مع الشروق.. من يحدّد عناوين المرحلة الجديدة؟

مع الشروق.. من يحدّد عناوين المرحلة الجديدة؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/09/22

التدخل الأخير لرئيس الدولة في سيدي بوزيد رسم الخطوط العريضة لملامح خارطة الطريق لمرحلة ما بعد إجراءات 25 جويلية. هذه الخارطة التي أسالت كثيرا من الحبر وفجّرت سجالات كثيرة وجدلا أكثر... وبمجرد ظهورها التهبت نيران الجدل من جديد وطفت على السطح وجهتا نظر. الأولى مرحّبة بملامح الخارطة ومنصرفة إلى ضرورة إنجاح المرحلة الجديدة التي تقطع نهائيا مع مرحلة ما قبل تاريخ 25 جويلية. والثانية تنظر إلى الوراء وتجذب إلى الوراء وتحنّ إلى عودة الأمور إلى ما قبل 25 جويلية مستندة في ذلك على مسألة الشرعية بكل توابعها ومؤسساتها المعروفة والتي قادت البلاد إلى مأزق خطير بات معه التحرك لإنقاذ الدولة مسألة مصيرية ولا تحتمل التأجيل.
رئيس الدولة كشف في الفترة الأخيرة العديد من العناوين الكبرى تباعا. وكلها تصب في خانة استحالة العودة إلى الوراء... وفي خانة القطع مع المؤسسات والعقليات والسلوكات القديمة التي أضعفت الدولة ومؤسساتها ووضعت الجميع في مأزق خطير بات يهدد كيان الدولة وهو ما اعتبره رئيس الدولة خطرا داهما بل خطرا جاثما على صدور العباد والبلاد ليطلق سلسلة الإجراءات التي أعلنها بما سوف يستتبعها من إجراءات ومن خطوات ومن قرارات للقطع نهائيا مع الوضع الذي كان قائما ولوضع البلاد على سكة الإنقاذ الفعلي... وكل من كان يراهن على الطابع الاستثنائي وبالتالي المحدود في الزمان لهذه الإجراءات... وكل من كان يحلم بعودة الأمور إلى ما قبل 25 جويلية إنما كان يسوّق لنفسه وهما جميلا. لأن عودة المؤسسات القديمة وما يتبعها وفق تصور رئيس الدولة وشق واسع من التونسيين سيحول عملية الإنقاذ برمتها إلى مسألة عبثية وسيفرغها من أي مضامين جدية قد تكون قادرة على إنقاذ البلاد من المأزق الذي تردت فيه.
من هنا، فإن العناوين التي أعلنها رئيس الدولة من سيدي بوزيد والتي اختزل بها ملامح خارطة الطريق للمرحلة القادمة ما كان يفترض أن تفاجئ أو تصدم أحدا. وذلك بالنظر إلى حقيقة أن الأوضاع كانت فعلا متردية ومزرية قبل 25 جويلية كما كانت تشكل تهديدا فعليا لاستمرارية الدولة ولقدرتها على الصمود والاستمرار كبيت لكل التونسيين وكعنوان لوطن مستقر ومزدهر نحلم به ونطمح إليه جميعا... كل هذا يجعل التباكي على دستور حوى ما يكفي وزيادة من الألغام والفخاخ الكافية لتكبيل كل الأحزاب ولتعطيل كل المؤسسات وكذلك لتكرس وضع قائم رديء ومتدهور وكان يأخذ البلاد والعباد خطوة خطوة إلى هوّة سحيقة لا خروج منها وستغرقنا في فوضى عارمة وتحول الدولة إلى دولة فاشلة.
لكن ضرورات الإنقاذ الوطني تقتضي بدورها حدا أدنى من التنسيق والتشاور مع وطنيين وسياسيين وشرفاء ومع نخب لها باع في الشأن الوطني... لأن الساحة السياسية والوطنية لا تحوي إلا الفاسدين والخونة (على افتراض أن القضاء هو المرجع والمحدد) ثم أنه لا يمكن تصنيف كل السياسيين والرموز الوطنية في خانة الفساد والخيانة واستبعاد الجميع من تقرير مصير شأن وطني يهم كل التونسيين والتونسيات.
إن كل إصلاح مهما كانت وجاهته ومهما كانت الحاجة إليه لن ينجح إلا إذا تحول إلى شأن وطني جامع وإذا حصل حوله إجماع وطني واضح ليكتسب قوة الدفع اللازمة التي تمكنه من بلوغ مداه وتحقيق كل أهدافه. والحكمة تقتضي توسيع شق الأخيار وتقليص معكسر الأشرار وتحييد شرورهم في انتظار أن يحددهم ويكشفهم القضاء في محاكمات عادلة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك