مع الشروق... ليبيـا... أمـــام مفتـــرق الطـــرق

مع الشروق... ليبيـا... أمـــام مفتـــرق الطـــرق

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/12/26

من جديد، تعود الأزمة الليبية إلى مزاد الدول الكبرى التي عادت للضغط من أجل تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية التي كان مبرمجا لها أن تجرى يوم 24 ديسمبر الماضي.. قبل أن يجهضها صراع وتناحر «الاخوة الأعداء» وفشلهم في بلورة حد أدنى من التوافق حول هذا الاستحقاق الحاسم الذي يدرك كل الليبيين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم وتدرك معهم دول الجوار أن هذه الانتخابات هي أهم المفاتيح لاتجاه ليبيا صوب الهدوء والاستقرار.
الدول الغربية الكبرى هي التي دمّرت ليبيا وان كان بدرجات تورط متفاوتة وهي التي صبت الزيت على نار الحريق الكبير الذي أشعله الليبيون في وطنهم. وهذه الدول هي التي عادت بعد ان اطمأنت إلى استئصال الدولة الوطنية من عروقها لتضغط باتجاه ارساء سلطة سياسية جديدة تنبع من انتخابات تعددية وتتوفر على درجات من الشفافية والنزاهة.. وفي حالتي الحرب والسلم فإن الدول الغربية لا تتحرك بدوافع انسانية ولا من باب تحمل المسؤولية ومساعدة الليبيين لوجه الله.. وهي أيضا وفي كل الحالات لا تتحرك لأجل عيون أصحاب النفط بل من أجل النفط النائم تحت أقدام أصحاب النفط الذين تفرقوا شيعا ونحلا وانخرطوا في اقتتال بدا وكأنه بلا نهاية.
وسط هذا المشهد الغائم والملغوم تظهر الجامعة العربية وفيّة لتخبطها ولضعفها بعد أن اكتفت بالاعراب عن قلقها وانشغالها واختفت وراء دعوات صالحات بعودة لغة العقل وتوصل الفرقاء الليبيين إلى تفاهمات تفتح الطريق أمام تحديد موعد جديد للاستحقاق الرئاسي في ليبيا. والواقع أن الجامعة العربية وفي علاقة بالأزمة الليبية وكذلك بالأزمة السورية كانت قد اكتفت باعطاء الاشارات الخضراء المطلوبة للعدوان على ليبيا وعلى سوريا وركنت إلى الفرجة هنا وهناك وبلدان عربيان عضوان في الجامعة يتعرضان للتدمير ولمحاولة تمزيق الأوصال تحت مشرط ـ التقسيم وإعادة التشكيل الذي كان قد اتخذ من وصفة «دمّر نفسك بنفسك» عنوانا للجيل الجديد من الحروب التي يشنها الغرب في سبيل تمهيد الأرضية أمام عبور قطار الشرق الأوسط الجديد. هذه الوصفة التي يتولى بموجبها أبناء البلد تدمير أوطانهم واضعافها والقاء قرارها الوطني المستقل على رصيف التدخلات الأجنبية وفي مزادات مصالح الدول الكبرى التي تتدخل في الأخير لجني الثمار حين تظهر في مظهر المنقذ والمتحمس لوقف الاقتتال وانهاء عاصفة القتل والتدمير.
وعودة للأزمة الليبية فإن هذا ما حدث تحديدا.. حين تولى الليبيون تدمير بلدهم واستدعاء أطراف أجنبية ومليشييات ومرتزقة من الخارج فاتحين بذلك الطريق أمام الضغوط والتدخلات الأجنبية بما مهّد لمسارات التسوية السياسية التي كان يفترض أن تفرز رئيسا جديدا للبلاد ومؤسسات منتخبة قبل أن تتصادم الادارات والحسابات بشأنها لتحيلها إلى دائرة التأجيل التي لا شيء يمنع من تكرارها مرات ومرّات بسبب الحسابات السياسية لهذا الطرف أو ذاك.
ان فصول الأزمة الليبية وتفرعاتها كشفت لمختلف الفرقاء على الساحة الليبية ان بداية الخلاص تكمن في استعادة القرار الوطني الحر والمستقل وفي إذابة جبال الشك والريبة فيما بينهم حتى يتسنى لهم أن يتوجهوا لانجاز عملية سياسية مثمرة تفضي إلى تصعيد مؤسسات جديدة في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة ولا اقصاء فيها ويقبل الجميع بنتائجها.. لأن ما بعد الاستحقاق الرئاسي يبقى أهم مما يسبقه.. لأن عدم القبول بالنتائج لا قدر الله سيكون الشرارة التي تشعل حروبا جديدة قد تأخذ ليبيا فعلا إلى مربع التقسيم.
لقد أصبحت كل الأوراق مكشوفة أمام الليبيين.. كما أصبحت طرق الخلاص واضحة أمامهم وما عليهم إلا الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية لانقاذ ليبيا الوطن والشعب قبل أن تنقضّ عليها وحوش الغابة وتحولها أشلاء لا قدر الله.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك