مع الشروق ..لماذا تعترض واشنطن على التقارب السوري ـ التركي؟ !

مع الشروق ..لماذا تعترض واشنطن على التقارب السوري ـ التركي؟ !

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/01/11

التقارب السوري ـ التركي والذي يؤشر إلى نهاية خلاف مستحكم دفعت خلاله المنطقة طيلة أزيد من عشرية فاتورة باهظة من أمنها واستقرارها ومن مقدرات شعوبها.. هذا التقارب لا يمكن إلا أن تصفق له الشعوب العربية والاسلامية لجهة كونه قد يفضي إلى نهاية خلاف كان بمثابة الجرح النازف الذي دفعت فيه سوريا من أرواح شعبها ومن بنيتها التحتية ومن استقرارها علاوة على ما يلحق تركيا من تهديدات لوحدتها الترابية ولاستقرار شعبها نتيجة تنامي النزعات الانفصالية لدى المكون الكردي سواء داخل سوريا أو داخل الأراضي التركية.
لكن هذا التقارب لم يخلّف إلا المرحّبين والمبتهلين بأن يبلغ منتهاه ويكلّل بمصالحة حقيقية وشاملة بين قيادتي البلدين وبين الشعبين لما فيه خيرهما وخير المنطقة برمتها.. فما إن بدأت مؤشرات التقارب تظهر جلية وتكلّل بلقاءات ثنائية وثلاثية برعاية روسية.. كما بدأت تظهر جلية في مواقف البلدين وتبرز كعنوان لتوجه استراتيجي نحو تجاوز خلافات وصراعات الماضي وطي صفحات الحريق الكبير ومن ثم اعادة بناء العلاقات الثنائية على قاعدة الوضوح وتحمل المسؤولية إزاء ما حدث وإزاء التهديدات الحقيقية التي ما تزال ماثلة أمام البلدين والتي تشكل الجغرافيا السورية ساحة لها لتعبّر عن نفسها وتهدّد سيادة سوريا وسيادة تركيا في نفس الوقت.. ما إن بدأت هذه المؤشرات  تظهر وتتوضح وتعلن عن نفسها عنوانا لمرحلة جديدة في علاقات البلدين حتى فقدت الإدارة الأمريكية صوابها وخرجت عن تحفظها واستهترت بأبسط قواعد القانون الدولي المتمثلة في الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبأبسط أسس دعم الأمن والسلم الدوليين متمثلة في العمل على حل النزاعات بالطرق السلمية.. فقد عبّرت إدارة بايدن ـ جهارا نهارا ـ عن اعتراضها الشديد على أي تقارب بين سوريا وتركيا كما لو أن الدولة السورية والدولة التركية مقاطعتان خاضعتان للإرادة الأمريكية وللمصالح الأمريكية وانهما لا تتحركان إلا وفقا لـ«التعليمات الأمريكية».
نعم الإدارة الأمريكية التي تريد فرض نفسها «شرطيا للعالم» ولا تخفي جنوحها الدائم للتدخل في شؤون الدول تعترض على طي صفحة خلاف يهدّد حاضر ومستقبل دولتين مستقلتين تكابدان من أجل تأمين وتحصين سيادتهما.. ذلك أن سوريا ما تزال تعاني سرطان الارهاب الذي يتغلغل في بعض المناطق السورية وفي محافظة ادلب بالخصوص في حين أن تركيا تكابد لكبح الجموح الكردي نحو إقامة كيان مستقل في سوريا سوف يرتد بالتأكيد على النسيج المجتمعي التركي الذي يشكل الأكراد الأتراك أحد مكوناته.. وهو ما يجعل البلدين معنيان بإقامة سلام عادل ودائم بينهما يفضي إلى تحصين جبهتيهما الداخلية.
لكن الادارة الأمريكية التي يعد حضورها داخل الأراضي السورية «احتلالا مريحا» لجهة أنه يمكنها من وضع يدها على النفط السوري وسرقته لحسابها علاوة على ما يمثله هذا الحضور العسكري من تهديد لأمن واستقرار سوريا.. والادارة الأمريكية التي تسعى من خلال هذا الحضور ومن خلال انخراطها القسري في النزاع خدمة لمصالح الكيان الصهيوني تريد تأبيد الخلاف التركي ـ السوري لمواصلة الضغط والتأثير على الطرفين وابتزازهما تمهيدا لتحولات قادمة قد تشكل تهديدا لسيادة سوريا وتركيا في نفس الوقت في ظل وجود  سيف «التقسيم وإعادة التشكيل» الذي ما تزال ترفعه الادارة الأمريكية وما يزال يشكل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار سوريا وتركيا في نفس الوقت.
والأكيد أن الأهداف الأمريكية من وراء هذا الاعتراض الصريح على تقارب يفترض أن يدعمه كل حريص على السلم والأمن الدوليين لا تخفى على القيادتين السورية والتركية اللتين ستعرفان سبل الردّ عليها واجهاضها لتبقى مجرّد صرخات في واد تبقى أعجز من أن توقف عجلة التاريخ وان تعيق تقارب بلدين جارين يجمع بينهما التاريخ المشترك والانتماء إلى عالم اسلامي يريد أن يرى هذا الجرح النازف يتعافى دون إبطاء.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك