مع الشروق.. «السيادة الوطنية... ليست للبيع أو للمبادلة!

مع الشروق.. «السيادة الوطنية... ليست للبيع أو للمبادلة!

تاريخ النشر : 08:00 - 2023/03/29

كما يوجد بيع مشروط في الأسواق، توجد مساعدات مشروطة وقروض مشروطة بين الدول. أي أن الدول تستعير سلوكات بعض التجار في ترويج بضاعتهم الكاسدة لتخضع مساعداتها وهي القروض التي تمنحها لهذه الدولة أو تلك إلى شروط.. وهو ما يجعلها أقرب إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو حتى لما يمكن أن يتطور ليصبح «تدخلا انسانيا» كما حدث في عديد الحالات التي انتهكت فيها سيادة دول وديس فيها على قرارها الوطني المستقل بتعلة تقديم «مساعدات» نصرة لحقوق كونية.
ويبدو أن دولا غربية متمسكة بتجريب هذه الأساليب البالية مع بلادنا، وهي تركب الأزمة المعقدة التي تعيشها بلادنا وتستغل الظروف الصعبة التي تمرّ بها لتحاول التدخل في الشأن الوطني والتأثير في القرار الوطني من خلال ربط المساعدات أو القروض التي  تحتاجها بلادنا بحزمة من «الملاحظات والنصائح والتوجيهات» التي تجعل منها في نهاية المطاف مجرد تعليمات شبيهة بتلك التي يسديها «السيد» إلى تابعه أو الأستاذ إلى تلميذه.. وهو ما يحيلنا في الأخير إلى عقدة خلنا أننا تخلصنا منها بعد كل هذه العقود الطويلة من كنس الاستعمار واستعادة حريتنا وسيادتنا الوطنية واستقلالية قرارنا الوطني.
وقد صار مألوفا موقف سماع هذا المسؤول الأوروبي أو الأمريكي أو ذاك وهو يخوض في الشأن التونسي ويدلي بدلوه في اختيارات وتوجهات البلاد.. وكأنما كانت حاجة بلادنا إلى ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو حاجتها لقروض ثنائية أو لمساعدات مالية مطية لهذه الأطراف كي تسمح لنفسها بالخوض في شؤوننا واللعب في مربعات هي من صميم سيادتنا الوطنية.
نسمع بعض الأصوات التي تبرر لمثل هذه التدخلات وتنظّر لاستباحة القرار الوطني بعنوان الحاجة إلى المساعدات الخارجية سواء كانت في شكل قروض من مؤسسات نقدية دولية أو مباشرة من دول أجنبية.. ويذهب التحليل بأصحاب وجهات النظر هذه إلى حدّ القول بأن رفع شعار استقلالية القرار الوطني ورفض التدخل في شؤوننا الداخلية هو مجرّد كلام انشائي طالما كانت أوضاعنا صعبة واقتصادنا هشا ما يجعلنا في حاجة إلى الاتجاه للخارج للحصول على مساعدات أو قروض أو حتى مجرد تسهيلات سياسية.. وهذا الكلام مردود على أصحابه جملة وتفصيلا.
ذلك أن الدول التي تقدم القروض أو المساعدات وحتى المؤسسات النقدية الدولية ليست جمعيات خيرية توزع المليارات لوجه اللّه. وليست «ملائكة» نزلت من السماء لتنشر الخير والحسنات. فهذه الدول لها مصالح وهذه الصناديق والمؤسسات الدولية تتبع دولا وتعود بالنظر إلى ممولين لهم مصالحهم وتوجهاتهم ما يجعلها في الأخير أدوات لتكريس الهيمنة وضمان تبعيه هذه الدولة أو تلك،، ثم إن النظرة العرجاء لهؤلاء والتي تنظّر لذبح القرار الوطني والسيادة الوطنية وتقديمهما قربانا للعافية الاقتصادية تقود رأسا إلى بيع الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية في بورصات السياسة وفي مزادات الأمم والمصالح.. وطالما أن القرار الوطني يمكن أن يرتهن فلماذا لا نفرّط في استقلالنا بالمرة ونتحوّل إلى مجرد توابع لهذه الدولة العظمى أو تلك.
إن التعاون بين الدول لا يجب أن يصبح مطية لمصادرة القرار الوطني والسيادة الوطنية وإلا فسنسقط «طائعين» في استعمار جديد يهدف إلى تحويلنا إلى مجرّد أرقام تبيع كل شيء لتأكل. وفي حياة الشعوب والدول هناك قيم ومبادئ وأفكار أسمى وأقدس من أن تبادل بالبطن.. ولننظر إلى امكانات بلادنا وما تختزنه من خيرات وتوفره من فرص.. ولننظر إلى الكون الفسيح وما فيه من دول وتجمعات وأقطاب تتيح فرصا وهوامش مناورة ضخمة وسنكشف أن الغرب بمعناه الأوروبي والأمريكي الجشع ليس قدرا محتوما مكتوبا علينا اللهث وراء الفتات الذي يجود به أو الهلاك دونه.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك