مع الشروق .. في ضرورة إصلاح إداري شامل

مع الشروق .. في ضرورة إصلاح إداري شامل

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/07/09

ربّما سينظر الكثيرون إلى ازمات التعليم المتكررة و التي تؤثر على علاقة المدرسة بالمجتمع، من زاوية ضيقة جدّا، وهي مصلحة التلميذ الفضلى دون النظر إلى عمق أزمة النظام التعليمي في تونس برمّته. وربّما نظر الكثيرون من زاوية البيروقراطية الإدارية ويلعنون تلك الممارسات التي تتعلق بتأجيل قضاء شؤون المواطن وتعطيل بعث المشاريع الخاصّة، ولكن قليلون هم من يذهبون إلى عمق هذه الأزمات الإدارية المركّبة و المعقّدة. 
عمق أزمة الإدارة التونسية يأتي من ترهّل الترسانة القانونية التي تشكل عصب الجهاز الإداري، وهذه الترسانة قديمة جدا حتى أن بعضها مازال يعود إلى فترة الباب العالي. ولنأخذ على سبيل المثال شبكة الأجور في تونس والتي تحطّم تحطيما شاملا مفهوم "المصعد الاجتماعي"، فعلى سبيل المثال فإنّ قوانين الوظيفة العمومية لا تولي اعتبارا إلى الشهائد العلمية إلاّ في وزارات التربية و التكوين والتعليم العالي. و كلّما سعى الموظف إلى تحسين مستواه الأكاديمي والعلمي وحتى البحثي فإنّ هذه المميزات لا تجعله يفوز بحوافز تشجّعه، وتدفع زملاءه إلى تحسين مستواهم المعرفي، و إلى دراية أكبر ، وهذا كله يساهم في تحسين الخدمات الإدارية الموجهة إلى المواطن. وهناك تباطؤ كبير جدا في رقمنة المعاملات الإدارية، الأمر الذي يجعلنا نلاحظ تلك المشاهد المزرية في إداراتنا العمومية. و إذا ما نظرنا إلى شبكة أجور الموظفين سنرى اختلالا واضحا لصالح عديمي الكفاءة و المهارات المهنية، وهذا ما يجعل الكثيرين من ذوي الكفاءات العالية لا يجدون حظهم ويفضلون الرحيل عن البلد أمام المغريات المالية التي تقدمها دول أخرى للاستفادة من إمكاناتهم. وهذا الأمر بتنا نلاحظه حتى في الموظفين المتقدمين في السن و الذين باتوا يختارون الهجرة وهم على ابواب التقاعد، بعد ان قضوا أعمارهم في خدمة الوطن وخرجوا بمديونية ثقيلة. 
الوضع الإداري الحالي يتمعش منه الكثيرون، وتستفيد منه طبقة همهما الوحيد جمع الثروات خاصة في القطاعات الاستثمارية، وهذا ما يجعل الدولة تخسر الكثير من مواردها و تعيش حالة فقر مالي، يقل كاهلها ي ويفرض عليها التداين المقيت. 
الإصلاح الإداري يمكن أن يكون عامل تنمية و عامل جمع ثروات للدولة، ولكن بلوغ هذه المرتبة يفرض إصلاحات عميقة و جوهرية، وقد نجحنا في بعضها، خاصة رقمنة بعض المعاملات الإدارية التي سدّت نهائيا تلك الحنفيات التي كان الكثيرون يسترزقون منها تحت عناوين عدّة. الرقمنة تغلق أبواب "القهوة الإدارية"، وتحقق  الشفافية والمساواة و العدالة بين التونسيين، وتقدّم صورة إيجابية عن تونس للمستثمرين الأجانب. و كل تراخ في التحول الرقمي و في تغيير القوانين الإدارية هو استمرار في منح الفساد مزيدا من الوقت لينهش جسد الدولة الضعيفة. 
ركائز الدولة الثلاث وهي رئاسة الجمهورية و الحكومة و البرلمان، معنية بدرجة أولى بهذا الإصلاح الإداري الشامل، ذلك أنّه لا يمكننا دخول مرجلة جديدة  بنظام إداري  قام عليه الشعب و أسقطه و اثبت فشله في مواكبة العصر.
كمال بالهادي       

تعليقات الفيسبوك