مع الشروق : تُونس واستشراف تداعيات الحرْب..

مع الشروق : تُونس واستشراف تداعيات الحرْب..

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/06/20

تدخل الحرب الدائرة بين إيران واسرائيل اليوم أسبوعها الثاني وتلوح في الأفق تداعيات خطيرة منتظرة لهذا النزاع ستشمل عدة دول على مختلف الأصعدة أبرزها الصعيد الاقتصادي. ولن تكون تونس في منأى عن هذه التداعيات بعد أن كشفت التجربة أنه كلما اندلعت حرب جديدة في رقعة من العالم إلا وخلفت وراءها تقلبات اقتصادية ومالية عالمية تمس اقتصاديات اغلب الدول وتوازناتها المالية.. وأكدت التجربة ايضا انه كلما كانت الدولة سباقة لاستشراف الخطر إلاّ وكانت التداعيات أقل تأثيرا وخطورة..
منذ اليوم الأول للحرب الايرانية الاسرائيلية، تبادرت الى الاذهان التداعيات ذات العلاقة خاصة بأسعار النفط في السوق العالمية. وهو ما حصل فعلا حيث قفزت أسعار النفط منذ اندلاع الحرب ثم تراجعت قليلا قبل ان تعود الى الارتفاع أمس الخميس وتجاوزت حدّ 77 دولارا للبرميل. وتزداد المخاوف من احتمال إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما يقرب من ثلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً، ما قد يدفع الأسعار إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، وهي الفرضية الأسوأ للدول المستوردة للنفط.
فرضية خطيرة قد تواجهها بلادنا باعتبارها من الدول المورّدة للنفط ومن الطبيعي أن تتأثر بارتفاع الاسعار. فقانون المالية لسنة 2025 يعتمد سعرًا مرجعيا للنفط في حدود 74 دولارا للبرميل، وطيلة الفترة السابقة للحرب كان سعر البرميل في حدود 62 دولارا وهو ما مكن الميزانية من تحقيق فائض مالي هام يُقدر بحوالي 1500 مليون دينار. غير ان هذا الفائض أصبح غير متاح اليوم بعد ارتفاع الاسعار وقد يتحول إلى فارق سلبي إذا ما تواصلت الاسعار ارفع من توقعات الميزانية باعتبار ان كل دولار إضافي في سعر البرميل يكلّف الدولة حوالي 120 م.د سنويا..
من الفرضيات الأخرى ايضا ما قد تتسبب فيه هذه الحرب من  ركود اقتصادي عالمي، ما ستكون له انعكاسات مباشرة على تونس من حيث بطء الاقتصاد وأيضا من حيث ارتفاع الاسعار . فارتفاع الاسعار في الاسواق العالمية سيتسبب في صعوبات للمالية العمومية  خصوصا في ظل اعتماد بلادنا على واردات متعددة، من طاقة ومواد أساسية وغيرها وسيتسبب أيضا في ارتفاع تكلفة الدعم. وهو يعني أيضا استنزاف مخزون العملة الصعبة الذي تعول عليه البلاد لخلاص الشراءات ولتسديد القروض ولا يمكنه ان يتحمل ارتفاعا كبيرا في أسعار الواردات ..
وارتفاع الاسعار في السوق العالمية يعني  حصول تضخم داخلي (تضخم مستورد) وهو ما سيمس من المقدرة الشرائية للمواطن ويتسبب في ركود الاستهلاك، أحد أبرز محركات النمو الاقتصادي. وهذه الوضعية قد تدفع بالبنك المركزي التونسي إلى المحافظة على استقرار نسبة الفائدة المديرية (TMM) او الترفيع فيها بعد ان كان الجميع ينتظر انخفاضها في الفترة القادمة، ما ستكون له انعكاسات على الدورة الاقتصادية والاستهلاكية بشكل عام.. وستنضاف لذلك حتما تداعيات أخرى لا تقل خطورة في قطاعات السياحة والتصدير والاستثمارات الاجنبية.
كل هذه الفرضيات الخطيرة والمخيفة بالنسبة لتونس يمكن أن تكون أقل حدة او ذات فاعلية محدودة لو تُحسن الحكومة التعاطي معها منذ الآن وتستشرف المستقبل وتتوقى من الخطر. ويمكن في هذا السياق الذهاب نحو تكوين خلية أزمة للنظر في كيفية التعاطي مع تداعيات الحرب ومع كل الفرضيات الممكنة على غرار الخلية التي وقع إحداثها بوزارة المالية في مارس 2022 بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية. فعديد الدول بدأت تتسابق اليوم لشراء مخزونات إضافية من النفط بالأسعار المتداولة حاليا قبل ان ترتفع في الأيام القادمة.
ولا يتعلق الأمر بالنفط فقط بل ايضا ببقية السلع التي توردها تونس على غرار المواد الاساسية والمواد الاولية والتجهيزات والادوية وغيرها.. فالأسعار في السوق العالمية ستشهد تقلبات وهو ما يؤكد أهمية الاستشراف من الآن ووضع كل الفرضيات المتوقعة على الطاولة والنظر في كيفية مجابهتها سواء على الصعيد المالي لتوفير اعتمادات لشراءات حينية من السوق العالمية، والصعيد اللوجيستي من حيث التسريع بابرام صفقات والتفكير في مسألة النقل البحري الذي سترتفع تكلفته. فكلما كان التخطيط والاستشراف سريعا وبشكل مبكر إلا وكانت ارتدادات الازمات أقل حدة وخطورة..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك