بورتريه .. شباب فلسطين " الأسطورة" 

بورتريه .. شباب فلسطين " الأسطورة" 

تاريخ النشر : 13:26 - 2024/08/19

يعبر مشهد أطفال بيت لاهيا الذين يلعبون  في شوارعها المحاطة بالركام عن مدى التشبث  بالحق في الحياة والأرض  رغم هول القصف  الصهيوني المتوحش الذي يرمز للهمجية   في أدق  تفاصيلها. 
  هذا الجيل الجديد من الفلسطينيين هو الذي زعزع إسرائيل  والمنظومة الصهيونية برمتها قبل أي شيء آخر قبل جبهة الإسناد وقبل التضامن العالمي وقرارات مجلس الأمن والجنائية الدولية وسائر التحولات التي تدور في فلك النضال الوطني الفلسطيني. 
هذا الجيل حطم  كل الأصنام وكسر بأظافره التي تنبش في الركام بحثا عن ناجين تحت الأنقاض كل الأوهام التي كانت تحيط بالكيان الصهيوني وأخطرها على الإطلاق أن العرب غير قادرون على التضحية من أجل الأرض والكرامة. 
  وهو بكل المقاييس عصارة نضال تراكمي  مرير ضد أخطر طائفة على سطح الأرض الصهاينة الذين لا ذمة  لهم  ولا عهد ولا «ميثاق» عقيدتهم الوحيدة «الدم بلا حساب والمال بأي شكل». 
وبفضل هذا النضال التراكمي اكتسب جيل الحاضر التفوق على الكيان الصهيوني في كل شيء  في المواجهة المسلحة وحرب  الأعصاب  والمعارك  الإعلامية لدرجة أن الذهاب  إلى غزة صار بمثابة الذهاب إلى المقبرة في سائر الأوساط الإسرائيلية التي تتناحر اليوم فيما بينها  للتملص من واجب التجنيد فيما انهارت تماما آلة التضليل الإعلامي الصهيوني وصارت البشرية بأسرها تنظر إلى الكيان الصهيوني بوصفه قاتل الأطفال والنساء. 
والواضح أن هذا الصمود الأسطوري  للشعب الفلسطيني هو الذي يرعب الكيان الصهيوني أكثر من أي شيء آخر بل إنه يدفع تدريجيا إلى بث الإحباط داخله لتتزعزع بفعل الضغط أركان «دولة الرفاه والأمن»   التي طالما شكلت مصدر جذب لليهود من  كل أصقاع  الدنيا حيث لم يعد يوجد في إسرائيل لا أمن ولا رفاه مع تواتر عودة الجنود القتلى والمصابين واحتمال وصول صاروخ أو طائرة ميسرة في أي وقت بالليل أو النهار على  حدّ سواء ويحصل انسداد في كل شرايين الحياة فالفنادق التي كانت تستقبل خمسة ملايين سائح سنويا أصبحت مهجورة وحركة أهم الموانئ البحرية مثل إيلات وأسدود  إما توقفت  أو تراجعت  إلى النصف ومدن بطم طميمها في شمال فلسطين وما يسمى غلاف غزة لم يعد فيها أثر للحياة بعد أن تم إجلاء سكانها  البالغ عددها 400 ألف إلى مناطق أخرى في إسرائيل. 
وبالمحصلة تتراكم ملامح الدمار في كامل إسرائيل فيما يمضي الجبان «نتنياهو»  في توجيه التهديدات يمينا وشمالا لتهميش الحقيقة فلسطين التي كسرت غروره وأقضت مضجع إسرائيل وكل داعميها  قوات التحالف وحلف الناتو برمته بل ألبت عليه حتى الداخل الإسرائيلي  حيث  آثر نحو  مليون مستوطن الهجرة إلى أوروبا وأمريكا بحثا عن الأمان فيما أصبحت أزمة  التجنيد لغما قابلا للإنفجار في  أي لحظة في ظل تفشي  عدوى رفض الإلتحاق بالجيش بعد أن رفضت طائفة «الحريديم» القيام بهذا الواجب رغم صدور قرار من المحكمة العليا  الإسرائيلية يلزمها بالتجنيد. 
وفي الأثناء بدأ الجدل يتصاعد  حول  ملكية السلاح مع توسع الوعي بأن زعماء الحكومة المتطرفة أطنبوا في إعطاء رخص السلاح للمستوطنين للإسقواء بهم على الشعب وإرغامه على قبول سياسة الهروب إلى الأمام التي لا غاية منها سوى تأييد احتفاظ هذه الحكومة  الفاسدة بالسلطة. 
وعلى  الضفة المقابلة تبدو أوضاع العالم قد انقلبت رأسا على عقب لدرجة أن الحكومات صارت تتساقط  مثل الذباب  في أعتى الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وتعقدت مسالك الملاحة  البحرية بسبب هبة الشعب اليمني الأصيل الذي مسح تداعيات  نصف قرن من الذل أفرزها الإنصياع العربي الأعمى لخيار السلام المرادف  للإستسلام  وفي السياق ذاته عادت الولايات المتحدة إلى ظرفيه التأسيس  في نهاية القرن الثامن عشر التي  قامت على التناحر بين المستوطنين القادمين من أوروبا على «الأرض  والذهب » حيث  أن التصادم العنيف بين الحزبين الحاكمين يمثل بكل المقاييس انعكاسا  للتداعيات  الثقافية والمالية وجيوسياسية  التي أفرزها طوفان الأقصى وتصب في خانة إذلال واستنزاف  المنظومة الصهيونية برمتها.
وبالنتيجة تجمد التاريخ عند لحظة 7 أكتوبر ولن يستأنف الدوران بشكل عادي  إلا بإنقضاء الدوافع التي أفرزت طوفان الأقصى بوصفه تصحيحا لمجرى التاريخ الإنساني سيلغي كل الترتيبات والكيانات المصطنعة  التي حولت «القدس» من ملاذ للبشر إلى مصدر استنزاف رهيب للإنسان تحت هيمنة المفسدين في الأرض. 
كما ألغت هذه الملحمة الفلسطينية تداعيات   عقود طويلة من  التهميش والتجهيل  استهدفت المجتمعات العربية حيث أصبح الشباب قدوة في هذه المجتمعات يعي جيدا ماذا تعني الثوابت كما يدرك أن المعركة مع الكيان الصهيوني هي معركة حق ووجود حيث  يخوض  جيل الشباب في سائر البلدان العربية بما في ذلك تونس معارك ضارية على شبكات التواصل الإجتماعي لكسب الحرب الإتصالية   ضد الصهاينة. 
كما مضى  إلى أبعد حد في استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية وهو تسبب في استنزاف  مالي رهيب لكبريات للعلامات التجارية المرتبطة بالكيان  الصهيوني أو الداعمة له. 
وحتى شباب أمريكا وأوروبا  فقد تأثر بهذا السياق التحرري الجارف وأصبح يستمد من النضال الوطني الفلسطيني  دافعا للتمرد على منظومة الاستبداد  التي تخنق المواطن الأوروبي  والأمريكي لحساب مصالح تجمع «المال والاعلام والسلاح». 
وبالمحصلة تمثل كل قطرة  دم تسيل على تراب فلسطين حجرا في صرح إنساني جديد لن يوقفه  أي كيان   لأنه يقوم على عقيدة الحق في مواجهة التزييف  حيث أن هذا الصمود التاريخي  للشعب الفلسطيني الأبي أزال أكواما من الأدران التي طالما كبتت  المرجعيات الإنسانية الأصيلة وفي مقدمتها  إرادة الإنسان الحر التي  لا تقهر.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

