مع الشروق.. قانون المالية 2023... «كابوس» مخيف للتونسيين
تاريخ النشر : 07:00 - 2022/11/18
أثارت التسريبات الأخيرة المتعلقة بقانون المالية 2023 جملة من المخاوف والهواجس لدى التونسيين بالنظر إلى ما يمكنه ان تتضمنه الميزانية الجديدة من إجراءات صعبة و»موجعة» للكثيرين. فإعداد هذه الميزانية يتزامن مع سعي تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في ديسمبر المقبل ومع صعوبات وتقلبات بالجملة تواجهها الدولة في مختلف المجالات، ومن الطبيعي ان تكون بعض الإجراءات المتخذة فيه استجابة لإملاءات وشروط الصندوق وفي حدود ما تسمح به قدرات الدولة..
والثابت انه لا توجد خيارات كثيرة امام الدولة التونسية للاستجابة لهذه الاملاءات والشروط وللمحافظة على توازنات المالية العمومية غير اتخاذ إجراءات تستهدف بالأساس معيشة المواطن. وللأسف، لا خيار امام الدولة اليوم غير الزيادة في الضرائب والمعاليم الجبائية على الافراد والمؤسسات ورفع الدعم والترفيع في أسعار المحروقات فضلا عن التقليص من تدخلاتها في المجال الاجتماعي والتنموي، ومواصلة العمل باجراء إيقاف الإنتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام والتقليص من ميزانية التنمية والإستثمار ..
وتجد الدولة نفسها اليوم مضطرة لهذه الخيارات بعد أن فشلت طيلة الأعوام الماضية وإلى حدّ الآن في التوجه نحو خيارات أخرى كان بالإمكان ان تساعدها « وقت الشدّة».. فحُكام المرحلة المنقضية أهملوا على مدى اكثر من 10 سنوات – وإلى حدّ الآن- الاهتمام بالشان التنموي والاقتصادي مقابل الانشغال بالصراعات السياسية والإيديولوجية وبالمصالح الضيقة، ولم يعملوا مثلا على وضع استراتيجية اقتصادية قوية وعلى تنفيذ إصلاحات جريئة وشجاعة وتعاملوا بأياد مرتعشة مع متطلبات المرحلة، عكس دول أخرى عربية وافريقية شبيهة تمكنت في السنوات الأخيرة من القفز عاليا في مختلف المجالات..
ولن تمر الإجراءات الموجعة التي تعتزم الدولة اتخاذها في قانون المالية القادم دون ان تثير التململ والاحتقان لدى شق واسع من التونسيين بما في ذلك الطبقة الوسطى التي كانت إلى حدود السنوات الأخيرة بمثابة المحرك الأساسي للدورة الاقتصادية في البلاد لكنها ستجد نفسها اليوم مضطرة لتحمل أعباء قد تؤثر على مردودها وأدائها على مستوى المردودية في العمل والإنتاجية وخاصة على مستوى الدورة الاستهلاكية، وهو ما ستكون له انعكاسات على الدورة الاقتصادية بشكل عام .
وأكثر من ذلك، ستكون للإجراءات المتخذة تأثيرات خطيرة على الفئات الهشة والضعيفة التي لن تقدر على تحمل تبعات رفع الدعم رغم ما يتردد عن التمشي نحو توجيه الدعم إلى مستحقيه.. حيث تخشى هذه الطبقات وأيضا الطبقة المتوسطة من عدم التزام الدولة بهذا التمشي وخاصة من عدم قدرتها على تنفيذه بشكل ناجع وجدي، وهو ما قد يفاقم المعيشي نحو الأسوأ بالنظر إلى الارتفاع المنتظر في الأسعار وفي مختلف الأعباء المعيشية، ويُهدد بالتالي الاستقرار الاجتماعي.
لا يمكن للدولة اليوم الاستغناء عن القرض الموعود من صندوق النقد الدولي نظرا للحاجة الشديدة إليه للانقاذ المالي ولسدّ عجز الميزانية، ولا يمكنها الاخلال بالتزامات الاصلاحات المقدمة لصندوق النقد الدولي. لكن في المقابل، يبقى هامش التحرك امامها مفتوحا لتفادي اقصى ما يمكن من ارتدادات اجتماعية واقتصادية لهذه الإجراءات والإصلاحات. غير ان ذلك يتطلب دولة قوية وجريئة وشجاعة قادرة على وضع حدّ للفساد المالي والإداري الذي ما انفك ينخر المال العام، وعلى مكافحة التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي وعلى تحسين مناخ الاستثمار وخاصة على الضرب بيد من حديد تجاه كل اشكال تعطيل الإنتاج خاصة في قطاع الفسفاط وتطوير القطاعين الفلاحي والسياحي والرفع من الصادرات.. عدا ذلك، لا يمكن ان ننتظر من قانون المالية المنتظر والإجراءات المضمنة به سوى مزيد تفاقم الوضع العام نحو الأسوأ..
فاضل الطياشي
أثارت التسريبات الأخيرة المتعلقة بقانون المالية 2023 جملة من المخاوف والهواجس لدى التونسيين بالنظر إلى ما يمكنه ان تتضمنه الميزانية الجديدة من إجراءات صعبة و»موجعة» للكثيرين. فإعداد هذه الميزانية يتزامن مع سعي تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في ديسمبر المقبل ومع صعوبات وتقلبات بالجملة تواجهها الدولة في مختلف المجالات، ومن الطبيعي ان تكون بعض الإجراءات المتخذة فيه استجابة لإملاءات وشروط الصندوق وفي حدود ما تسمح به قدرات الدولة..
والثابت انه لا توجد خيارات كثيرة امام الدولة التونسية للاستجابة لهذه الاملاءات والشروط وللمحافظة على توازنات المالية العمومية غير اتخاذ إجراءات تستهدف بالأساس معيشة المواطن. وللأسف، لا خيار امام الدولة اليوم غير الزيادة في الضرائب والمعاليم الجبائية على الافراد والمؤسسات ورفع الدعم والترفيع في أسعار المحروقات فضلا عن التقليص من تدخلاتها في المجال الاجتماعي والتنموي، ومواصلة العمل باجراء إيقاف الإنتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام والتقليص من ميزانية التنمية والإستثمار ..
وتجد الدولة نفسها اليوم مضطرة لهذه الخيارات بعد أن فشلت طيلة الأعوام الماضية وإلى حدّ الآن في التوجه نحو خيارات أخرى كان بالإمكان ان تساعدها « وقت الشدّة».. فحُكام المرحلة المنقضية أهملوا على مدى اكثر من 10 سنوات – وإلى حدّ الآن- الاهتمام بالشان التنموي والاقتصادي مقابل الانشغال بالصراعات السياسية والإيديولوجية وبالمصالح الضيقة، ولم يعملوا مثلا على وضع استراتيجية اقتصادية قوية وعلى تنفيذ إصلاحات جريئة وشجاعة وتعاملوا بأياد مرتعشة مع متطلبات المرحلة، عكس دول أخرى عربية وافريقية شبيهة تمكنت في السنوات الأخيرة من القفز عاليا في مختلف المجالات..
ولن تمر الإجراءات الموجعة التي تعتزم الدولة اتخاذها في قانون المالية القادم دون ان تثير التململ والاحتقان لدى شق واسع من التونسيين بما في ذلك الطبقة الوسطى التي كانت إلى حدود السنوات الأخيرة بمثابة المحرك الأساسي للدورة الاقتصادية في البلاد لكنها ستجد نفسها اليوم مضطرة لتحمل أعباء قد تؤثر على مردودها وأدائها على مستوى المردودية في العمل والإنتاجية وخاصة على مستوى الدورة الاستهلاكية، وهو ما ستكون له انعكاسات على الدورة الاقتصادية بشكل عام .
وأكثر من ذلك، ستكون للإجراءات المتخذة تأثيرات خطيرة على الفئات الهشة والضعيفة التي لن تقدر على تحمل تبعات رفع الدعم رغم ما يتردد عن التمشي نحو توجيه الدعم إلى مستحقيه.. حيث تخشى هذه الطبقات وأيضا الطبقة المتوسطة من عدم التزام الدولة بهذا التمشي وخاصة من عدم قدرتها على تنفيذه بشكل ناجع وجدي، وهو ما قد يفاقم المعيشي نحو الأسوأ بالنظر إلى الارتفاع المنتظر في الأسعار وفي مختلف الأعباء المعيشية، ويُهدد بالتالي الاستقرار الاجتماعي.
لا يمكن للدولة اليوم الاستغناء عن القرض الموعود من صندوق النقد الدولي نظرا للحاجة الشديدة إليه للانقاذ المالي ولسدّ عجز الميزانية، ولا يمكنها الاخلال بالتزامات الاصلاحات المقدمة لصندوق النقد الدولي. لكن في المقابل، يبقى هامش التحرك امامها مفتوحا لتفادي اقصى ما يمكن من ارتدادات اجتماعية واقتصادية لهذه الإجراءات والإصلاحات. غير ان ذلك يتطلب دولة قوية وجريئة وشجاعة قادرة على وضع حدّ للفساد المالي والإداري الذي ما انفك ينخر المال العام، وعلى مكافحة التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي وعلى تحسين مناخ الاستثمار وخاصة على الضرب بيد من حديد تجاه كل اشكال تعطيل الإنتاج خاصة في قطاع الفسفاط وتطوير القطاعين الفلاحي والسياحي والرفع من الصادرات.. عدا ذلك، لا يمكن ان ننتظر من قانون المالية المنتظر والإجراءات المضمنة به سوى مزيد تفاقم الوضع العام نحو الأسوأ..
فاضل الطياشي
