مع الشروق..خيارات صعبة !

مع الشروق..خيارات صعبة !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/09/22

بين اقتصاد ينزف (نسبة نموّ إلاّ 21,6 % خلال الثلاثي الثاني من هذا العام)، وجائحة تجتاح البلاد وتنتشر انتشار النار في الهشيم، تغيب الرؤية والاستراتيجية عن المسؤولين ويفتقد الوعي والانضباط لدى المواطنين.
"عندما لا يكون لديك اقتصاد قوي للإقلاع نحو صفوة الدول فيجب أن يكون لديك اقتصاد يجنبّك الاندثار والسقوط في الهاوية على الأقل"...للأسف في الوضع الذي تعيشه تونس الآن لا هذا ولا ذاك متوفّر.
ففي اقتصاد تتقاذفه الأهواء السياسية وتفتك به مصالح اللوبيات منذ 2011  ودخل لاحقا في مرحلة "غيبوبة"، يكون من العسير مواجهة أزمات حادة وغير مسبوقة كأزمة الكوفيد 19 التي نعيشها الآن.
وعندما لا يكون لديك استقرار سياسي وأمني واجتماعي لا يمكن أن يكون  لديك استقرار اقتصادي وعندما لا يكون لديك قادة مسؤولون ورجال دولة نافذو البصيرة وليس رجال أحزاب وكراس ومصالح، فأنت في مأزق حقيقي أيها الوطن العزيز.
يطول شرح وتفسير وتحميل المسؤولية للأطراف التي تسبّبت وتتسبّب في "نكبة" الاقتصاد لذلك ينصبّ المجهود الآن نحو محاربة عدوّ يتسلّل ويستفحل بسرعة قياسية في أجساد التونسيين الآبهين وغير الآبهين بخطورته على حد السواء.
يبدو الآن من تصريح رئيس الحكومة هشام المشيشي أنه لا خيار بيد الحكومة سوى الخيار الأمني (طلب من مصالح وزارة الداخلية التكثيف من حملات المراقبة لفرض استعمال الكمامات في وسائل النقل والمقاهي والفضاءات).
وبغض النّظر عن كون هذه البلاد لا تملك سوى الخيار الأمني دائما لكل مشاكلها، فإنه في هذه الحالة غير كاف بوجود نسبة وعي و انضباط شبه معدومة لدى شريحة هامة من الأفراد.
ووسط هذا كلّه تغيب الرؤية عن المسؤولين الذين يتخبّطون في تصريحات متناقضة ( عوض الخطاب الموحّد)  حول حقيقة الوضع بين من يرى وجوب فرض الحجر الصحي الشامل وبين من يستبعده و يطلب التعايش مع هذا الوباء.
هذه الضبابية تزيد الطين بلّة  وتنشر التراخي بين طيف هام يعيش بمقولة مهترئة "الي كاتبو ربي يصير" عوض اتباع اجراءات صحية تقيه وتقي البلاد شرّ البلية التي سيكون الصراع معها هذه المرة صراع موت أو حياة.
يجمع جل الخبراء والمحللون على أن فرض الحجر الصحي الشامل في هذا الوضع الاقتصادي السريري، هو حكم بالموت لذلك لا يمكن ان يكون أبدا هو الخيار الصحيح، لكن الخوف الآن هو أن يفرض علينا هذا الخيار اذا ما تواصل هذا التراخي والتسيّب.
والتحّدي الكبير بالنسبة للحكومة في هذه المرحلة هو كيفية التوفيق بين تواصل دوران  عجلة الاقتصاد المترنحة بطبعها، والتصدي لجائحة الكورونا المستفحلة بأقل تكلفة بشرية ومادية.
إن الوضع الحرج الآن يتطلب في مرحلة أولى الوضوح التّام من كبار مسؤولي الدولة في خطابات واضحة تتماشى مع خطورة هذا الوضع وليس تصريحات عابرة، ثم الصرامة الكاملة عبر اجراءات رادعة في مرحلة ثانية.
ولعلّ أبرز هذه الاجراءات، بالإضافة الى الزامية ارتداء الكمامات واستعمال الجال المطهر والتباعد الجسدي، هو القضاء على ظاهرة التجمّعات خاصة في المناسبات التي كانت السبب الرئيسي في عودة استفحال هذه الجائحة.
بدرالدّين السّيّاري

تعليقات الفيسبوك