مع الشروق.. نهاية منظومة... وضرورات الإنقاذ

مع الشروق.. نهاية منظومة... وضرورات الإنقاذ

تاريخ النشر : 08:00 - 2021/02/17

تتواصل فصول المسرحية الهزلية الرديئة والسخيفة التي انفتحت عليها الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد على وقع ما بات يعرف بـ«أزمة التحوير الوزاري الأخير»... فصول هذه المسرحية أثبتت للشعب وللمراقبين أن العبثية بئر بلا قاع وأن القطيعة بين واقع الشعب وشواغله ومشاكله وبين اهتمامات ومعارك وتجاذبات قياداته هي قطيعة تحسب بالسنوات الضوئية... حيث يتلهى ما يعرف الرؤساء الثلاثة بحسابات الجمع والطرح من أجل تحصين الكراسي وتحسين المواقع، في حين يغرق الشعب كل يوم في أوحال مشاكل اقتصادية واجتماعية باتت تهدد بتقويض استقرار البلاد والسلم الاجتماعية...
والمتابع لنوعية الخطاب ولسبل التواصل المعتمدة بين رئيسي الدولة والحكومة وكذلك لحجم العبثية الذي تشي به يدرك جيّدَ الإدراك أننا إزاء سقوط منظومة بأسرها وإزاء نهاية مسار يفترض أن تطوى صفحته نهائيا وأن يتجه الشعب نحو الضغط في اتجاه إيجاد البدائل المناسبة التي تعيد ترتيب الأوراق مجددا وتؤسس لوضع جديد يمكن أن يفضي إلى بعث مؤسسات جديدة وأن يفرز قيادات جديدة تتولى قيادة دفة البلاد نحو إنقاذ فعلي وحقيقي ينتشل البلاد من سقوط مدوّ تكدست نذره وتراكمت مؤشراته...
وبالفعل فإن التشخيص القائل بنهاية منظومة الحكم التي ساست البلاد منذ عشر سنوات وبدخولها في حالة موت سريري، هذا التشخيص بات يصدح به الكثير من السياسيين البارزين على الساحة... كما بات بمثابة القناعة التي تتبناها شرائح كبيرة من الشعب التونسي... ذلك أن النظام السياسي والنظام الانتخابي اللذين كرسهما «أحسن دستور أخرج للناس» قد كشفا عورات هذا الدستور وفشله في إرساء منظومة حكم متجانسة ومتماسكة وتمتلك من الأدوات والوسائل ما يمكنها من إدارة شؤون البلاد والعباد في إطار التوازن وبعيدا عن كل نوازع التسلّط والاستئثار بالسلطة.
ولعل الخطيئة الكبرى التي كرسها هذا الدستور هوسعيه إلى تفريق دم السلطة بين القبائل السياسية وبين رئاسات ثلاث وفقا لنموذج مسقط على ثقافتنا وعلى تقاليدنا. نموذج أمطرت به سحب ما سمي بالربيع العربي والذي أرسي في عراق «بول بريمر» ليتم تعميمه على الدول التي قوّضت أنظمتها وركبت قطار «الانتقال الديمقراطي». ذلك أن هذا النموذج وبعيدا عن منطق النوايا الحسنة والدعوات الصالحات لا يمكن أن يفضي إلا إلى التجاذبات بين الرؤساء الثلاثة وإلى تنازع الصلاحيات والسلطات بين رؤوس السلطة كما يحدث في بلادنا من خلال هذه الصراعات والحروب العبثية والمعلنة بين رموز الرئاسات الثلاثة في إطار سعيهم المحموم والمكشوف لكسب حرب النفوذ والاستئثار بموقع رئيس الدولة وسلطة رئيس الدولة اللذين قوّضهما هذا النظام السياسي الهجين والذي أرساه الدستور الجديد.
فهل يعقل أن نقيّد أنفسنا بحبال جلبناها بأيدنا ونكتفي بالعويل من عدم قدرتنا على السباحة وعلى النجاة من غرق مؤكد ومن هلاك حتمي لأن أيدينا وأرجلنا مقيدة ولا تقدر على الحركة؟
وهل من المنطق أن نتمادى في العويل ونتأخر عن فك الحبال التي تقيدنا والبحث لنا عن أطر دستورية أخرى تمكّن من إعادة ترتيب البيت ومن إرساء نظام حكم يسدّ الثغرات التي ظهرت ويؤسس لنظام بديل يتماشى وتقاليدنا ويفضي إلى إرساء مؤسسات قادرة على التحرك وعلى ممارسة السلطة فعليا ويمكن للشعب مساءلتها ومحاسبتها.
بهذا المعنى يكون البناء مجددا على إنقاض هذه المنظومة التي انهارت وأبانت عن فشلها وعن قصورها... وبهذا المعنى يمكننا التأسيس لنظام جديد يملك عناصر القوة والاقتدار لخوض معركة الإنقاذ قبل فوات الأوان.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك