشهديّة على ميدان غزّة إلى المجاعة القاتلة في وضع غير مسبوق، لا معتاد و لا مقبول للأبرياء العزّل في القطاع و هي النتيجة الطبيعيّة لتفاوض الثقة و السلام مع هذا الجانب العنيف العدوانيّ بما لا يمكن أن تتحقّق معه ملامح عربيّة لإدارات وجب أن تكون حاسمة مستقيمة الوحدة في الدّفاع و الإنحياز لحقّ الضحايا من إدخال المساعدات أضعف التزام قيميّ أخلاقي تجاه الوعود بإسناد الأرض لأصحابها دون هذا الإسناد لوضع النفوس الجائعة في مشاهد غير مسموح لها أن تغفر.
و في هذا السياق يجدر طرح ذلك الإستفهام العسير
أ كان ينبغي أن تموت غزّة بعد الموت جوعا حتى يحين موعد التفاوض المتأخّر المعتاد على ممارسات التعذيب الممنهج و سياسة استهداف المدنييّن كسلاح شامل لرفض كل مقومّات الإنقاذ في القطاع في تفاوض متّصل بقرارات الإدارة السياسيّة الأمريكية لأطروحة إنهاء الحرب في غزة على حد تعبير هذه الأخيرة وليدة هذا الإحتلال الجائر بخطابات ذكيّة عميقة تحظى أن تكون بموجبها الأقوى، أو ذاك النّوع من المسرح السياسيّ المقدّس للعنف حيث اعتنق للطفولة دور المقاومة الإرهابيّة و لأب يحفى أميالا ترهقه عثرات البحث عن الخبز مرجع المجرم الخطير و لليتامى و الجرحى نصيبا من هذا المسرح و لأشذاء الروح رسائل أخرى عن ويل الفقد يخبرن فيها العالم بحقيقة الإحتلال و ما خفي كان أعظم...في ظل سرديّات صريحة و بعضها رمزيّة عن الإقرار بالإحتلال الدائم لقطاع غزّة كحقيقة الأطروحة السابقة لوقف إطلاق النار و التي كلّفت المدنيّين في قطاع غزة أسوء مراحل المعاناة على مدى التاريخ مما يقيم للحيرة فاصلا عن التدخّل العربي الوسائطي في هذا المستوى بالذات من العدوان الكارثي في حق الغزييّن و مدى القدرة على إدراك المخطّط الحقيقي لهذا الجانب العدواني حتى تتساوم معه أشلاء الضحايا و الموتى جوعا في أبعاد ديبلوماسيّة هجينة تعبّر عن ضعف الهويّة العربيّة في حضرة الإستهلاك المرَ للإدارة العدوانيّة على السلم والأمن الدوليين.
و ربما في تحليل متواضع لحيثيّات المستجدّات على الميدان فالوظيفة السياسيّة في شأن وقف إطلاق النار و في الأصل صفقة تبادل الرهائن قد تأزّمت في مرحلة سابقة باعتبار المساومة على أرواح الشهداء لن ترى النور مع هياكل توحّدت في نفس الصفّ العدواني الجائر لتحقيق أهداف الإحتلال على عكس ما يتناوله الموقف العربي الفاقد للحسم الحقيقيّ لقضيّة شهداء الحقّ على أن يبقى الأصل تفاصيلا عن ذكرى وجودهم ما يبقى الزعتر و الزيتون، و على الأرجح فالأطروحة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزّة بشكل مفاجئ في هذه المرحلة بالذات لن تكون إلا صفقة على نفس المنوال السّابق و لكن بصيغة مؤنسنة وفق خطاب مترجم لفاعليّة الإدارة الأمريكيّة في رعاية السلام العالمي عكس ما تمليه الصّورة الحيّة من ضعف واضح لتحقيق أهداف المؤسّسة العسكريّة المحتلّة على مستوى مخطّطات إضعاف حركة المقاومة الفلسطينيّة مما انعكس سلبا على الداخل الإسرائيلي في معارضة غير مسبوقة للقرارات السياسيّة دون الجدوى، و بالتالي عكس الضّرورة القصوى للطرح المفاجئ غير المستغرب من الإدارة الأمريكيّة لإنهاء الحرب على غزّة على حدّ تعبير الأخيرة بل و إنشاء تلك المدينة الإنسانيّة الصفة بلا موضوع، ذلك على غرار الإصرار المتواصل على احتلال غزّة بالكامل و توسيع نطاق الإستيطان في علاقة بحقيقة الإلتزام بقرارات الحوارات الوسائطيّة على مستوى وقف إطلاق النار.
و هنا يجدر التساؤل عن مدى توسّع نطاق التفاوض السياسي العربي الصهيوأمريكي إلى إنفاذ القانون الدولي للإتزام بآثار هذا التفاوض في سياق متّصل بالنتائج السالفة و الصريحة لحقيقة الصفقات أو أطروحات وقف إطلاق النار التي خلّفت كارثة إنسانيّة لا يستجيب معها الوصف و بالذات حقيقة الجانب المحتلّ في ظلّ حماية الإدارة المركزيّة و بالذات في هذا التوقيت تزامنا مع تولّي الرئيس ترامب ولايته الأمريكيّة المتجدّدة، و هنا يدرك الجميع تماما تداعيّات وجوده على الشّعب الفلسطيني و في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، و مدى توسّع نطاق الوجود العربي لتطوير سياسة التفاوض نحو التّدخل المشروط بتجريم الإعتداءات المنتهكة لحقوق المدنييّن في غزّة الشهداء منهم و الباقون المعذَبون على أرضهم بما في ذلك فرض التّدخل الجنائي الدولي لتحقيق العدالة الجنائية، و إلى أي مدى يمكن القول بنجاعة التسوية السياسيّة لتفعيل القضاء الدولي على مستوى هذا الجانب فما بالك إن كانت الإدارة الأمريكيّة هي المعنيّة بهذا الشأن في سياق مساعي هذه الأخيرة لفرض عقوبات على المحكمة الجنائيّة الدوليّة وهو ما يدعّم توصيف التفاوض أو التسوية السياسية عموما و خاصة في هذه المرحلة من مصير قطاع غزة بالفراغ أصلا و موضوعا بل و إحدى الثغرات الممنهجة لإخماد آثار المساءلة...
و ها هو ذا التوقيت المتميّز لحسم الموقف العربي الذي سبقته الكثير من المواقف الغربيّة الجماهيريّة منها
و حتى السياسيّة كموقف إسبانيا تجاه هذا الجانب المهدّد للأمان الأممي و من المؤسف قول ذلك في سياق الإعتقاد بالنّصر لقضية المدنييّن العزّل التي غدت بعدا متجدّدا للنّزاع وفق ما أملته هذه الحرب العدوانيّة على قطاع غزّة حيث أدرج الإنسان في القطاع المركز الإستراتيجي المستهدف في المنطقة أبرز وسائل الضّغط المستحدثة لإضعاف المقاومة الفلسطينيّة التي وجب الدّفع بالإرهاب عن وجودها بناءا على دفوعات ليست بالضمنيّة و لا الخلفيّة و إنما دفوعات حقيقيّة ميدانيّة شكّلتها جنود أخرى على الميدان تقاوم بالصورة
و الصوت فوق الأنقاض و من تحت المقابر و في المستشفيات و في السماء حيث هناك الطفولة تتطاير كالرّيش في مهب الريح و من بطون جثث فلسطينيّات فقيدات أنقذت مواليد أحياء ليستهدفهم الموت بعد حين و بين وجع اليتامي و دمع الرجال قهرا على مصيرهم المغتصب، تلك الواجهة الأخرى للحقيقة العدوانيّة على قطاع غزة بعدسة ساري و حسونة
و مئات الرفاق على الميدان الذين تركوا للعالم مشهدا صحفيّا ليس بالفيلم الوثائقي و إنما بالواقع التّوثيقي لحقيقة هذا العدوان الصهيوأمريكي في تفاوض مع إدارة الديبلوماسيّة السياسيّة العربيّة بشأن وضع لم
و لن يعد يستقيم للتفاوض وإنما لإدارة قياديّة تحسم إرادة شعوبها بشأن إسناد المدنييّن العزّل ليكون القرار العربي الفاعل في هذه المرحلة محطّة هيكليّة لتجديد المواقف نحو فرض التدخل الإنساني لكسر الحصار و الإعتراف بمسؤولية إعادة الإعمار و بالتالي ديبلوماسيّة الصّوت الفلسطيني الواحد لتحقيق العدالة الإنسانيّة بموجب إرساء تشريعات مستحدثة تفرض التخصّص الأصّلي للمحاكم الوطنيّة بتجريم العدوان مثل المسلّط على سكّان غزّة نحو رفض التطبيع مع هذا الجانب العدواني و إنفاذ مختلف الآليات للإعتراف بحقّ الفلسطينييّن في المصير.
و لئن جسّدت التسوية السياسيّة أو التفاوض أبرز الثّغرات التي ترعى لإسرائيل التوسّع في الإحتلال
و العدوان على الشعب الفلسطيني دون رقيب أو حسيب عدى الدولة الأم التى تحتضنها كلّما اشتاقت عناقا للجرائم، حلقة مفرغة من الجزاء ما يترتّب عنه فراغا قانونيّا في ما يتعلّق بالمسؤوليّة الدوليّة الجنائيّة لقوات حفظ السلم والأمن الدوليين بما في ذلك الدولة التي تقتضي ضروريات المرحلة الواقعية المهدّدة للسلم والأمن الدوليين بترتيب المسؤوليّة ذاتها عن الإجرام الذي قوّض كل العالم بمقتضاها ما يتجاوز التوصيف القانوني للفعل الغير مشروع بما فيه ضمانا نوعا ما للأضرار الماديّة الراجعة لذلك الفعل تجاه الدولة المتضرّرة وهو ما يستحيل معه التناسب على ميدان غزّة الفلسطين من الأضرار الكارثيّة التي خلّفتها أسلحة الدمار الشامل ما أسفر عن خسائر بشريّة يعقل فيها التكييف بشبه معدلّات خسائر لقرن من الحرب في دلالة قطعيّة على الفشل في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة لمّا كان المسعف و الطبيب و المريض و الطفل الرضيع
و ذاك الشهيد كبير السّن لم يسعفه العجز الجسدي للدفاع عن نفسه لتغتاله الآلة العسكريّة الصهيونيّة في وضع كفيل بحاله بأن يحين موعد القيامة و كفى...، أهدافا للعدوان في القطاع دون اعتبار لهيبة القانون الدولي الإنساني أو الأشخاص الدولية الراعية للسلام بناءا على ضمانات حمائية مطلقة تندرج في سياق الهيمنة الإيديولوجية للبقاء الأقوى رفضا للهويّة العربيّة بل الإسلاميّة على الإطلاق، فها هنا تحديدا و بالذّات حان ميعاد الحسم التّاريخي الحضاري، السياسي
و الإيديولوجي للتدخّل العربي في قضيّة تحرير أوطان مدنيّة سلميّة على أرض فلسطين وهي الواجهة الأعمق في هذه الحرب العدوانيّة على قطاع غزة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ما دام كان ينبغي أن يموتو بعد الموت جوعا حتى ربما نتّفق و على الأغلب لا...
لم أكن أدري إن كان القدر يقتلهم أم أنّهم يقاتلون القدر لكنّني أدركت أنّ طرفا ثالثا يقتلهم...نعم هو ذاك الطرف الثالث الأخطر على العروبة فينا...هو ذاك الإرث الإستعماري...و في كل الأحوال هناك جريمة ضدّ الإنسانيّة تحدث تستدعي نهضة عربيّة حقيقيّة
و حاسمة بشأن استهلاك أرواح الفلسطينييّن في سكوت غير محمود عن الإحتلال المستمر و لأنّ التحرير ليس قضيّة معطى و إنّما مشروع تحقّق فلتحسم الهويّة العربيّة فينا أصلها فنحن لا نحتاج أن نكون فلسطينييّن حتّى نحب فلسطين، نحن نحتاج إلى اعتقاد حقيقي بالنصر للقضايا الإنسانيّة تماما كحال قضيّة المدنييّن في قطاع غزّة...تماما كحال القضيّة الفلسطينيّة.
و إن لن نتّفق و على الأرجح ذلك فلتكن غزّة إلاّ للمقاومة و المقاومة للتّحرير و التّحرير للنصر و النصر لأصحاب الأرض، فإما حياة و إما فلا...

لست أدري كيف ستكون البداية و إلى أي مدى يمكن أن تسعفني بندقيّتي التي لطالما عانقتني متى اشتقت أين ما حلّت بي الذكريات و رافقتني هواجس السلام بلا أرض و الحب بلا قلب...
لست أدري كيف أرسم ملامح الصباح العاجز و لا القمر الحزين راحلا عن سماهم ثأرت منه القنابل الحارقة و أنا أتحدّث عنهم، و كيف أروي معاناة اليأس في قلوبهم و أنا أجادل العروبة فيّا و فيهم عن فنون القتال التي تنوّعت على أجسادهم و أمانيهم أو كيف أخاطب نفسي عن تفاصيل عيونهم التي ترحل إلينا كل حين تتحدّث أنّنا نسينا نسيانهم بين كل صرخة جوع و صرخة صمت ليس كغيره من الصمت، فذاك الطبيعي هادئ كالنسيم و هذا كارثة إنسانيّة بعدسات استراتيجيّة ،جيوسياسيَة مزدوجة لقيادات إدارة الدول تترجم كونها ديبلوماسيّة العلاقات الدوليّة بديلا عن القواعد القانونيّة الدوليّة الآمرة بحفظ حقوق الإنسان زمن السلم و الحرب فما بالك بالحرب العدوانيّة على قطاع غزَة كأخطر تهديد صارخ لحياة المدنييّن وفق سياسة إجراميّة متكاملة الأهداف الإستيطانيّة بل و متميّزة الأركان و الوقائع عن غيرها من الجريمة المعتادة على انتهاك حق الحياة للفرد و المجموعة حيث سياسة التجويع المممنهجة في القطاع و التي اتّخذتها الإدارة الصهيوأمريكية بعدا مستحدثا للجريمة كأداة الضغط المتميّزة لإضعاف قوام المقاومة الفلسطينيّة وفق استهداف ممنهج لاحتلال شهداء الحقّ في الأرض و المصير في أزمة كونيّة غير مسبقة على مستوى هيبة الأجهزة الدوليّة شأن فضّ النزاعات مما يستحيل معه تحقيق الأمان القانوني الدولي في سياق التسويات السياسيّة أو التفاوض اللامشروط عن مئات الآلاف من شهداء المجازر الإسرائيليّة المرتكبة في القطاع و الهلع من ويل آلات الإعدام في غزّة، شهداء الصوت و الصورة أصل الحقيقة و ميدان الجريمة الدوليّة المنظّمة للمدنييّن و اليوم شهداء الخبز و المساعدات الإنسانيّة في اعتداءات صارخة على مصير الباقين في غزّة وفق سرديّة ديبلوماسيّة كريهة جميل أن يقال عنها "ديبلوماسيّة الزّقوم " لتحالفات عربيّة صهيوأمريكيّة تساوت في إقامة الجوع و الإستيطان...
و في هذا السياق بالذات يجدر بي الإعتراف بشيء من الحقيقة و لو كانت مؤلمة و لكنها تستقيم مع إرثنا الإستعماري المتأصّل في هويّتنا ليست العقائديّة و لا الوطنيّة و إنما هويّتنا الأخلاقيَة، فأصل الحكاية أنّنا أصحاب الكرامة و الرايات الشامخة بمورثنا الدينيّ البديع و مواسما من الزمن لا تستثنى منها إلا لحظات من العمر يمكن أن يمضيها المرء في حب فلسطين، الأصل أنّنا أصحاب القضايا الإنسانيّة الحرّة و محورها العروبة أصل الجمال فينا و لنا، هدف الإستعمار و كيد العدوان، و فجأة تغيّر أصل الحكاية بموجب ذلك الجنس المتجدّد من التجارة في الشأن السياسي حيث قرارات التنازل عن الأصل لاستهلاك المعروض المنسوج بخيوط دقيقة لا مرئيّة و لا مسموعة متروكة لزمن ما تتصارع فيه الديبلوماسيّة السياسيّة للبقاء الأقوى و ها هو ذا تحديدا زمن القتل المستهدف للرضّع كونهم مستقبل المقاومة لتحرير الأرض، زمن إعدام هند و لايان و أعداد لا تحصى على غرار المفقودين من أمثالهم على اعتبار الطفولة أرقاما حسب أسلوب التفاوض السياسي الخائب بديلا عن أحلام الورد و تفاصيل البراءة المنعشة ما دامت القرارات العربيّة تتخبّط في الوحل المتّفق عليه بالسلام مع شريك تستقيم معه صبغة أخرى من الديمقراطيّة التي أثقلتنا و نحن نلمح أنين أفراد عزّل عن السلاح و الجريمة يتنفّسون لحظاتهم الأخيرة في وداع للجوع حيث هناك الجنّة فيها الخبز كلمات من هذا القبيل يتعانقون بعدها ثم يرحلون إلى ذاك النّعيم وسط هذا الزاد من الخذلان الذي ورثناه نحن من الأخلاقيّات العربيّة المنهكة حتى صرنا حميرا نترافق الذئاب و هي النتيجة الحتميّة و الطبيعيّة و حتى المطلقة و الغاية في البساطة للإحتلال و ربما ليس كاحتلال غزّة الفلسطين و إنما أخطر بكثير، ففي غزّة الفلسطين أبت المدنيّة المقاومة بالسلم إلا أن ترفض رقص الشياطين على جذورها فترجّل المسك ليبقى العطر يفوح من تحت الركام و الأنقاض ذاك النصر المعلن للمحتل بهشاشة موقعه على هذه البقعة المقدّسة، و إنّما الإحتلال الأخطر ذاك الذي ينتصر للباطل خلف الكواليس مذ خطّت بنود للسلام مع أطراف اللاسلم و لا سلام في سياق مخطّطات ضمنيّة للإحتلال الكليّ و الدائم أنجزت لتوقيت محدّد كحال هذا التوقيت بالذّات لتغدو علنيّة ممنهجة فوق كل التشريعات و الأجهزة الدوليّة و الإقليميّة التي أخضعت الوجع الفلسطيني تحت الحصار المطلق بمفعول سوء التّدخل الديبلوماسي، السياسي العربي في التعامل مع مجرم ذكيّ كالإدارة الصهيوأمريكيّة و بالتالي تحقّقت النتيجة الحتميّة للإخفاق في النصر للهويّة الأصيلة مرجع القضيّة الفلسطينيّة رغم حضور لقوى من المنطقة العربيّة ذات موضع إقليمي و دولي متميّز إلا أنها فشلت في اعتقادها بالنصر لمثل هذه القضايا الانسانيّة كحال قطاع غزَة.
فلمّا جسّدت الديبلوماسيّة أثرا دوليّا أحيانا لحفظ السلم والأمن الدولييّن و بعدا دوليّا في محطّات أخرى لتطوير العلاقات و إستراتيجيّات التعامل بين الدول أخفقت في هذه المرحلة و بالذّات مع صرخات الجوع في قطاع غزّة أقوى أسلحة الدمار الشامل للرّوح و العقل حيث شكّلت المجاعة في القطاع خريطة مستحدثة لهويّة العروبة و نفحات اعتناق الإسلام في منهج الدّفاع عن الحقّ و العرض، فيها من المواقف الشعبيّة وجع وحدة قوامها غزّة و منها إدارات سياسيّة عربيّة عكست قدرة الشعوب على تحقيق الإنسانيّة اللامقيّدة في إسناد غزّة و من عليها وفقا لمنهج هذه الإدارة المضطربة عجزا خلّفه سوء حفظ الهويّة و استثمار الباطل لإنجاز القيادات على حساب أرواح الضحايا أو بقايا أشلاء منهم في خطاب غريب جدّا بين عجز البطلان و بطلان العجز عن الإعتقاد بحق الفلسطينييّن في تقرير المصير و حقّ الدولة ذاتها في إقامة أصلها المؤسّساتي الشرعي على أرض أبى الإحتلال هجرانها بمفعول سوء التدّخل العربي في إسناد القضيّة الفلسطينيّة حقّا و منهجا بما في ذلك الدور الفعلي و العملي في إنفاذ القانون الدولي لتحقيق العدالة الجنائيّة حيث غاب عنها حضور الإدارات السياسيّة العربيّة عن أبرز الضمانات الإجرائيّة الدوليّة لحفظ حقّ الشهداء في العدالة الوضعيّة التي لم و لن ترى النّور في ظل هذا النوع من الخذلان لدماء أهدرت كالشلاّلات تجري من تحتها الأنهار و مجازر إسرائيليّة أتت على الأخضر و اليابس حتى المقابر حيث تجرف جثث الشهداء فرسية للكلاب السّائبة و أجساد الأطفال تترامى للسماء علّها تحتضنها من هول القصف العدواني لخيام بائسة تأوي نازحين دون تمييز للمستهدفين في هذا العدوان أو تناسب لما يقوده الجانب المحتلّ الغاصب تلك أبسط الأساسيّات المدرجة ضمن خوض الحرب.
و لهذه الأخيرة فاصلا صغيرا تناوله كل العالم و في كل المحطّات الإخباريّة و في الصحف و المجلاّت و في دعاء الجوعى و الثكالى و العزّل اليتامى بأن تنتهي هذه الحرب في دلالة رمزيّة مخطئة و ظالمة لحقّ كل شهيد في هذا العدوان الغير مسبوق لأنّ الإقرار بمصطلح الحرب يعني الإعتراف بالحقّ الشرعي للأطراف في هذه الأخيرة بالدّفاع على ضوء القانون الدّولي و بالتّالي الإعتراف و لو كان ضمنيّا بشرعيّة ما يستخدم من اعتداء على السيّادة و المؤسّسات المستهدفة في خوض الحرب بموجب الشرعيّة الدوليّة مما لا يستقيم و بشكل مطلق مع الإبادة الجماعيّة في قطاع غزّة و تطوير سياسة الإستيطان إلى مرحلة المجاعة و إنتاج الجوع لضمان الموت لا محالة للباقين المحتسبين المرابطين على قهرهم و تعذيبهم من أجل البقاء، فكان استخدام مصطلح الحرب غير ذي حقيقة في هذا الوضع الميداني لغزّة في غياب التوصيف القانوني الحقيقي لهذه الكارثة الإنسانيّة بما يتماشى مع ماهيّة الحرب العدوانيّة التي تنشأ دون موجبات مشروعة أو ضرورة حمائيّة حتميّة على خلاف ما تقتضيه مرجعيّات القانون الدولي من تجريم الإعتداء على سيادة الدولة أو احتلالها أو السيطرة عليها بالقوّة وهو التكييف القانوني الأصلي الذي تطرّقت إليه الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في إحدى قراراتها لتعريف العدوان كأخطر شكل من أشكال اللّجوء غير المشروع لاستخدام القوّة لتقويض وجود الدولة و أمنها و سلامة إقليمها على نحو يقوّض المبادىء الأساسيّة للقانون الدولي حيث كان يمكن أن يكون لهذا التوصيف أثرا متميّزا على إرساء المسؤوليّة الدوليّة الجنائيّة للدولة التي تمارس مثل الذي تمارسه الإدارة العسكريّة العدوانيّة للإحتلال المسلّط على المدنييّن في قطاع غزّة، و باعتبار أنّ مثل هذا النّوع من المسؤوليّات لا يمكن أن يتماشى مع المخطّطات الأصليّة للإستعمار و الإحتلال الدائم للمناطق المخطّط لها مذ خطّت الديباجة لذاك الميثاق الأمميّ و ربما الكونيّ بأنّها شعوب الأمم المتّحدة و قد آلت على أنفسها إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب كموضعهم اليوم بالضّبط في سياق تطوّر مجازر القتل الإسرائيلي إلى ذاك الجوع القاتل ببطئ، و قد آلت ذات الشعوب على أنفسها أن تعيش بسلام و حسن جوار و أن تضمّ قوّاتها لتحتفظ بالسلم و الأمن الدولي في غياب مطلق لأثر هذه الديباجة على ميدان غزّة، و في هذا الإطار غيَب الإعتراف بالتوصيف القانوني للحرب العدوانيَة بشكل صريح ضمن موجبات الأجهزة الدوليّة المعنيّة بوقف خطر تهديد السلام كحال مجلس الأمن الذي تخلّى عن أمنه المكلّف بتحقيقه في حقّ ضحايا المجازر الإسرائيليّة المرتكبة في ميدان غزّة و من عليها ممّا وسّع نطاق الإحتلال على من لا حول لهم و لا قوّة إلاّ عيونًا تستغيث علّها القيادات العربيّة تنتعش من تأثير مفعول قصّة الأميرة النائمة فبدل دمعة الفارس التي أيقظت الأميرة جفّت دموع الشجر و الحجر من ذاك الويل الذي أسفر عن مجازر ضد الإنسانيّة في اعتراف مكشوف للهيمنة على جذور الآليّات الدوليّة المكلّفة بردع مثل هذا الجانب المهدّد للأمان المؤسّساتي الدولي كحال مجلس الأمن وهو المناط بعهدته تحديد وجود أي عمل عدواني لاتخاذ التّدابير اللاّزمة لوقف الخطر المهدّد للسلام الدولي مما يجعل طرح إصلاحه أو تغييره أو تطويره غير ذي جدوى بعد هذا التوقيت من مصير الجائعين في القطاع فعندما تنتهي المواعيد لا عزاء لمن تخلّى عنها...
و عودة على التدخل العربي و موضع الإدارة السياسيّة لمثل هذه المنطقة من العالم إذ يخطىء من ظنّ يوما أنّ للثعلب دينا، فمجاعة غزّة اليوم لم تعد تستجيب لمثل هذه التحالفات الوسائطيّة لتحقيق السلام الغير ذي أصل و لا ضمان آجال التهدئة مع أطراف عدوانيّة تخطّط للديمقراطيّة المحتلّة و الأمان الغادر بعد اكتساب الأهداف المرجوّة كواقع الهدنة الأخيرة في قطاع غزّة عودة على اتفاق وقف إطلاق النار و في الواقع صفقة تبادل الأسرى لم تكن لها علاقة بفكرة وقف العدوان، هناك حيث تكفّلت المشهديّة على الميدان لوحدها بإقامة النّصر الثابت لعزّة الأرض في استعراضات تاريخيّة للمقاومة الفلسطينيّة يهتزّ لها كل أحرار العالم، استعراضات تشكّلت فيها غزّة الحبيبة أيقونة الدنيا و عروس الشتويّة رقصت لها كل القلوب الحرّة و النفوس التي تحيا بعشق الأوطان و ثبات الأرض، مثل هذه المشهديّة التي تجلّت فيها المقاومة بشموخ يغار منه كل قصيد ترجم حبّ الأرض و صون العرض و الشرف، تلك المشهديّة الإستثنائية عن كل زمن و صورة في ظلّ حاضنة شعبيّة عظيمة رسمت عنوان الإنسانيّة الشعبيّة في فلسطين التي لا و لن تتجزّأ، و لأنّ التعامل كان مع عدوّ لا يستجيب للثقة في غياب الأثر الإلزاميّ القانوني لتفعيل آليات القانون الدولي في ضمان نجاعة الإلتزام بإنتاج التسوية السياسيّة من قرارات، تطوّرت أجهزة استهداف الحياة إثر تلك المشهديّة على ميدان غزّة إلى المجاعة القاتلة في وضع غير مسبوق، لا معتاد و لا مقبول للأبرياء العزّل في القطاع و هي النتيجة الطبيعيّة لتفاوض الثقة و السلام مع هذا الجانب العنيف العدوانيّ بما لا يمكن أن تتحقّق معه ملامح عربيّة لإدارات وجب أن تكون حاسمة مستقيمة الوحدة في الدّفاع و الإنحياز لحقّ الضحايا من إدخال المساعدات أضعف التزام قيميّ أخلاقي تجاه الوعود بإسناد الأرض لأصحابها دون هذا الإسناد لوضع النفوس الجائعة في مشاهد غير مسموح لها أن تغفر.
و في هذا السياق يجدر طرح ذلك الإستفهام العسير
أ كان ينبغي أن تموت غزّة بعد الموت جوعا حتى يحين موعد التفاوض المتأخّر المعتاد على ممارسات التعذيب الممنهج و سياسة استهداف المدنييّن كسلاح شامل لرفض كل مقومّات الإنقاذ في القطاع في تفاوض متّصل بقرارات الإدارة السياسيّة الأمريكية لأطروحة إنهاء الحرب في غزة على حد تعبير هذه الأخيرة وليدة هذا الإحتلال الجائر بخطابات ذكيّة عميقة تحظى أن تكون بموجبها الأقوى، أو ذاك النّوع من المسرح السياسيّ المقدّس للعنف حيث اعتنق للطفولة دور المقاومة الإرهابيّة و لأب يحفى أميالا ترهقه عثرات البحث عن الخبز مرجع المجرم الخطير و لليتامى و الجرحى نصيبا من هذا المسرح و لأشذاء الروح رسائل أخرى عن ويل الفقد يخبرن فيها العالم بحقيقة الإحتلال و ما خفي كان أعظم...في ظل سرديّات صريحة و بعضها رمزيّة عن الإقرار بالإحتلال الدائم لقطاع غزّة كحقيقة الأطروحة السابقة لوقف إطلاق النار و التي كلّفت المدنيّين في قطاع غزة أسوء مراحل المعاناة على مدى التاريخ مما يقيم للحيرة فاصلا عن التدخّل العربي الوسائطي في هذا المستوى بالذات من العدوان الكارثي في حق الغزييّن و مدى القدرة على إدراك المخطّط الحقيقي لهذا الجانب العدواني حتى تتساوم معه أشلاء الضحايا و الموتى جوعا في أبعاد ديبلوماسيّة هجينة تعبّر عن ضعف الهويّة العربيّة في حضرة الإستهلاك المرَ للإدارة العدوانيّة على السلم والأمن الدوليين.
و ربما في تحليل متواضع لحيثيّات المستجدّات على الميدان فالوظيفة السياسيّة في شأن وقف إطلاق النار و في الأصل صفقة تبادل الرهائن قد تأزّمت في مرحلة سابقة باعتبار المساومة على أرواح الشهداء لن ترى النور مع هياكل توحّدت في نفس الصفّ العدواني الجائر لتحقيق أهداف الإحتلال على عكس ما يتناوله الموقف العربي الفاقد للحسم الحقيقيّ لقضيّة شهداء الحقّ على أن يبقى الأصل تفاصيلا عن ذكرى وجودهم ما يبقى الزعتر و الزيتون، و على الأرجح فالأطروحة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزّة بشكل مفاجئ في هذه المرحلة بالذات لن تكون إلا صفقة على نفس المنوال السّابق و لكن بصيغة مؤنسنة وفق خطاب مترجم لفاعليّة الإدارة الأمريكيّة في رعاية السلام العالمي عكس ما تمليه الصّورة الحيّة من ضعف واضح لتحقيق أهداف المؤسّسة العسكريّة المحتلّة على مستوى مخطّطات إضعاف حركة المقاومة الفلسطينيّة مما انعكس سلبا على الداخل الإسرائيلي في معارضة غير مسبوقة للقرارات السياسيّة دون الجدوى، و بالتالي عكس الضّرورة القصوى للطرح المفاجئ غير المستغرب من الإدارة الأمريكيّة لإنهاء الحرب على غزّة على حدّ تعبير الأخيرة بل و إنشاء تلك المدينة الإنسانيّة الصفة بلا موضوع، ذلك على غرار الإصرار المتواصل على احتلال غزّة بالكامل و توسيع نطاق الإستيطان في علاقة بحقيقة الإلتزام بقرارات الحوارات الوسائطيّة على مستوى وقف إطلاق النار.
و هنا يجدر التساؤل عن مدى توسّع نطاق التفاوض السياسي العربي الصهيوأمريكي إلى إنفاذ القانون الدولي للإتزام بآثار هذا التفاوض في سياق متّصل بالنتائج السالفة و الصريحة لحقيقة الصفقات أو أطروحات وقف إطلاق النار التي خلّفت كارثة إنسانيّة لا يستجيب معها الوصف و بالذات حقيقة الجانب المحتلّ في ظلّ حماية الإدارة المركزيّة و بالذات في هذا التوقيت تزامنا مع تولّي الرئيس ترامب ولايته الأمريكيّة المتجدّدة، و هنا يدرك الجميع تماما تداعيّات وجوده على الشّعب الفلسطيني و في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، و مدى توسّع نطاق الوجود العربي لتطوير سياسة التفاوض نحو التّدخل المشروط بتجريم الإعتداءات المنتهكة لحقوق المدنييّن في غزّة الشهداء منهم و الباقون المعذَبون على أرضهم بما في ذلك فرض التّدخل الجنائي الدولي لتحقيق العدالة الجنائية، و إلى أي مدى يمكن القول بنجاعة التسوية السياسيّة لتفعيل القضاء الدولي على مستوى هذا الجانب فما بالك إن كانت الإدارة الأمريكيّة هي المعنيّة بهذا الشأن في سياق مساعي هذه الأخيرة لفرض عقوبات على المحكمة الجنائيّة الدوليّة وهو ما يدعّم توصيف التفاوض أو التسوية السياسية عموما و خاصة في هذه المرحلة من مصير قطاع غزة بالفراغ أصلا و موضوعا بل و إحدى الثغرات الممنهجة لإخماد آثار المساءلة...
و ها هو ذا التوقيت المتميّز لحسم الموقف العربي الذي سبقته الكثير من المواقف الغربيّة الجماهيريّة منها
و حتى السياسيّة كموقف إسبانيا تجاه هذا الجانب المهدّد للأمان الأممي و من المؤسف قول ذلك في سياق الإعتقاد بالنّصر لقضية المدنييّن العزّل التي غدت بعدا متجدّدا للنّزاع وفق ما أملته هذه الحرب العدوانيّة على قطاع غزّة حيث أدرج الإنسان في القطاع المركز الإستراتيجي المستهدف في المنطقة أبرز وسائل الضّغط المستحدثة لإضعاف المقاومة الفلسطينيّة التي وجب الدّفع بالإرهاب عن وجودها بناءا على دفوعات ليست بالضمنيّة و لا الخلفيّة و إنما دفوعات حقيقيّة ميدانيّة شكّلتها جنود أخرى على الميدان تقاوم بالصورة
و الصوت فوق الأنقاض و من تحت المقابر و في المستشفيات و في السماء حيث هناك الطفولة تتطاير كالرّيش في مهب الريح و من بطون جثث فلسطينيّات فقيدات أنقذت مواليد أحياء ليستهدفهم الموت بعد حين و بين وجع اليتامي و دمع الرجال قهرا على مصيرهم المغتصب، تلك الواجهة الأخرى للحقيقة العدوانيّة على قطاع غزة بعدسة ساري و حسونة
و مئات الرفاق على الميدان الذين تركوا للعالم مشهدا صحفيّا ليس بالفيلم الوثائقي و إنما بالواقع التّوثيقي لحقيقة هذا العدوان الصهيوأمريكي في تفاوض مع إدارة الديبلوماسيّة السياسيّة العربيّة بشأن وضع لم
و لن يعد يستقيم للتفاوض وإنما لإدارة قياديّة تحسم إرادة شعوبها بشأن إسناد المدنييّن العزّل ليكون القرار العربي الفاعل في هذه المرحلة محطّة هيكليّة لتجديد المواقف نحو فرض التدخل الإنساني لكسر الحصار و الإعتراف بمسؤولية إعادة الإعمار و بالتالي ديبلوماسيّة الصّوت الفلسطيني الواحد لتحقيق العدالة الإنسانيّة بموجب إرساء تشريعات مستحدثة تفرض التخصّص الأصّلي للمحاكم الوطنيّة بتجريم العدوان مثل المسلّط على سكّان غزّة نحو رفض التطبيع مع هذا الجانب العدواني و إنفاذ مختلف الآليات للإعتراف بحقّ الفلسطينييّن في المصير.
و لئن جسّدت التسوية السياسيّة أو التفاوض أبرز الثّغرات التي ترعى لإسرائيل التوسّع في الإحتلال
و العدوان على الشعب الفلسطيني دون رقيب أو حسيب عدى الدولة الأم التى تحتضنها كلّما اشتاقت عناقا للجرائم، حلقة مفرغة من الجزاء ما يترتّب عنه فراغا قانونيّا في ما يتعلّق بالمسؤوليّة الدوليّة الجنائيّة لقوات حفظ السلم والأمن الدوليين بما في ذلك الدولة التي تقتضي ضروريات المرحلة الواقعية المهدّدة للسلم والأمن الدوليين بترتيب المسؤوليّة ذاتها عن الإجرام الذي قوّض كل العالم بمقتضاها ما يتجاوز التوصيف القانوني للفعل الغير مشروع بما فيه ضمانا نوعا ما للأضرار الماديّة الراجعة لذلك الفعل تجاه الدولة المتضرّرة وهو ما يستحيل معه التناسب على ميدان غزّة الفلسطين من الأضرار الكارثيّة التي خلّفتها أسلحة الدمار الشامل ما أسفر عن خسائر بشريّة يعقل فيها التكييف بشبه معدلّات خسائر لقرن من الحرب في دلالة قطعيّة على الفشل في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة لمّا كان المسعف و الطبيب و المريض و الطفل الرضيع
و ذاك الشهيد كبير السّن لم يسعفه العجز الجسدي للدفاع عن نفسه لتغتاله الآلة العسكريّة الصهيونيّة في وضع كفيل بحاله بأن يحين موعد القيامة و كفى...، أهدافا للعدوان في القطاع دون اعتبار لهيبة القانون الدولي الإنساني أو الأشخاص الدولية الراعية للسلام بناءا على ضمانات حمائية مطلقة تندرج في سياق الهيمنة الإيديولوجية للبقاء الأقوى رفضا للهويّة العربيّة بل الإسلاميّة على الإطلاق، فها هنا تحديدا و بالذّات حان ميعاد الحسم التّاريخي الحضاري، السياسي
و الإيديولوجي للتدخّل العربي في قضيّة تحرير أوطان مدنيّة سلميّة على أرض فلسطين وهي الواجهة الأعمق في هذه الحرب العدوانيّة على قطاع غزة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ما دام كان ينبغي أن يموتو بعد الموت جوعا حتى ربما نتّفق و على الأغلب لا...
لم أكن أدري إن كان القدر يقتلهم أم أنّهم يقاتلون القدر لكنّني أدركت أنّ طرفا ثالثا يقتلهم...نعم هو ذاك الطرف الثالث الأخطر على العروبة فينا...هو ذاك الإرث الإستعماري...و في كل الأحوال هناك جريمة ضدّ الإنسانيّة تحدث تستدعي نهضة عربيّة حقيقيّة
و حاسمة بشأن استهلاك أرواح الفلسطينييّن في سكوت غير محمود عن الإحتلال المستمر و لأنّ التحرير ليس قضيّة معطى و إنّما مشروع تحقّق فلتحسم الهويّة العربيّة فينا أصلها فنحن لا نحتاج أن نكون فلسطينييّن حتّى نحب فلسطين، نحن نحتاج إلى اعتقاد حقيقي بالنصر للقضايا الإنسانيّة تماما كحال قضيّة المدنييّن في قطاع غزّة...تماما كحال القضيّة الفلسطينيّة.
و إن لن نتّفق و على الأرجح ذلك فلتكن غزّة إلاّ للمقاومة و المقاومة للتّحرير و التّحرير للنصر و النصر لأصحاب الأرض، فإما حياة و إما فلا...