مع الشروق .. العالـم الجديد

مع الشروق .. العالـم الجديد

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/04/28

ارتجاج المجتمعات الغربية سيتواصل حتى بعد هدوء زلزال غزة.  ذلك أن نظام العولمة الذي سعت أمريكا إلى فرضه على العالم بحجج الرفاهية و القيم الكونية وهو في أصله مشروع استعماري  ناعم في الظاهر متوحش في العمق. قد أنتج أجيالا جديدة مؤمنة فعلا بالقيم الكونية المتمثلة في عدالة إنسانية و حرية ومساواة بين الأجناس و الألوان. وهذا ما تردده الشعوب في الشوارع احتجاجا على آلة القتل الصهيو- أمريكية.  ومن الطبيعي أن الأنظمة التي زرعت هذه المفاهيم هي ذاتها التي تقف اليوم ذاتها لأن الشعوب تريد فعلا أن تتحرّر من سطوة الصهيونية العالمية وهي ترغب في بناء العالم الجديد الأكثر عدالة و تقدما. 
هذا العالم الجديد بدأ يطل بمعالمه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وهي معالم  تمهد لمخاض سياسي  لن يكون سلميا في كل الأحوال بل إن الشعوب  عليها ان تتحمل  اعباء هذه التحولات. إن مصادر الثورة و القوة باتت اليوم في الشرق و ليس في الغرب. و التكتلات الصاعدة هي الآن تخلق ثرواتها و  ترسم طريقها الاقتصادي المتحرر  من كل هيمنة أمريكية. فعلى سبيل المثال تسعى قيادة العالم الجديد إلى التخلي نهائيا عن استعمال الدولار في المعاملات البينية وهذا يشكل ضربة في مقتل لقوى العالم القديم التي بنت قوتها على "الورقة الخضراء". فأن تعلن روسيا عن أن احتياطها  من الذهب قد ارتفع إلى مستويات قياسية وهي في اتون حرب شرسة ضد حلف الناتو فذلك يعني عودة الروح إلى الاقتصاد الحقيقي المتحرر  من  اقتصاد المضاربات الذي قامت عليه قوة الولايات المتحدة. 
إن الإفلاس القيمي و الأخلاقي للنخبة السياسية و الإعلامية الغربية بعد احداث غزة قد كان الضربة القاضية للعالم القديم الذي انتفضت عليه شعوبه المستعمرة و الراغبة في التحرّر من مقولات المحرقة و معاداة السامية و ما انتفاضة النخب العلمية و الفكرية و السياسية  على أنظمة متداعية إلا دليل  على وجود رغبة عميقة في التخلص من إرث استعماري و عنصري منغلق رغم كل ادعاءات الانفتاح. 
إن الشعوب التي تريد لنفسها أن تكون منخرطة في بناء العالم الجديد و تكون اكثر فاعلية مستقبلا عليها أن تسارع الخطوات لتحقيق هذا الهدف. فالعالم الجديد لا يمكن أن تبنيه قوة واحدة أو تحالف قوى ضيق. فالإنسانية تريد أن تحلم بعالم اكثر توازنا و احتراما لحقوق الشعوب. ولكن بلوغ هذا الهدف يشترط  ان تتحرك الشعوب  دفاعا عن حاضرها و مستقبلا لا أن تبقى منتظرة من يحقق لها أهدافها نيابة عنها.        
كمال بالهادي

تعليقات الفيسبوك