مع الشروق.. ... لهيب الأسعار وثقافة المقاطعة !

مع الشروق.. ... لهيب الأسعار وثقافة المقاطعة !

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/09/25

سياسة "زيد الماء زيد الدقيق" التي تنتهجها الدولة من خلال الترفيع في أسعار المحروقات كل حين وحين لن تفضي في النهاية إلا لمزيد تعميق أزمة ارتفاع الأسعار وبشكل جنوني وتحت شعار أيضا "زيد الماء زيد الدقيق" !
وهو ما حدث فعلا وبسرعة قياسية بمجرد أن تم الترفيع في أسعار المحروقات حيث سارع التجار والمحتكرون والمضاربون في الترفيع في كل شيء وخاصة في المواد الإستهلاكية فتفاقمت الأزمة وتتالت صرخات المواطنين وظهر الحزن الدفين  على ملامح الفقراء والمساكين !
وقبل أن ندخل في  سرد الظلال والتفاصيل فلقد كان على الدولة أن ترشّد نفقات مسؤوليها وتحدد مجالات استعمال السيارات الإدارية وتقلل من منح وصولات البنزين المجانية  بعنوان امتيازات رجال الدولة...وستهدأ الأسعار بصفة آلية ! 
لكن بصراحة فإن مشاكل التونسي صارت عديدة ومدمرة للكيان وللمقدرة الشرائية بفعل هذه الزيادات المتكررة والمتلاحقة للأسعار ولقد يصرخ التونسي من فرط الحزن والأنين: "وين ماشين" ؟!
طبعا هو يتساءل - ومن حقه ذلك-  إلى أين نحن سائرون  بالفعل بهذا الإرتفاع  المشط في الأسعار ؟ومتى يتوقف نزيف المصاريف المرتفعة ؟ ومتى تهدأ الأسعار وهل من حل للجمها حين عجزت الحكومة عن حلها وعن لجمها وعن وضع حد للهيبها المرتفع منذ سنوات ولا جديد تحت شمس الأسعار الحارقة؟
مع كل ترفيع لأسعار المحروقات - الحكومة تسميه تعديلا شأنها شأن كل الحكومات المتعاقبة قبل وبعد ما يسمى بالثورة - يرتفع لهيب أسعار المواد الغذائية...ولقد انعكس  ذلك سلبا على جيب المواطن المنهك بطبعه  !
لقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية ووصل جنون الأسعار إلى حليب الأطفال وأدوية المرضى ، أما أسعار المساكن التي يأوي إليها الناس فقد وصلت إلى أرقام فلكية يصعب تصديقها ، ويعجز القادر عن مجاراتها ...ولقد أصبح شعار المرحلة - وكما نقول عندنا بالتونسي - هو "باع باع" وبعضهم يرد عليه بـ"باح باح"...أي "بح بح"...ومعناها "مشمشتنا الظروف  الصعبة" !
وبالفعل فالتونسي لا يرتاح جيبه طوال العام فهو الوحيد في العالم الذي أعياده ومناسباته "قد شعر الراس"...وهو الوحيد الذي "يدوخ السبع دوخات" حتى يوفر مصاريف ما أنزل الله بها من سلطان .
وهو الوحيد  الذي ترى قلوب أعضاء الحكومة عليه  من أعلى هرم في السلطة إلى أدناه...بالكلام ...أما الفعل  فهو ضرب من الأحلام ...والدليل كل هذا الترفيع في الأسعار...والوزراء نيام !
ولقد تتالت الصرخات من كل حدب وصوب تناشد أهل القرار في البلاد أن يجدوا حلاّ لهذا اللهيب المستعر وأن يطفئوا جحيم الأسعار ويغلقوا جيوب الإحتكار والمضاربة... ولكن الحكومة عاجزة عن فعل أي شيء سوى التبرير  بالكلام المثير !
وإذا كانت الدولة تحترم نفسها ولا تستطيع الوقوف إلى جانب مواطنيها بتطبيق القانون وإطفاء لهيب الأسعار بمراقبة جشع التجار...فيجب عليها أن تعمق في الناس ثقافة المقاطعة للمواد والبضائع وتدعوهم عبر محطاتها التلفزية إلى ترشيد رغباتهم الإستهلاكية !
هذه المقاطعة حدثت وتحدث في كثير من الدّول وقد أعطت ثمارها ، بل زادت أنّ المنتجين والتجّار قاموا بالإعتذار للمستهلكين وأنزلوا الأسعار إلى أقلّ مما كانت عليه قبل الزيادة وعلى المواطن أيضا أن يكون سيّد قراره ويحمي نفسه من جشع التجّار ولهيب الأسعار بعدم شرائه ما لا يلزم وما لا يطيق دفع ثمنه!
وفي بلادنا ما أحوجنا إلى ثقافة المقاطعة ، ما أحوجنا إلى تجسيدها أمام هذا الكمّ الهائل والمتعاظم من الغلاء في حاجيات "قفة " عيش المواطن التونسي !
أما الغريب في الحكاية فإن الأسعار في بلادنا  تشتعل مع كل ارتفاع لسعر الدولار، إلا انها لا تنخفض بانخفاضه، وفرق السعر يتحمله المواطن البسيط المغلوب على أمره، حيث يطحنه الغلاء في قرارات حكومية متخبطة لا تستطيع كبح جماح الأسعار أو توقف جشع المصنعين والموزعين والموردين والمحتكرين والتجار.
في بعض الدول يصل الناس إلى صيغة مثلى في محاربة الأسعار وذلك بعدم شراء بعض السلع فيقود ذلك إلى التخفيض في الأسعار.
أما عندنا ...فاللهفة أيضا هي التي قضت على القفة !... وتلك حكاية أخرى تحتاج إلى شرح طويل ووصفة ...!
محمد الماطري صميدة 
 

تعليقات الفيسبوك