مع الشروق : مهرجانات بلا سياقات

مع الشروق : مهرجانات بلا سياقات

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/14

مع حلول الصيف، تتزين تونس بألوان المهرجانات الموسمية، التي لطالما كانت نافذتنا على العالم الخارجي ومرآة لروحنا الثقافية والترفيهية. من صفاقس إلى الحمامات، ومن سوسة إلى قرطاج، تستقبل البلاد مئات آلاف الزوار الباحثين عن لحظات فرح واحتفال، أو عن دفء الفنون التي تحمل عبق التاريخ وأحلام الحاضر.
لكن، وعلى الرغم من كثرة هذه الفعاليات، يبدو أن المهرجانات تفتقر إلى السياقات الحقيقية التي تجعلها جزءًا فاعلًا من النسيج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد. فهي تُقام بمعزل عن التحولات التي يعيشها المجتمع، ولا تأخذ في الاعتبار احتياجات الجمهور المتغيرة، ولا تلعب دورًا محفزًا للتغيير والابتكار.
لا يخفى على أحد أن الصورة النمطية عن مهرجاناتنا الصيفية ما زالت قائمة: برمجة فنية تقلّد بلا ابتكار، ندوات وأمسيات ثقافية تعاني من الركود، وتنظيم يستيقظ فقط مع اقتراب موعد الافتتاح.
في زمن يتسارع فيه العالم نحو التجديد والابتكار، ونشهد ثورات فنية وثقافية في كل بقاع الأرض، تظل مهرجاناتنا بعيدًا عن السياقات الحديثة التي تسمح لها بالتفاعل مع الشباب والمواهب، أو لتصبح منصات حقيقية للابتكار والتعبير. فالنتيجة هي تكرار نفس الأسماء، ونفس الطقوس، ونفس المشاهد التي لم تعد تثير حماسة الجمهور، خصوصًا مع تنوع الخيارات الرقمية والثقافية التي أصبحت في متناول اليد.
أغلب المهرجانات تعاني من نقص التمويل، وضعف الاحترافية في الإدارة والتنظيم، مما ينعكس على جودة العروض وتنوع البرامج. وفي ظل هذه الظروف، تتحول المهرجانات أحيانًا إلى مناسبات شكلية لا تعكس عمق الفن وثقافة البلاد، بل تكرار لنمط ممل لا يرقى لتطلعات الجمهور.
لكن الأمل ما زال قائمًا. ففي أكثر من مكان، نشاهد علامات على ميلاد جيل جديد من المنظمين والمبدعين، يحاولون كسر قوالب الجمود، وجلب صوت جديد إلى المهرجانات. هي دعوة للتفكير الجماعي، لأن المستقبل يحتاج إلى إرادة حقيقية للتغيير، واستثمار في الشباب والابداع.
لن يكتمل مشهد الصيف التونسي إلا إذا تحوّلت مهرجاناتنا إلى منصات حقيقية للتلاقي والابتكار، متناغمة مع السياقات الاجتماعية والثقافية، لا محطات رتيبة في تقويم زمني.
فهل نملك الشجاعة لنكتب فصلاً جديدًا في تاريخ مهرجاناتنا؟
أم سنظل أسرى الماضي الجميل، ننتظر عودة زمن لن يشرق؟
راشد شعور
 

تعليقات الفيسبوك