مع الشروق.. إلى متى السكوت عن المهرولين إلى التطبيع؟

مع الشروق.. إلى متى السكوت عن المهرولين إلى التطبيع؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/11/08

إذا كان المزاج العام للشعب التونسي رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني في كل اشكاله وتجلياته، فإن بعض الجهات تصرّ على التجديف ضد التيار.. حيث تسعى في صمت وتحت لافتات مختلفة إلى الدفع نحو «التطبيع الناعم». هذا الشكل من التطبيع الذي يطبخ على نار هادئة ويتعمد تجنّب كل مظاهر الصخب وكل الأضواء حتى يتسنى له تسجيل نقاط وتجذير هذا المسار بعيدا عن أية مساءلة أو محاسبة..
هذه الأطراف تزدري بالشعب التونسي وبقناعاته وتستهتر بانتمائه العربي وبانخراطه اللامشروط في قضايا أمته وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني المناضل والذي يتعرض شعبا وقضية لأبشع صنوف التنكيل من قبل الحكومات الصهيونية المتعاقبة. هذه الحكومات التي يسعى البعض لتمكينها من اختراق جبهتنا الداخلية وتسجيل نقاط في اتجاه تطبيع العلاقات مع عدو يحتل الأرض العربية في فلسطين وسوريا ولبنان ويمضي نحو فرض إرادته مستقويا بالحليف الأمريكي لتحصيل التطبيع والأرض العربية معا.. وفوقهما تنكره للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية..
هؤلاء لا يزدرون بالشعب التونسي وبانتمائه وبقناعاته فقط، بل يزدرون كذلك بالتوجهات السياسية الواضحة والمبدئية التي عبّر عنها رئيس الدولة عندما أطلق مقولته الشهيرة «التطبيع خيانة عظمى». وكأنما أصبحوا «دولة داخل الدولة» ويرفعون راية غير راية الدولة التونسية.
 وهذا الازدراء يضعنا أمام سؤال حارق: كيف يكون رأس السلطة في بلادنا ضد التطبيع ومع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتكون هذه المؤسسة العمومية أو تلك التابعة للدولة التونسية سائرة في ركاب التطبيع، ملتزمة بدأب وبإصرار بالتقدم على هذا النهج المناوئ لمهجة الشعب ولقناعاته وكذلك لإرادة رئيس الدولة؟
ما جرّنا إلى هذا الكلام هو إصرار مديرة المكتبة الوطنية وهي مؤسسة عمومية على النبش والربش لإقامة ندوات وفعاليات تصبّ في خانة التطبيع وفي خانة ما يسمونه «كسر الحاجز النفسي» الذي يجعل الشعب التونسي والطبقة السياسية التونسية ورئيس الدولة يرفضون مدّ جسور التطبيع مع كيان مجرم يحترف تقتيل الفلسطينيين والبطش بهم والتنكّر لحقوقهم الوطنية المشروعة والتي أقرتها حتى المؤسسات الأممية وفي طليعتها مجلس الأمن الدولي..
هذه المديرة شأنها شأن بعض الأساتذة الجامعيين وبعض الباحثين  يتخذون في غياب أي تجريم للتطبيع، من البحث العلمي مطية لتبييض وجه هذا الكيان ومدّ جسور التطبيع معه.. وهو الكيان الغاصب والمحتل والمجرم والذي لم «يبدع» إلا في مجال التنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني والعبث بحقوقهم تماما كما يعبث بقرارات الشرعية الدولية. فوق هذا فإن هذه المديرة التي تعدّ لتنظيم ندوة غدا تحت لافتة «لتتكلّم اللغات المنسية» تجاهلت خطر النفخ على نيران الأقليات العرقية التي تهدد وحدتنا الوطنية علاوة على أن الفتن الطائفية والعرقية هي مطية اتخذها رعاة «الشرق الأوسط الكبير» لتفجير الدول وادخالها في صراعات تفضي إلى خضوعها إلى مشرط «التقسيم واعادة التشكيل»... كما أنها وهي مديرة دار الكتب الوطنية لم تحدثنا عن واقع اللغة العربية التي تنهال عليها سياط الارباك والتجاهل في مناهجنا وبرامجنا التعليمية لتصبح غريبة في بلد عربي أصيل لغته العربية.
وفي ظلّ هذا الصمت المريب والعجيب للوزارة وللسلط الرسمية فإن تيّار التطبيع المتدثّر  مرّة بالبحث العلمي ومرّة بترجمة الأعمال الأدبية ومرّة بإقامة حفلات فنية داخل الكيان الصهيوني، آخذ في الازدهار والانتشار. وهو ما يدعو إلى وقفة صارمة أمام المرآة ومحاسبة الجميع: هل نحن بلد يرفض التطبيع رسميا وشعبيا وفي هذه الحالة فلا إرادة تعلو على إرادة رئيس الدولة وإرادة الشعب التونسي الرافض للتطبيع؟ أم أننا في بلد مصاب بانفصام الشخصية يرفض التطبيع في العلن ويتغاضى عنه وهو يزحف إلينا ويتسلل متسربلا بالبحث العلمي وبالآداب وبالفن وبالتجارة أيضا؟ وفي هذه الحالة فإن النخب والمثقفين والجمعيات والأحزاب وأبناء الشعب مطالبون بالنزول إلى الميدان وتشكيل وتفعيل جبهة صلبة رافضة لكل اشكال التطبيع.. احتراما لانتمائنا العربي ولقناعات شعبنا واحتراما لدماء الشهداء الذين قدمناهم في ساحات الحرب على الجبهات العربية مع الكيان دفاعا عن الحق العربي ونصرة لأشقائنا في فلسطين الحبيبة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك