مع الشروق..قـادمـون علـى عطش

مع الشروق..قـادمـون علـى عطش

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/06/16

ليس من باب الصدفة او الاستغلال العشوائي او حتى المرجعية التاريخية ان يختار المعمرون الفرنسيون زمن الحماية الفرنسية في تونس منطقة سوسة وصفاقس لزراعة ملايين اشجار الزيتون او اقامة ما يعرف اليوم بهنشير النفيضة وهنشير الشعال رغم ان ثقافة او تاريخ زراعة الزياتين في تونس تعود الى العصر البونيقي او القرطاجني خلال القرن الثاني قبل الميلاد. 
ويلاحظ ان الخبراء الزراعيين زمن الحماية الفرنسية لم يسايروا القرطاجنيين والرومان في زراعة الزياتين بالشمال في تبرسق وأوتيك وزغوان  وبنزرت (قرطاج) او حيدرة وماجل بالعباس ومرناق وحتى جزء من الساحل (الرومان) بل اختاروا صفاقس وسوسة لا لشيء سوى لكونهم درسوا البلاد جيدا وعرفوا تربتها وتضاريسها ومناخها وتاريخها وحتى ثقافتها ومجتمعها … ويذكر انهم فضلوا الساحل وصفاقس لزراعة الزياتين لان هذه الربوع شحيحة المياه وهو ما يلائم مثل هذه الزراعات القادرة على مواجهة الجفاف على عكس الزراعات الاخرى مثل الحبوب والاشجار المثمرة والخضر التي تتطلب كميات هامة من المياه ولذلك خصصوا لها اراضي الشمال…
وحققت تونس زمن الحماية الفرنسية بفضل هذه الخيارات الزراعية والفلاحية ارقاما قياسية في انتاج وتصدير زيت الزيتون والقوارص والحبوب والكروم الى درجة ان عديد المعمرين امام كثافة الانتاج اضطروا الى استقدام اليد العاملة من جنوب اوروبا لخدمة الزراعة وهو ما خلق ما عرف باحياء الجاليات الايطالية والمالطية في عديد المدن … 
مستنتج الحديث ان تونس كانت على مر هذه الحضارات والحقبات التاريخية ارضا فلاحية منتجة وكثيفة العطاء الى درجة انها وصفت في زمن الرومان بمطمورة روما فماذا حدث ؟؟؟ ولماذا عقرت الاراضي وبات يتهددنا الجفاف والعطش في كل موسم ؟ 
الواضح انه الى جانب الكسل او عدم الرغبة في العمل الذي طبع شخصية التونسي في العقود الاخيرة ، هناك استقالة تامة للدولة من كل ما له علاقة بالفلاحة والاراضي الزراعية كإعداد المخططات ومراقبة الاراضي الزراعية وخصوصا اراضي الملك الخاص وترشيد استغلال المياه والمائدة المائية.
ويكفي ان نعود الى آخر الارقام والاحصائيات في تونس بين 2019 و2020 لنكتشف ان هناك استغلال مفرط للمائدة المائية حد الاستنزاف حيث تجاوز عدد الآبار العشوائية السطحية والعميقة مثلا 18 ألف بئر . والغريب ان العديد من هذه الابار عادة ما تكون منحصرة في مناطق صغرى لا تستحق كميات كبيرة من المياه او انها لا تصلح للزراعات السقوية ، كأن يقوم الواحد بزراعة الخضر في منطقة شحيحة المياه او يحول اراضي الزراعات الكبرى (الحبوب) الى اراضي لزراعة القوارص والاشجار المثمرة. اضف الى ذلك ان تقسيم الاراضي بين افراد العائلة الواحدة بحكم الارث فتت كل الاراضي الشاسعة وغير زراعاتها وافقدها طبيعتها … 
وبقدر ما يتحمل اصحاب الاراضي مسؤولية سوء استغلال اراضيهم واستنزاف المائدة المائية فان الدولة تبقى المسؤول الاكبر والاول عما يحدث بسبب قلة المراقبة وغياب الترشيد والتخطيط وعدم سن قوانين جديدة للحفاظ على الاراضي الزراعية والمائدة المائية كما هو الحال في اوروبا التي تمنع تفتيت الاراضي وتقسيمها حتى وان اراد افراد العائلة قسمتها بعد رحيل الاب او المالك الاصلي للأرض.
الواضح اننا قادمون على عطش اذا لم تسارع الدولة بترشيد استغلال الاراضي الزراعية واستغلال المائدة المائية…
محسن عبد الرحمان 
 

تعليقات الفيسبوك