في انتهاك للحياد القضائي في محكمة العدل الدولية، كشف تسجيل صوتي مسرّب عن فضيحة قانونية ارتكبها وز
17:01 - 2025/05/01
قالت الشرطة البريطانية إن محققي مكافحة الإرهاب بدأوا تحقيقا بشأن تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها أعض
16:02 - 2025/05/01
شهدت إحدى قرى مركز بيلا، في محافظة كفر الشيخ، بشمال مصر، إقدام مسجل خطر مقيم بالقاهرة على دفن جثم
14:52 - 2025/05/01
قال مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون السياسية، رانا سناء الله خان، لوسائل إعلام اليوم الخميس
10:33 - 2025/05/01
تكافح فرق الإطفاء الحرائق المستعرة قرب الطريق السريع الواصل بين القدس وتل أبيب والتي خلّفت إصابات
09:31 - 2025/05/01
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ثقته بأنه لم يرتكب أي أخطاء خلال أول 100 يوم له في منصب رئيس
08:06 - 2025/05/01
توفيت الراهبة البرازيلية إيناه كانابارو لوكاس، أكبر معمرة في العالم، أمس الأربعاء، عن عمر ناهز 11
07:24 - 2025/05/01
بسبب انتشار فيديو مسيء الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، اشتعلت نار الفتنة في سوريا.
07:00 - 2025/05/01