مع الشروق : «الشّلل الإداري» والعمل لأكل الخبز لا يصنعان اقتصادا ناجحا 

مع الشروق : «الشّلل الإداري» والعمل لأكل الخبز لا يصنعان اقتصادا ناجحا 

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/26

شلل شبه تام في الإدارات ، مكاتب وشبابيك تعمل بنظام قطرة ، قطرة ، متأهّبة وكأن الموظف على رأسه الطير، يجلس على مضض في استعداد مطلق للمغادرة في كل حين، الوقت سرعان ما يذهب ويسيل مثل الماء بين الأصابع ، والمواطن بين نارين إما أن يبكّر ويقضي شؤونه الإدارية وينتظر الصفوف الطويلة والشبابيك شبه الفارغة أو أن يواظب على توقيت عمله ويؤجل تلك الشؤون إلى حين يتأقلم مع التوقيت الصيفي السّائر برجل واحدة في كل سنة .
 إنه نظام الحصة الواحدة في العمل وما أدراك ، منذ حلوله في غرة جويلية إلى موفى شهر أوت  والإصبع على الزّناد ، وحالة من التأهّب القصوى تسكن الجميع ، فكل المصالح والشّؤون والأعمال محكومة بنصف يوم عمل ، نصف يوم لا غير ! ،حتّى تكتظّ وسائل النقل في وقت واحد، وتصاب الطرقات باختناق مروريّ و بأدفاق من السّيارات  تتسارع محمومة إلى العودة  وكأنّها في سباق مصيريّ غير قابل للتأجيل !.
لماذا كل هذه الهرولة ، وما الحكمة من عمل الموظف لنصف الوقت  في بلد تقدّر فيه نسبة  النمو 1.4 %، وتحتاج أزمته الاقتصاديةالى  العمل   المضاعف لأجل تحقيق إنتاجية عالية؟. وإذا كان لكلّ موظف عطلته  السنوية  يتصرّف فيها وينتفع بها ويقسّمها حسب ما تفرضه  عليه الظروف  والمفاجآت ، فلماذا يلجأ إلى أنصاف الوقت ، ويدخل في فائض من الرّاحة ويتحوّل الصيف إلى فصل للاسترخاء والكسل الإداريّ في  جميع القطاعات دون مراعاة  احتياجات  الوطن وأولويات المواطن في تأمين خدمات إدارية غير قابلة للتأجيل والتمطيط ؟.
تعتبر تونس البلد الوحيد  في العالم  الّذي يعتمد نظام "السونسونيك"  ويصاب بالشّلل الإداري صيفا ، لكن هذا لا يعني أنّ  الإدارة على مدار السّنة  هي بخير ، بل إنّها تستبطن هذا "الشلل"  في الخفاء  لتمارسه  بأحقية القانون صيفا  وعلنا ، فيمارس الموظف حقه في مزيد تراجع الخدمات  والمصالح باستحقاق ، والحال أنّها  تحتاج إلى  التقييم و الإصلاح  وإلى " ثورة إدارية"  دعا إليها رئيس الجمهورية أكثر من مرة  ،  لأنّها  وببساطة إدارة مريضة وأوجاعها كثيرة ،من الرّشوة والتواكل والكسل وعقلية "رزق البيليك"  وعدم احترام الكفاءة إلى غياب الضمير المهني وخاصة " حسّ الانتماء"  باستثناء قلّة قليلة من الوطنيين الشّرفاء.
ثمّ إنّ تراجع قيمة العمل جعل الوظيفة والمهنة  مجرّد أجر شهريّ لدى أغلب الموظفين  في نظام عمل لا يعترف إلا بخمسة أيّام في الأسبوع  على مدار العام ، ولا يحقق إلا 105  أيّام عمل من أصل 356  يوما ، ثمّ إنّ موظفا من  بين خمسة يعمل ويكتفي الباقون بالحضور وفق دراسة أعدّتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد . وشتّان بين ساعات العمل الرّسمية في القطاع الخاص والعام  المحدّدة بأربعين ساعة في الأسبوع وبين  واقع  تتآكل فيه السّاعات ويضعف فيه الأداء وتُصاب فيه الإنتاجية  بالهُزال !. 
وبما أنّ تونس اختارت السّير في طريق الإصلاح وإعادة البناء على  أسس متينة ، فإنّ  إنقاذ الإدارة يكون بالعمل للأكفأ والأقدر على التطوير والإنتاج بوطنية عالية ، ومن هنا تترسّخ قيمة العمل لأجل البناء لا لأجل "أكل الخبز". وعلينا ألاّ نهرب من الحقيقة ونحن  نواجه صعوبات متعدّدة، بأنّ الرّفاه الإداري وعقلية "الصرّار" لا تتماشى مع رغبتنا في الإقلاع ومواجهة التحديات التي يواجهها اقتصادنا ،وعلينا كذلك أن نأخذ العبرة من دول كثيرة استطاعت اليوم الصعود وحققت الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي بالعمل و تطوير الإنتاجية  وراهنت على عقول أبنائها وسواعدهم  وقوّة انتمائهم لمؤسساتهم.
 وحيدة المي 
 

تعليقات الفيسبوك