مع الشروق .. «التطبيع» مع الفساد .. وثقافة «اللّاخوف»

مع الشروق .. «التطبيع» مع الفساد .. وثقافة «اللّاخوف»

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/11/08

لا تتوقف تأثيرات "الفساد الكبير" الذي يتم الكشف عنه بين الحين والآخر داخل مؤسسات وهياكل الدولة حدّ الأضرار المادية التي تلحق بمصالح البلاد وبالاقتصاد الوطني بل طالت تأثيراته السلوك المجتمعي. فما أصبح يسود داخل المجتمع من "تطبيع" مع الفساد وخاصة من تصوير للفساد لدى الشباب والناشئة على أنه "نمط عيش"، وعلى انه أسهل طريق لجمع المال وللإثراء السريع وتصويره ايضا على انه أصبح أمرا طبيعيا ومتاحا بسهولة في مختلف المجالات والقطاعات وفي كل مكان، يستدعي الانتباه ويتطلب وقفة حازمة من الدولة ومن كل الأطراف المعنية لوقف "النزيف".
والأخطر من ثقافة التطبيع مع الفساد ما أصبح يسود أيضا من "ثقافة اللاّخوف" عند ارتكاب الفساد من التبعات القانونية. فالفاسدون أصبحوا في الاعوام الاخيرة يتحلّون بجرأة وشجاعة غير مسبوقة عند الاقدام على ارتكاب الفساد والاستيلاء على المال العام. حيث يلجأ البعض إلى استغلال وجود ثغرات قانونية او الى  استغلال ضعف الرقابة داخل بعض المؤسسات والهياكل العمومية لارتكاب جرائمهم فيما يستفيد البعض الآخر من التواطؤ او من المساعدة على الافلات من العقاب التي انتشرت في السنوات الاخيرة خاصة مع بروز ظاهرة " الغطاء السياسي" الذي يوفره بعض "كبار المسؤولين" للفاسدين حتى لا تتم محاسبتهم.
وأكثر من ذلك أصبح الفساد يمس أيضا من "المشاعر العامة" داخل المجتمع. فحجم الفساد الذي وقع التفطن إليه على امتداد العامين الاخيرين وإلى حدود الايام الأخيرة، وطال كل المجالات والقطاعات وأدّى إلى الكشف عن حقائق مُدوية وترتبت عنه إيقافات لكبار المسؤولين، أصبح يتسبب في نوع من "الإحباط العام" لدى الناس بسبب ما قد يسود من شعور بالحيف والظلم من استيلاء فئة دون غيرها على جزء من المال العام والثروات الوطنية دون وجه حق.. إذ كيف لمواطن سوي أن يواصل حياته بصفة عادية، إما في مجال العمل او الدراسة او غيرهما، وكيف له ان يجتهد ويكد ويضحي لجمع المال بطرق مشروعة وهو يعلم جيدا أن غيره أمكن له ذلك بفضل سرقة المال العام دون كدّ أو اجتهاد..
أصبحت مضار الفساد المنتشر منذ سنوات في البلاد مضاعفة: فإلى جانب الأضرار المادية المتمثلة في الاستيلاء على المال العام والإضرار بالمصلحة الوطنية وبالإقتصاد الوطني، تترتب عن الفساد اليوم أضرارا معنوية ونفسية لدى المواطنين. وهو ما أصبح يُهدد الاستقرار المجتمعي الذي يُعدّ الركيزة الاولى للنهوض الاقتصادي والتنموي. فاستشراء الفساد بهذا الشكل وبهذا الحجم – كما كشفته مؤخرا الابحاث والتحقيقات المفتوحة في عديد المجالات وآخرها على سبيل الذكر ملف الشعّال وملف البنك العمومي وملف الخطوط التونسية - لا يمكن أن يؤدي سوى إلى شعور نفسي سلبي لدى المواطن سيؤثر حتما على مردوديته وإنتاجيته في العمل أو في الدراسة.
يحتاج الفساد اليوم إلى مقاربة شاملة تقتضي أولا التوعية والتحسيس لدى الرأي العام وخاصة لدى الصغار والشباب ( مثلا في البرامج التعليمية أو عبر وسائل الإعلام) حول مخاطره على البلاد وعلى المصلحة الوطنية  وعلى الاقتصاد وأيضا حول ما يمكن أن ينجر عنه من نتائج وخيمة لمرتكبه ( السجن – التفكك الأسري- الخطايا المالية التي قد تأخذ كل الثروات التي وقع جمعها..). كما يحتاج أيضا إلى أكثر جرأة وشجاعة من الدولة لتفكيك كل انشطة الفساد عبر تكثيف المراقبة وتنشيط دور هياكل الرقابة والصرامة في تطبيق العقاب تجاه الفاسدين والمتواطئين معهم وان لزم الامر تنقيح القوانين للرفع من العقوبات المستوجبة.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك