مع الشروق .. لإنجاح الحرب على الفساد: المُحاسبة أولا .. ثم الإصلاح والإنقاذ
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/11/12
مبدئيا، تلوح نتائج الحرب التي تشنها الدولة منذ مدة على الفساد إيجابية باعتبار أنها ستساهم في "تطهير" البلاد وأجهزة الدولة من التجاوزات التي طالما ألحقت الضرر بالمال العام وبالمصالح الوطنية الحيوية. لكن في المقابل، تسود المخاوف دائما من امكانية نجاح من ستطالهم التحقيقات والأبحاث في الافلات من العقاب أو في عدم نيل العقاب الرادع واللازم ليكونوا عبرة لغيرهم. كما تسود ايضا المخاوف من أن لا تكون هذه "الحرب" متبوعة بإصلاح جذري وحقيقي داخل المؤسسات والهياكل المستهدفة، يقطع بشكل نهائي مع الفساد الذي تجذر فيها على امتداد سنوات..
وبقدر أبداه رئيس الجمهورية في السنوات الاخيرة من إرادة كبرى وحرص على أن تشمل الحرب على الفساد كل المجالات وأن تكون "بلا هوادة" و"دون تسامح مع أي كان وفي أي مكان "، يخشى التونسيون في المقابل أن لا يقع التفاعل مع هذه الإرادة بالشكل المطلوب. فقد سبق لبعض الحكومات المتعاقبة في السنوات الاخيرة ان حاولت محاربة الفساد لكن في كل مرة تكون النتائج دون الانتظارات. حيث تنجح عادة أغلب "الحيتان الكبرى" المتورطة في ارتكاب تجاوزات وفساد في الإفلات من العقاب من خلال ما يتوفر لها من غطاء سياسي عن طريق الاحزاب الحاكمة أو عن طريق كبار المسؤولين المتواطئين.
اليوم، لا خيار أمام الدولة غير إنجاح محاربة الفساد على مختلف المستويات: ويتمثل المستوى الأول في أهمية التفطن للفساد ولمرتكبيه بمختلف الطرق الممكنة، منها تشديد الرقابة الإدارية والمالية عن طريق الهياكل المعنية وكذلك تكثيف عمليات التدقيق المالي والإداري. أما المستوى الثاني فهو مرحلة التحقيق والبحث التي يجب ان تكون متشددة ودقيقة حتى يقع الكشف عن كل جوانب الفساد المرتكب أو أنشطة الفساد الاخرى ذات العلاقة وللكشف أيضا عن المتواطئين. ويتمثل المستوى الثالث في مرحلة المحاكمة التي يجب أن تكون بدورها صارمة ومتشددة ( مع امكانية ان يرافق هذه المرحلة تنقيح للنصوص القانونية لمزيد تشديد العقاب). ويكون المستوى الأخير هو تنفيذ العقاب وعدم فسح المجال لمحاولات الإفلات منه او توفير "غطاء" لإنقاذ مرتكب الفساد.
ومن الضروري أن يكون كل ذلك متبوعا بعملية اصلاح جذري وحقيقي داخل المؤسسات والهياكل التي تضررت من الفساد واستهدفتها الحرب. فشغور المناصب بعد الإعفاءات أو بعد إحالة أصحابها على العدالة يجب ان يكون متبوعا بتعيينات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار القدرة على الإصلاح والانقاذ وفق برامج واستراتيجيات دقيقة وواضحة، ووفق الكفاءة والدراية بالتسيير العمومي ونظافة اليد. فقد أثبتت التجربة خلال بعض محاولات محاربة الفساد التي اقدمت عليها حكومات ما بعد 2011 أنتجت العكس، حيث استشرى الفساد أكثر واستهدف كل المجالات تقريبا وتضاعف عدد الفاسدين وتضاعف حجم الأضرار التي لحقت المال العام ومصالح البلاد والعباد.
اليوم وبعد أن توفرت الإرادة السياسية بقوة من أعلى هرم السلطة لإنجاح الحرب على الفساد، لم يعد هناك أي مجال للإخلال بأي شرط من الشروط سابقة الذكر. فعدم توفر شرط واحد يعني عدم حصول أية فائدة من هذه الحرب، وقد يتواصل الحال على ما هو عليه داخل المؤسسة او الهيكل العمومي المعني بل وقد يتكرر ارتكاب الفساد بالطرق والوسائل نفسها. وهي المسؤولين الملقاة اليوم على عاتق كل الأطراف والأجهزة المعنية بالتصدي للفساد، بدء بالتفطن إلى التجاوزات مرورا بالمحاسبة والعقاب المتشدد وغلق ابواب الافلات من العقاب، وصولا الى التعيينات الجديدة المؤدية الى الانقاذ والاصلاح..
فاضل الطياشي
مبدئيا، تلوح نتائج الحرب التي تشنها الدولة منذ مدة على الفساد إيجابية باعتبار أنها ستساهم في "تطهير" البلاد وأجهزة الدولة من التجاوزات التي طالما ألحقت الضرر بالمال العام وبالمصالح الوطنية الحيوية. لكن في المقابل، تسود المخاوف دائما من امكانية نجاح من ستطالهم التحقيقات والأبحاث في الافلات من العقاب أو في عدم نيل العقاب الرادع واللازم ليكونوا عبرة لغيرهم. كما تسود ايضا المخاوف من أن لا تكون هذه "الحرب" متبوعة بإصلاح جذري وحقيقي داخل المؤسسات والهياكل المستهدفة، يقطع بشكل نهائي مع الفساد الذي تجذر فيها على امتداد سنوات..
وبقدر أبداه رئيس الجمهورية في السنوات الاخيرة من إرادة كبرى وحرص على أن تشمل الحرب على الفساد كل المجالات وأن تكون "بلا هوادة" و"دون تسامح مع أي كان وفي أي مكان "، يخشى التونسيون في المقابل أن لا يقع التفاعل مع هذه الإرادة بالشكل المطلوب. فقد سبق لبعض الحكومات المتعاقبة في السنوات الاخيرة ان حاولت محاربة الفساد لكن في كل مرة تكون النتائج دون الانتظارات. حيث تنجح عادة أغلب "الحيتان الكبرى" المتورطة في ارتكاب تجاوزات وفساد في الإفلات من العقاب من خلال ما يتوفر لها من غطاء سياسي عن طريق الاحزاب الحاكمة أو عن طريق كبار المسؤولين المتواطئين.
اليوم، لا خيار أمام الدولة غير إنجاح محاربة الفساد على مختلف المستويات: ويتمثل المستوى الأول في أهمية التفطن للفساد ولمرتكبيه بمختلف الطرق الممكنة، منها تشديد الرقابة الإدارية والمالية عن طريق الهياكل المعنية وكذلك تكثيف عمليات التدقيق المالي والإداري. أما المستوى الثاني فهو مرحلة التحقيق والبحث التي يجب ان تكون متشددة ودقيقة حتى يقع الكشف عن كل جوانب الفساد المرتكب أو أنشطة الفساد الاخرى ذات العلاقة وللكشف أيضا عن المتواطئين. ويتمثل المستوى الثالث في مرحلة المحاكمة التي يجب أن تكون بدورها صارمة ومتشددة ( مع امكانية ان يرافق هذه المرحلة تنقيح للنصوص القانونية لمزيد تشديد العقاب). ويكون المستوى الأخير هو تنفيذ العقاب وعدم فسح المجال لمحاولات الإفلات منه او توفير "غطاء" لإنقاذ مرتكب الفساد.
ومن الضروري أن يكون كل ذلك متبوعا بعملية اصلاح جذري وحقيقي داخل المؤسسات والهياكل التي تضررت من الفساد واستهدفتها الحرب. فشغور المناصب بعد الإعفاءات أو بعد إحالة أصحابها على العدالة يجب ان يكون متبوعا بتعيينات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار القدرة على الإصلاح والانقاذ وفق برامج واستراتيجيات دقيقة وواضحة، ووفق الكفاءة والدراية بالتسيير العمومي ونظافة اليد. فقد أثبتت التجربة خلال بعض محاولات محاربة الفساد التي اقدمت عليها حكومات ما بعد 2011 أنتجت العكس، حيث استشرى الفساد أكثر واستهدف كل المجالات تقريبا وتضاعف عدد الفاسدين وتضاعف حجم الأضرار التي لحقت المال العام ومصالح البلاد والعباد.
اليوم وبعد أن توفرت الإرادة السياسية بقوة من أعلى هرم السلطة لإنجاح الحرب على الفساد، لم يعد هناك أي مجال للإخلال بأي شرط من الشروط سابقة الذكر. فعدم توفر شرط واحد يعني عدم حصول أية فائدة من هذه الحرب، وقد يتواصل الحال على ما هو عليه داخل المؤسسة او الهيكل العمومي المعني بل وقد يتكرر ارتكاب الفساد بالطرق والوسائل نفسها. وهي المسؤولين الملقاة اليوم على عاتق كل الأطراف والأجهزة المعنية بالتصدي للفساد، بدء بالتفطن إلى التجاوزات مرورا بالمحاسبة والعقاب المتشدد وغلق ابواب الافلات من العقاب، وصولا الى التعيينات الجديدة المؤدية الى الانقاذ والاصلاح..
فاضل الطياشي