مع الشروق: البلاد لا تحتاج صواريخ الرئيس... تحتاج مصالحة وإنقاذا !
تاريخ النشر : 07:58 - 2021/01/03
في كل مرة يتدخل رئيس الدولة ويلقي خطابا أو كلمة مرتجلة إلا ويفجّر الكثير من الألغام ويخلّف الكثير من الجدل والأسئلة الحائرة لدى التونسيين...
فمرّة يحدثنا عن متآمرين في الغرف المظلمة. ومرة يحدثنا عن متواطئين من الداخل مع ارهابيين في الخارج يهددون أمن البلاد والعباد. ومرة يحدثنا عن صواريخ جاهزة للإطلاق على منصاتها. ومرة يوجه سهامه صوب حركة النهضة وقيادتها ومرة يوجهها صوب حزب ـ قلب تونس ـ ورئيسه.. ومرة يفتح النار على الفساد والمفسدين.. وفي الفترة الأخيرة غيّر التكتيك ليوجه سهامه صوب ما يسميه «المنظومة القديمة».
«المنظومة القديمة» خصّها في كلمته الأخيرة التي توجه بها للشعب بمناسبة حلول رأس السنة الادارية بالعديد من السهام ليجعل منها شماعة علق عليها فشل منظومة الحكم منذ 2011 وحتى الآن. ليس هذا فقط بل ان رئيس الدولة والذي يفترض أنه رئيس كل التونسيين والوصي على حفظ كرامة كل تونسي وكل تونسية ذهبت به الحماسة وسوء التقدير حد تشبيه من أسماهم ـ المنظومة القديمة ـ بفيروس كورونا.. بل أنهم أشد خطرا وأكثر فتكا من الفيروس اللعين حسب تشخيص رئيس الدولة..
أبعد من هذا التشبيه الذي يفتقر للذوق واللباقة والذي يصور رئيس الدولة وكأنه في مواجهة مفتوحة مع جزء لا يتجزأ من شعبه، ومن الرعية التي يفترض أنه راعيها بمن فيها وعلى اختلاف ألوانهم الحزبية وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والعقائدية... أبعد من كل هذا فإن رئيس الدولة وككل مرة يتحدث فيها عن التآمر والمتآمرين لم يكشف لنا خيوط المؤامرات والدسائس التي تحيكها «المنظومة القديمة» كما لم يكلف نفسه عناء كشف رموز هذه المنظومة وطبيعة دسائسهم ومؤامراتهم وكيف أنهم مازالوا بعد إقصائهم من الحكم منذ 10 سنوات يواصلون التحكم في مقاليد البلاد ويحكمون من وراء الحجب ويعيقون تقدم البلاد منذ عهد الترويكا وحتى عهده السعيد... والحال أن حكّام هذه الحقبة هم الذين يمسكون بمقاليد الأمور بالكامل.. ويعرف القاصي والداني أنهم عمدوا أول ما عمدوا إلى إقصاء وتجميد وتحييد كل الفاعلين في كل المواقع وفي كل مفاصل الدولة ممن كانوا متواجدين ويعملون قبل 2011 بغض النظر ان كانوا فاعلين سياسيين أم مجرد كفاءات وطنية وتكنوقراط.. وهل نسي رئيس الدولة أن أفظع عملية تجريف لكفاءات الادارة التونسية ولكفاءاتها قد جرت تحت أعين الجميع وان هذه العملية تجاوزت الادارة وطالت الدولة والمؤسسات لتتحول إلى «مجازر» حقيقية في حق الكفاءات التونسية التي دفعت 90 ألفا من خيرة أدمغتنا من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين إلى أن يخيروا الهجرة إلى الخارج لتكتمل علمية التجريف والتخريب الممنهج للدولة ولكل عوامل ومقومات النهوض لديها.. فهل أن المنظومة القديمة هي المسؤولة عن هذا الخراب وهي التي تشتت بين الاقصاء والتجميد والتقاعد الاجباري والملاحقات القضائية العبثية التي جعلت البعض منهم يلتحقون بالرفيق الأعلى مثقلين بمئات القضايا الفارغة أم المنظومة الجديدة التي يبدو أن رئيس الدولة بات الناطق الرسمي باسمها... وهي التي تمسك بكامل مقاليد البلاد منذ 2011 ويفترض أنها الأولى بالمساءلة والمحاسبة؟
هذه مفارقة تجعلنا أمام أحد ثلاثة احتمالات:
ـ اما أن رئيس الدولة يبحث عن شماعة يعلق عليها فشل المنظومة الجديدة التي ينتمي إليها.. وهذا خطأ لأن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج الناجع؟
ـ وإما أن الرئيس يقر بعبقرية «المنظومة القديمة» التي تحكم من خارج الحكم وتسيّر البلاد عكس ما تريده المنظومة الجديدة الممسكة بكل دواليب الحكم وهذا اقرار بالفشل والعجز وسعي مكشوف لتعويم السمكة لأن فاتورة الفشل والخراب واضحة والمسؤوليات واضحة.. كما انه اقرار بجدارة مثل هذه المنظومة بتسلم مقاليد الحكم إذا كانت تمتلك هذه القدرات الفائقة.
ـ واما أن يكشف رئيس الدولة كل الأوراق نهائيا ويعرّي المتآمرين والفاسدين و«فيروسات» المنظومة القديمة ويفتح الطريق لمحاسبة قضائية عادلة تضع كل طرف أمام مسؤولياته.
لقد كنا ننتظر من رئيس الدولة أن يلعب دوره كرئيس لكل التونسيين... وأن يعمل على توفير الأرضية الملائمة لتجميع كل العائلات والألوان السياسية. وان يعبئ كل الطاقات حول خطة انقاذ وطني شاملة تفضي إلى انقاذ البلاد والعباد من كارثة تكاد تعصف بالجميع. ولا نزال ننتظر منه أن يكون بناءا وإيجابيا وأن يطوي صفحة التآمر والتناحر والتنافر وأن يفتح صفحة لمعالجة وطنية حقيقية تعبئ كل الطاقات والكفاءات والموارد وراء خطة وطنية للانقاذ.. وهي خطوة تضغط بشدة ويكاد وقت الاقدام عليها ينفد.. وإذا حل الطوفان فإنه لن يفرّق بين متآمرين وفاسدين ومنظومة قديمة ومنظومة جديدة وبين شعب تائه غارق في مشاكله ومآسيه اليومية وسوف يغرق الجميع!
عبد الحميد الرياحي
في كل مرة يتدخل رئيس الدولة ويلقي خطابا أو كلمة مرتجلة إلا ويفجّر الكثير من الألغام ويخلّف الكثير من الجدل والأسئلة الحائرة لدى التونسيين...
فمرّة يحدثنا عن متآمرين في الغرف المظلمة. ومرة يحدثنا عن متواطئين من الداخل مع ارهابيين في الخارج يهددون أمن البلاد والعباد. ومرة يحدثنا عن صواريخ جاهزة للإطلاق على منصاتها. ومرة يوجه سهامه صوب حركة النهضة وقيادتها ومرة يوجهها صوب حزب ـ قلب تونس ـ ورئيسه.. ومرة يفتح النار على الفساد والمفسدين.. وفي الفترة الأخيرة غيّر التكتيك ليوجه سهامه صوب ما يسميه «المنظومة القديمة».
«المنظومة القديمة» خصّها في كلمته الأخيرة التي توجه بها للشعب بمناسبة حلول رأس السنة الادارية بالعديد من السهام ليجعل منها شماعة علق عليها فشل منظومة الحكم منذ 2011 وحتى الآن. ليس هذا فقط بل ان رئيس الدولة والذي يفترض أنه رئيس كل التونسيين والوصي على حفظ كرامة كل تونسي وكل تونسية ذهبت به الحماسة وسوء التقدير حد تشبيه من أسماهم ـ المنظومة القديمة ـ بفيروس كورونا.. بل أنهم أشد خطرا وأكثر فتكا من الفيروس اللعين حسب تشخيص رئيس الدولة..
أبعد من هذا التشبيه الذي يفتقر للذوق واللباقة والذي يصور رئيس الدولة وكأنه في مواجهة مفتوحة مع جزء لا يتجزأ من شعبه، ومن الرعية التي يفترض أنه راعيها بمن فيها وعلى اختلاف ألوانهم الحزبية وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والعقائدية... أبعد من كل هذا فإن رئيس الدولة وككل مرة يتحدث فيها عن التآمر والمتآمرين لم يكشف لنا خيوط المؤامرات والدسائس التي تحيكها «المنظومة القديمة» كما لم يكلف نفسه عناء كشف رموز هذه المنظومة وطبيعة دسائسهم ومؤامراتهم وكيف أنهم مازالوا بعد إقصائهم من الحكم منذ 10 سنوات يواصلون التحكم في مقاليد البلاد ويحكمون من وراء الحجب ويعيقون تقدم البلاد منذ عهد الترويكا وحتى عهده السعيد... والحال أن حكّام هذه الحقبة هم الذين يمسكون بمقاليد الأمور بالكامل.. ويعرف القاصي والداني أنهم عمدوا أول ما عمدوا إلى إقصاء وتجميد وتحييد كل الفاعلين في كل المواقع وفي كل مفاصل الدولة ممن كانوا متواجدين ويعملون قبل 2011 بغض النظر ان كانوا فاعلين سياسيين أم مجرد كفاءات وطنية وتكنوقراط.. وهل نسي رئيس الدولة أن أفظع عملية تجريف لكفاءات الادارة التونسية ولكفاءاتها قد جرت تحت أعين الجميع وان هذه العملية تجاوزت الادارة وطالت الدولة والمؤسسات لتتحول إلى «مجازر» حقيقية في حق الكفاءات التونسية التي دفعت 90 ألفا من خيرة أدمغتنا من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين إلى أن يخيروا الهجرة إلى الخارج لتكتمل علمية التجريف والتخريب الممنهج للدولة ولكل عوامل ومقومات النهوض لديها.. فهل أن المنظومة القديمة هي المسؤولة عن هذا الخراب وهي التي تشتت بين الاقصاء والتجميد والتقاعد الاجباري والملاحقات القضائية العبثية التي جعلت البعض منهم يلتحقون بالرفيق الأعلى مثقلين بمئات القضايا الفارغة أم المنظومة الجديدة التي يبدو أن رئيس الدولة بات الناطق الرسمي باسمها... وهي التي تمسك بكامل مقاليد البلاد منذ 2011 ويفترض أنها الأولى بالمساءلة والمحاسبة؟
هذه مفارقة تجعلنا أمام أحد ثلاثة احتمالات:
ـ اما أن رئيس الدولة يبحث عن شماعة يعلق عليها فشل المنظومة الجديدة التي ينتمي إليها.. وهذا خطأ لأن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج الناجع؟
ـ وإما أن الرئيس يقر بعبقرية «المنظومة القديمة» التي تحكم من خارج الحكم وتسيّر البلاد عكس ما تريده المنظومة الجديدة الممسكة بكل دواليب الحكم وهذا اقرار بالفشل والعجز وسعي مكشوف لتعويم السمكة لأن فاتورة الفشل والخراب واضحة والمسؤوليات واضحة.. كما انه اقرار بجدارة مثل هذه المنظومة بتسلم مقاليد الحكم إذا كانت تمتلك هذه القدرات الفائقة.
ـ واما أن يكشف رئيس الدولة كل الأوراق نهائيا ويعرّي المتآمرين والفاسدين و«فيروسات» المنظومة القديمة ويفتح الطريق لمحاسبة قضائية عادلة تضع كل طرف أمام مسؤولياته.
لقد كنا ننتظر من رئيس الدولة أن يلعب دوره كرئيس لكل التونسيين... وأن يعمل على توفير الأرضية الملائمة لتجميع كل العائلات والألوان السياسية. وان يعبئ كل الطاقات حول خطة انقاذ وطني شاملة تفضي إلى انقاذ البلاد والعباد من كارثة تكاد تعصف بالجميع. ولا نزال ننتظر منه أن يكون بناءا وإيجابيا وأن يطوي صفحة التآمر والتناحر والتنافر وأن يفتح صفحة لمعالجة وطنية حقيقية تعبئ كل الطاقات والكفاءات والموارد وراء خطة وطنية للانقاذ.. وهي خطوة تضغط بشدة ويكاد وقت الاقدام عليها ينفد.. وإذا حل الطوفان فإنه لن يفرّق بين متآمرين وفاسدين ومنظومة قديمة ومنظومة جديدة وبين شعب تائه غارق في مشاكله ومآسيه اليومية وسوف يغرق الجميع!
عبد الحميد الرياحي
