مع الشروق: خطوة حفتر...قفزة في المجهول؟

مع الشروق: خطوة حفتر...قفزة في المجهول؟

تاريخ النشر : 08:13 - 2020/04/30

الخطوة الاخيرة التي أعلن عنها المشير خليفة حفتر والتي أعلن فيها إسقاط اتفاق "الصخيرات" وتنصيب نفسه حاكما على ليبيا هي خطوة تعيد خلط الأوراق مجددا وتفتح الطريق لتطورات وتحولات دراماتيكية في المشهد الليبي المعقّد بطبعه.
ولنقل منذ البداية ان  قرارات المشير حفتر  قد ولدت ميتة، ولا تملك حظوظا جدية لتاخذ طريقها الى ارض الواقع وليكون لها صدى على الميدان. فالخطوة خطوة احادية وتعد انقلابا على اتفاق ابرم برعاية دولية...كما انها جاءت في ظل مواجهات عسكرية ضارية، فشل الجنرال في حسمها عسكريا رغم مرور شهور طويلة على اطلاقها لـ"تحرير طرابلس"، وهي عمليات حققت بعض النتائج قبل ان تتحول في الفترة الاخيرة الى كابوس حقيقي لقواته التي خسرت الكثير من المناطق التي استعادتها من المليشيات. وهو ما  يضفي الكثير من الغرابة والغموض عن التوقيت الذي اختاره المشير لإعلان خطوة في هذا الحجم وفِي هذه الخطورة...وكذلك عن الأهداف الحقيقية والغايات الخفية من اطلاقها دون مقدمات لها ودون تهيئة حظوظ دنيا لنجاحها.


لقد كان واضحا ان حملة الجنرال حفتر التي حققت بعض الاختراقات والنجاحات في الأشهر الاولى عجزت عن حسم المعركة  او على الأقل فرض امر واقع يمهد  لبلورة وفرض حل يحقق الأهداف السياسية للحملة ممثلة، كما أعلن، في تحرير العاصمة طرابلس من قبضة المليشيات وبسط سلطة الدولة تمهيدا لانتخابات رئاسية وتشريعية ذات مصداقية وتفضي الى إنهاء حالة الفوضى والفراغ والتجاذب. وهذا العجز وهذا التأخر في الحسم كانت له فاتورته. اذ سمح لحكومة السراج وحلفائها بالتقاط انفاسها والارتماء في احضان الحليف التركي. هذا الحليف الذي كان تدخله حاسما في قلب موازين القوى على الميدان. حيث تمكنت القوات التابعة لحكومة السراج من استرداد الكثير من المدن والمواقع  ومن استعادة زمام المبادرة .وهو واقع بات يضع العملية العسكرية  للجنرال على المحك ويهدد باجهاضها في ظل الانخراط التركي الكامل والشامل وفِي ضوء "تردد وتقاعس" حلفاء الجنرال او عجزهم عن ردع التدخل التركي.


هذه المعطيات والمستجدات كانت تشي بضرورة العودة الى طاولة المفاوضات والبحث عن حل توافقي وعن مخرج سياسي للازمة في ظل عجز الطرفين عن تحقيق اكتساح عسكري يمهد لفرض حل سياسي. لكن الجنرال فاجأ الجميع باختياره الهروب الى الامام وإعلان قراره باسقاط اتفاق الصخيرات وإعلان نفسه حاكما على ليبيا. هكذا في تجاهل تام للمعطيات الجديدة التي فرضها التدخل التركي السافر في الشأن الليبي. وكذلك في ازدراء كامل بمواقف ومصالح القوى العظمى الموجودة على الميدان والتي تتمسك بنصيبها من كعكة النفط الليبي. وما مسارعة كل هذه القوى ،حتى المحسوبة منها على الجنرال والداعمة له بإعلان رفضها لهذه الخطوة والحلول الاحادية الا ضربة دبلوماسية لا يقل أذاها عن اذى التدخل العسكري التركي. اكثر من هذا فان هذه الخطوة الاحادية للجنرال جاءت بمثابة قفزة في المجهول، حيث افضت الى شق الجبهة السياسية الداعمة له داخليا.وباتت تهدد بانفراط عقد الجبهة الداخلية التي كان يستند اليها المشير والممثلة خصوصا في حكومة وبرلمان بنغازي. وقد بدأت الأصوات الرافضة لهذه الخطوة الاحادية تعبر عن نفسها بما يشير الىتطورات مقبلة في غير صالح الجنرال بما قد يهدد بتهميش دوره وإخراجه نهائيا من معادلات الحل في ليبيا.


لكل هذا الخطوة التي أعلن عنها الجنرال  والتي تعكس ضيقا وتبرما من تطورات الأحداث على الميدان بفعل التدخل العسكري التركي تميل لكونها قفزة في المجهول وخطوة غير محسوبة العواقب. كما انها جاءت في التوقيت الخطأ  
لتكون بمثابة خلط جديد لاوراق اللعبة وإعادة توزيع لها ولتفضي الى مخاض سياسي جديد قد يمهد لحل قادم وقد يفضي الى اخراج المشير من المعادلة. هل يملك المشير الأوراق اللازمة وخاصة القوة العسكرية والتحالفات الساندة  للذهاب بخطوته الاخيرة الى ابعد مدى وتحويلها الى ارضية لرسم ملامح حل تاخر اكثر من اللازم؟ الأيام القادمة وما ستحمله من تطورات كفيلة بالاجابة  وبتحديد مصير خطوة المشير حفتر.


عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك