مع الشروق : عواقبُ تعطيل الإصلاحات..

مع الشروق : عواقبُ تعطيل الإصلاحات..

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/08

لا شيء يمكن أن يفسر حالة الفوضى والعنف المتزايد في المجتمع والانفلات وخروج البعض عن سيطرة القانون وعن القيم المجتمعية والنواميس الأخلاقية والالتزامات المواطنية سوى تأخر الإصلاحات المنتظرة.. ولا يمكن أن يكتسب المجتمع توازنه النفسي والأخلاقي ويستعيد الاقتصاد عافيته إلا بالتعجيل بالإصلاحات المنشودة.. إصلاحات طال انتظارها، رغم دعوات رئيس الجمهورية المتكررة لتحقيقها والتشديد عليها خلال لقاءاته بمختلف المسؤولين، ورغم تأكد الحاجة الملحة اليها تفاديا لمزيد تفاقم الوضع نحو الأسوأ. ورغم ما تبذله السلطات الأمنية والقضائية والادارية من جهود لوقف النزيف الا ان اتساع رقعة هذه المظاهر أصبح يستدعي حلولا أعمق واشمل، خصوصا ان تعطل الإصلاحات اصبح يطرح اكثر من سؤال وكأن الامر يتعلق بتعطيل متعمد لغايات ما او لخدمة مصالح اطراف معينة.
مظاهر عنف داخل العائلة وفي الشارع وداخل المؤسسات التربوية وفي الإدارات والملاعب الرياضية .. وانفلات مروري على الطرقات، وخرق للقوانين في مختلف مجالات الحياة وعصابات وشبكات ترتع هنا وهناك للمضاربة والاحتكار والترفيع في الاسعار وللمتاجرة في الممنوعات وفي مقدمتها المخدرات، همها الوحيد الربح السريع والوفير على حساب معيشة المواطن على حساب القيم المجتمعية والأخلاقية والإنسانية... وترافيك" في كل القطاعات بما في ذلك القطاع العمومي وأموال وعمولات مشبوهة تُدفع وتقبض دون حرج أو خوف من القانون واخرى مجهولة المصدر تنفق بسخاء يوميا.. وجشع كبير من التجار وغيرهم من الناشطين ضمن الدورة الاقتصادية وابتزاز وبيع مشروط وغش ونشاط مكشوف في مجال "الكنترة" وتهرب ضريبي وثروات مجهولة المصدر وغيرها من مختلف المظاهر التي ما انفكت تنتشر وتهدد سلامة المجتمع ومقومات الدولة.
وقد كان بامكان الإصلاحات المنشودة - لو تحققت – أن توقف النزيف او على الأقل تخفف من حدّته، لكنها مازالت تتعطل لأسباب غريبة .. فالاصلاحات التشريعية دون المأمول وما زالت عديد القوانين تنتظر تطويرها وإخراجها من جلباب الماضي لتواكب العصر الاجتماعي والاقتصادي من حيث المضمون ومن حيث الردع وتشديد العقوبات.. وإصلاح الادارة والمؤسسات العمومية والاصلاح الاقتصادي والتوجه كليا نحو الرقمنة، كلها ظلت حبرا على ورق مسؤولي الحكومات المتعاقبة.. وليس اقل أهمية منها الإصلاح في مجال الانتقال الطاقي والاصلاح الجبائي وإلغاء البيروقراطية وتنظيم مسالك التوزيع التي مازالت تحت سيطرة عصابات معروفة ومعلومة وإصلاح منظومة الدعم واصلاح النظام البنكي لجعله في خدمة الوطن والمواطن وليس لخدمة الجشع وتحقيق الأرباح الخيالية، وإصلاح المنظومة الاجتماعية والقطع نهائيا مع كل مظاهر ابتزاز الدولة والاستيلاء على المال العام..
في خضم كل ذلك فقدت العائلة - لأسباب مختلفة ابرزها الضغوطات المالية والاجتماعية المسلطة عليها - دورها التربوي واصبحت شبه عاجزة عن إعداد جيل جديد تتوفر فيه مقومات المجتمع السليم.. وهو ما فقدته أيضا المدرسة بما أصبح يسودها من مظاهر غريبة وعنف وتراجع جودة التعليم وتأخر الإصلاح التربوي .وفقدته أيضا المنظومة الرياضية بما أصبحت تعرفه ملاعبها وقاعاتها الرياضية وجماهيرها من عنف وتصرفات غير مسؤولة.. وفقدته كذلك المنظومة الثقافية بضعفها وتراجع دورها التثقيفي والتوعوي والتحسيسي وخاصة تراجع دورها في الارتقاء بالذوق العام في ظل غياب مشروع ثقافي وطني شامل وصارم يكون دوره إصلاحيا بالأساس .. كما افتقدته المنظومة الاعلامية في ظل غياب مشروع إعلامي وطني موحد ومتشدد تمنع داخله الرداءة ويساهم هو الآخر في تحسين الذوق العام والإصلاح المجتمعي ..
عديدة هي العوامل المتسببة في تضاعف منسوب العنف والرداءة والفوضى وخرق القوانين، والأخطر من ذلك أنها أصبحت تهدد بالزيادة في منسوب الاحتقان الاجتماعي وما قد تنجر عنه من تداعيات على الاقتصاد والتنمية.. وهو ما أصبح يستدعي التعجيل بالبحث عن الحلول الجذرية والعميقة القادرة على وقف النزيف. ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلا بالإصلاحات المذكورة، لكن أيضا بتشديد المحاسبة ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب وتحميل كل الأطراف مسؤولية الإصلاح وخاصة التشدد في محاسبة كل من يعمد الى تعطيل أي نفس إصلاحي تدعو إليه الإرادة السياسية العليا في البلاد..
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك