مع الشروق : المصالحة المغاربية... أولويّة مطلقة
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/23
تصريح ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي عن وجود مبادرة "للمصالحة" بين الجزائر والمغرب، تراه بعض القراءات أنه لم يكن مجرّد حديث عابر في سياق دبلوماسي، بقدر ما يمثّل خطوة محسوبة بدقة ضمن التحركات الغربية الهادفة إلى إعادة رسم التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا بما يخدم مصالحه.
فالغرب يدرك اليوم أن المنطقة المغاربية، بما تملكه من موقع جغرافي استراتيجي وثروات طاقية متنامية وشبكة نفوذ تمتد نحو العمق الإفريقي والمتوسطي، تشكل محورا حيويا في سباق النفوذ العالمي بين الشرق والغرب، ومن هذا المنطلق، فإن أي تقارب مغاربي وبالخصوص بين الجزائر والمغرب لا بد أن يمرّ، عبر بوابة الرعاية الغربية، حتى تظل خيوط اللعبة بيده.
والحديث عن مصالحة جزائرية مغربية في هذا السياق، لا يمكن قراءته خارج منظور الأجندة الغربية في المنطقة، التي تتلخص في تحقيق غايات منها تحجيم الدور الصيني والروسي في شمال إفريقيا خاصة بعد توطّد العلاقات الجزائرية مع موسكو وفتحها مجالات تعاون واسعة في مجالات الدفاع والطاقة، فضلا عن إعادة إدماج المغرب والجزائر في المنظومة الأمنية الغربية بالمنطقة، ضمن رؤية جديدة لـ"الناتو المتوسطي"، يكون فيها الغرب المرجع والموجه لأي تقارب أو تباعد بين العاصمتين.
ورغم الخلافات السياسية العميقة بين الجزائر والمغرب، فإن وشائج التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك لا يمكن محوها، فالشعبان يجتمعان في الثقافة واللغة والدين، ويتقاسمان نفس التحديات التنموية والأمنية، لذلك، فإن المصالحة الحقيقية يجب أن تنطلق من الداخل، من إرادة وطنية صادقة، ومن رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة، لا من تعليمات أو ضغوط خارجية.
فالتجارب بيّنت دائما أن كلّ "سلام" أو "مصالحة" تُفرض من الخارج تكون هشة، مؤقتة، ومرهونة بتقلبات المصالح الدولية، أما المصالحة التي تُبنى على حوار سيادي مباشر، فإنها وحدها القادرة على خلق الثقة المتبادلة وتحقيق الأمن المشترك.
إنّ الجزائر والمغرب، بما لهما من ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة، يمكنهما إذا تجاوزا الخلافات الثنائية المزمنة وخاصة حول ملف الصحراء الغربية أن يصنعا محورا مغاربيا جديدا يعيد التوازن للمنطقة ويمنحها مكانتها المستحقة في النظام الإقليمي والدولي.
وعلى المستوى الاقتصادي، يُجمع الخبراء على أن اندماج السوق المغاربية كفيل برفع الناتج الداخلي الخام للمنطقة بنسبة لا تقل عن 30 % خلال عقد واحد، فالمغرب يملك قطاعا صناعيا وتجاريا متطورا، والجزائر تملك ثروات طاقية ضخمة، وتونس تتمتّع بكفاءات بشرية عالية، وليبيا وموريتانيا بثروات طبيعية واعدة، غير أن هذه الإمكانات الهائلة تبقى مبدّدة بسبب الخلافات.
وفي عالم تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية، لم يعد التكامل الإقليمي خيارا تنمويا فقط، بل ضرورة وجودية، فالاتحاد الأوروبي لم ينهض إلا بتجاوز الحروب التاريخية بين فرنسا وألمانيا، وجنوب شرق آسيا لم يتحول إلى مركز اقتصادي عالمي إلا بعد اعتماد سياسة "التعاون رغم الخلاف"، وبالتالي فإنه من الطبيعي لشعبين جارين، تجمعهما نفس القيم والتاريخ والمستقبل، أن يجدا سبيلا للتفاهم.
فلا بديل اليوم عن وضع المصلحة المغاربية فوق كل الحسابات الضيقة، والمصالحة الحقيقية تنبع دوما من قلوب محبة للسلام، ولهذا فإن الطريق إلى مصالحة جزائرية مغربية حقيقية سيمر حتما عبر حوار مغاربي–مغاربي صادق، وبرعاية مغاربية خالصة، تُعيد للمغرب العربي حلمه القديم في الوحدة، وحينها فقط سيولد مغرب عربي جديد، قوي بشعوبه، حر بقراره، ومحصّن ضد كل أجندة أجنبية.
هاشم بوعزيز
تصريح ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي عن وجود مبادرة "للمصالحة" بين الجزائر والمغرب، تراه بعض القراءات أنه لم يكن مجرّد حديث عابر في سياق دبلوماسي، بقدر ما يمثّل خطوة محسوبة بدقة ضمن التحركات الغربية الهادفة إلى إعادة رسم التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا بما يخدم مصالحه.
فالغرب يدرك اليوم أن المنطقة المغاربية، بما تملكه من موقع جغرافي استراتيجي وثروات طاقية متنامية وشبكة نفوذ تمتد نحو العمق الإفريقي والمتوسطي، تشكل محورا حيويا في سباق النفوذ العالمي بين الشرق والغرب، ومن هذا المنطلق، فإن أي تقارب مغاربي وبالخصوص بين الجزائر والمغرب لا بد أن يمرّ، عبر بوابة الرعاية الغربية، حتى تظل خيوط اللعبة بيده.
والحديث عن مصالحة جزائرية مغربية في هذا السياق، لا يمكن قراءته خارج منظور الأجندة الغربية في المنطقة، التي تتلخص في تحقيق غايات منها تحجيم الدور الصيني والروسي في شمال إفريقيا خاصة بعد توطّد العلاقات الجزائرية مع موسكو وفتحها مجالات تعاون واسعة في مجالات الدفاع والطاقة، فضلا عن إعادة إدماج المغرب والجزائر في المنظومة الأمنية الغربية بالمنطقة، ضمن رؤية جديدة لـ"الناتو المتوسطي"، يكون فيها الغرب المرجع والموجه لأي تقارب أو تباعد بين العاصمتين.
ورغم الخلافات السياسية العميقة بين الجزائر والمغرب، فإن وشائج التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك لا يمكن محوها، فالشعبان يجتمعان في الثقافة واللغة والدين، ويتقاسمان نفس التحديات التنموية والأمنية، لذلك، فإن المصالحة الحقيقية يجب أن تنطلق من الداخل، من إرادة وطنية صادقة، ومن رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة، لا من تعليمات أو ضغوط خارجية.
فالتجارب بيّنت دائما أن كلّ "سلام" أو "مصالحة" تُفرض من الخارج تكون هشة، مؤقتة، ومرهونة بتقلبات المصالح الدولية، أما المصالحة التي تُبنى على حوار سيادي مباشر، فإنها وحدها القادرة على خلق الثقة المتبادلة وتحقيق الأمن المشترك.
إنّ الجزائر والمغرب، بما لهما من ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة، يمكنهما إذا تجاوزا الخلافات الثنائية المزمنة وخاصة حول ملف الصحراء الغربية أن يصنعا محورا مغاربيا جديدا يعيد التوازن للمنطقة ويمنحها مكانتها المستحقة في النظام الإقليمي والدولي.
وعلى المستوى الاقتصادي، يُجمع الخبراء على أن اندماج السوق المغاربية كفيل برفع الناتج الداخلي الخام للمنطقة بنسبة لا تقل عن 30 % خلال عقد واحد، فالمغرب يملك قطاعا صناعيا وتجاريا متطورا، والجزائر تملك ثروات طاقية ضخمة، وتونس تتمتّع بكفاءات بشرية عالية، وليبيا وموريتانيا بثروات طبيعية واعدة، غير أن هذه الإمكانات الهائلة تبقى مبدّدة بسبب الخلافات.
وفي عالم تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية، لم يعد التكامل الإقليمي خيارا تنمويا فقط، بل ضرورة وجودية، فالاتحاد الأوروبي لم ينهض إلا بتجاوز الحروب التاريخية بين فرنسا وألمانيا، وجنوب شرق آسيا لم يتحول إلى مركز اقتصادي عالمي إلا بعد اعتماد سياسة "التعاون رغم الخلاف"، وبالتالي فإنه من الطبيعي لشعبين جارين، تجمعهما نفس القيم والتاريخ والمستقبل، أن يجدا سبيلا للتفاهم.
فلا بديل اليوم عن وضع المصلحة المغاربية فوق كل الحسابات الضيقة، والمصالحة الحقيقية تنبع دوما من قلوب محبة للسلام، ولهذا فإن الطريق إلى مصالحة جزائرية مغربية حقيقية سيمر حتما عبر حوار مغاربي–مغاربي صادق، وبرعاية مغاربية خالصة، تُعيد للمغرب العربي حلمه القديم في الوحدة، وحينها فقط سيولد مغرب عربي جديد، قوي بشعوبه، حر بقراره، ومحصّن ضد كل أجندة أجنبية.
هاشم بوعزيز
