مع الشروق : في انتظار النبض !
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/06/09
علّقت الميدعات البيضاء على جدران الصمت في مستشفياتنا العمومية الأسبوع الفارط بدخول الأطباء الشبان في إضراب تحذيري دام خمسة ايام ،اضرابهم ليس طمعًا في امتيازات ضخمة ، بل بحثًا عن الحدّ الأدنى من الراتب ، من الكرامة.
على امتداد خمسة أيام تزامنت مع عيد الأضحى المبارك، وفي كل جناح خالٍ، وعلى كل سرير صمتت عنده الرعاية وتوقفت فيه الخدمات الطبية، لم يُسمع خفق السماعة ولا أنين مريض... كان الوطن يهمس بكلمات موجعة: "أين نبضي؟" .
فتأتيه الإجابة مسرعة كسرعة تدخلاتهم اسعافا لمريض :هم غاضبون ، وان اشتد غضبهم قد يهاجرون كغيرهم البلاد التي تحتاجهم ، فهجرة الأطباء لم تعد ظاهرة عابرة، بل أصبحت تيارًا جارفا يسحب معه أعمدة المنظومة الصحية ، فمن ضمن 2000 طبيب تخرجوا سنة 2024 ، 350 منهم فقط لم يغادروا البلاد واختاروا البقاء هنا بيننا ، بعضهم ودّع زملاءه بصمت، وبعضهم الآخر ترك رسائل غاضبة، ووصفة طبية موجعة ، لكن جميعهم حملوا معهم مهارةً وعلماً وصبراً لم تعد المؤسسات العمومية تحتمل وجوده !.
إضراب الأطباء الشبان اليوم ليس سوى انعكاس مباشر لحالة الاختناق في جسد الصحة العمومية ، فظروف العمل قاسية بقاعات العمليات التي تفتقر للتجهيزات الضرورية ، وطوابير المرضى في أقسام الاستعجالي وغير الاستعجالي طويلة.. والأطباء مع كل ذلك يُكلَّفون انفسهم بما يتجاوز طاقاتهم..وهذه كلّها عوامل تدفع بهم نحو حافة القرار الصعب: الهجرة ، الرحيل.
الاحصائيات تشير إلى أن 68 بالمائة من الأطباء المقيمين يفكرون جدياً في الهجرة ، وهذا ليس تفكيرًا فرديًا، بل حسب بعضهم مخطط نجاة جماعي من واقع لا يمنحهم فرصة الحياة المهنية الكريمة التي تتجلّى في راتب محترم وحوافز جدية.
مع كل طبيب يرحل، نخسر في الظاهر 700 الف دينار هي كلفة تكوين طبيب على المجموعة الوطنية ، لكنا في الحقيقة والواقع نخسر كفاءة ، نفتقد اختصاصًا، نخسر مستقبل قسم، ويضيع أملاً في الحياة لمريض أو مرضى انفسهم معلقة تنتظر الطبيب .
لكن، في المقابل، هناك ما يستحق التوقّف وبصوتهم نتساءل: ماذا ينتظر هؤلاء الأطباء المضربون ؟ لماذا الإضراب بدل الهجرة كغيرهم ؟.
هم مضربون لأن هناك نبضًا لا يزال حيًّا فيهم لهذا الوطن العزيز . في إضرابهم شيء من التحدي، وشيء من الحب في ذات الآن، لأنهم لا يزالون يريدون البقاء هنا بيننا إن تم الاستماع الى مطالبهم ..
وفي انتظار الاستجابة لهذه المطالب وهو ما بدا واضحا في رد وزير الصحة بمجلس النواب ، علينا أن نعيد الحساب..علينا أن نفهم أن الطبيب ليس آلة، بل إنسان يحتاج لبيئة عمل، ولحافز ولمرتب محترم ، ولمكان آمن يمارس فيه إنسانيته ومهنته. تونس لا يمكنها أن تستغني عن أطبّائها، لكن الأطباء يمكنهم – بكل أسف – أن يستغنوا عنها إن غلقت أمامهم أبواب الرجاء.
فهل من آذان تصغي؟ أم سنظل ننتظر نبضًا لا يأتي... وإن أتى، فلا حياة فيه تُنعش القلب؟..
راشد شعور
علّقت الميدعات البيضاء على جدران الصمت في مستشفياتنا العمومية الأسبوع الفارط بدخول الأطباء الشبان في إضراب تحذيري دام خمسة ايام ،اضرابهم ليس طمعًا في امتيازات ضخمة ، بل بحثًا عن الحدّ الأدنى من الراتب ، من الكرامة.
على امتداد خمسة أيام تزامنت مع عيد الأضحى المبارك، وفي كل جناح خالٍ، وعلى كل سرير صمتت عنده الرعاية وتوقفت فيه الخدمات الطبية، لم يُسمع خفق السماعة ولا أنين مريض... كان الوطن يهمس بكلمات موجعة: "أين نبضي؟" .
فتأتيه الإجابة مسرعة كسرعة تدخلاتهم اسعافا لمريض :هم غاضبون ، وان اشتد غضبهم قد يهاجرون كغيرهم البلاد التي تحتاجهم ، فهجرة الأطباء لم تعد ظاهرة عابرة، بل أصبحت تيارًا جارفا يسحب معه أعمدة المنظومة الصحية ، فمن ضمن 2000 طبيب تخرجوا سنة 2024 ، 350 منهم فقط لم يغادروا البلاد واختاروا البقاء هنا بيننا ، بعضهم ودّع زملاءه بصمت، وبعضهم الآخر ترك رسائل غاضبة، ووصفة طبية موجعة ، لكن جميعهم حملوا معهم مهارةً وعلماً وصبراً لم تعد المؤسسات العمومية تحتمل وجوده !.
إضراب الأطباء الشبان اليوم ليس سوى انعكاس مباشر لحالة الاختناق في جسد الصحة العمومية ، فظروف العمل قاسية بقاعات العمليات التي تفتقر للتجهيزات الضرورية ، وطوابير المرضى في أقسام الاستعجالي وغير الاستعجالي طويلة.. والأطباء مع كل ذلك يُكلَّفون انفسهم بما يتجاوز طاقاتهم..وهذه كلّها عوامل تدفع بهم نحو حافة القرار الصعب: الهجرة ، الرحيل.
الاحصائيات تشير إلى أن 68 بالمائة من الأطباء المقيمين يفكرون جدياً في الهجرة ، وهذا ليس تفكيرًا فرديًا، بل حسب بعضهم مخطط نجاة جماعي من واقع لا يمنحهم فرصة الحياة المهنية الكريمة التي تتجلّى في راتب محترم وحوافز جدية.
مع كل طبيب يرحل، نخسر في الظاهر 700 الف دينار هي كلفة تكوين طبيب على المجموعة الوطنية ، لكنا في الحقيقة والواقع نخسر كفاءة ، نفتقد اختصاصًا، نخسر مستقبل قسم، ويضيع أملاً في الحياة لمريض أو مرضى انفسهم معلقة تنتظر الطبيب .
لكن، في المقابل، هناك ما يستحق التوقّف وبصوتهم نتساءل: ماذا ينتظر هؤلاء الأطباء المضربون ؟ لماذا الإضراب بدل الهجرة كغيرهم ؟.
هم مضربون لأن هناك نبضًا لا يزال حيًّا فيهم لهذا الوطن العزيز . في إضرابهم شيء من التحدي، وشيء من الحب في ذات الآن، لأنهم لا يزالون يريدون البقاء هنا بيننا إن تم الاستماع الى مطالبهم ..
وفي انتظار الاستجابة لهذه المطالب وهو ما بدا واضحا في رد وزير الصحة بمجلس النواب ، علينا أن نعيد الحساب..علينا أن نفهم أن الطبيب ليس آلة، بل إنسان يحتاج لبيئة عمل، ولحافز ولمرتب محترم ، ولمكان آمن يمارس فيه إنسانيته ومهنته. تونس لا يمكنها أن تستغني عن أطبّائها، لكن الأطباء يمكنهم – بكل أسف – أن يستغنوا عنها إن غلقت أمامهم أبواب الرجاء.
فهل من آذان تصغي؟ أم سنظل ننتظر نبضًا لا يأتي... وإن أتى، فلا حياة فيه تُنعش القلب؟..
راشد شعور
