مع الشروق...ارتفاع الأسعار والركود التضخّمي ...

مع الشروق...ارتفاع الأسعار والركود التضخّمي ...

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/12/04

لا يمرّ اسبوع حتى تعلن الحكومة عن زيادة جديدة في إحدى المواد أو في إحدى الخدمات، هذا فضلا عن حالات الزيادة العشوائية التي تشهدها كل القطاعات ودون  استثناء حتى في تلك المواد المدعّمة التي تشهد السوق انخفاضا في عرضها. 
بعد الزيادات في أسعار الوقود، أعلنت وزارة النقل عن زيادة في تعريفات النقل العمومي مثل اللواج والتاكسي الفردي، ولن يتوقف هذا النزيف في ظل وضعية مالية مأزومة وفي ظل ضغوط الأزمات الدولية التي تجعل تونس مثلها مثل دول أخرى كثيرة ضحية أزمة الحرب الأوكرانية وتأثيراتها السلبية على سلاسل الإمداد الغذائي العالمي وكذلك على أسعار الطاقة.  وكل هذا يأتي بعد سنتين عجاف ناتجتين عن أزمة وباء كورونا. 
لا أحد يمكنه أن ينكر أن تونس بإمكانياتها الاقتصادية والمالية، غير قادرة على استيعاب أزمتين متتاليتين في حجم وباء عالمي وحرب شبه عالمية. ولكن هناك خطر يحدق بنا، وهو ما بات يعرف في دوائر الاقتصاد العالمية بالركود التضخّمي، وهي حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي، يرافقه تضخم. وتحدث هذه الحالة عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد ولكن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، وتعتبر حالة غير مرغوب فيها، لأنها تصيب محركات الاقتصاد الداخلية بالعجز أو الشلل شبه التام.  والحقيقة أننا نعيش هذه الحالة منذ فترة في تونس،و أي زيادة في الأسعار ستعني مزيدا من الركود التضخمي، أي مزيدا من التعقيدات خاصة بالنسبة للمؤسسات غير التصديرية، ومزيدا من العاطلين عن العمل. 
الحلول موجودة ولكل داء دواء، وتونس تحتاج تفكيرا شموليا، يعالج القضايا من جميع جوانبها ويفرض المشاورة واستدعاء الخبراء. لأنّ الممكنات الإنتاجية متوفرة، وفي قطاعات عديدة، وليس علينا إلاّ التركيز على كيفية الدفع باستثمارات كبرى في تلك القطاعات. قد نحتاج مشروعا شاملا للإصلاح الزراعي يعيد لتونس صفتها التاريخية "الخضراء"، ونحتاج ثورة في القطاع السياحي حتى لا يظل موسميا محكوما بأزمة واحدة حتى تطيح به. ولدينا في مجال الخدمات الصحية ما يمكننا من أن نجعل بلادنا قطبا صحيا كبيرا في شمال إفريقيا، ولن نتحدث عن المواد المنجمية التي هي الآن وفي صلب الحرب الأوكرانية باتت تشكل إحدى مصادر الإثراء الكبرى نتيجة تزايد الطلب الدولي عليها. كل هذه الممكنات موجودة على أرض تونس، ولكن للأسف ليس هناك تصورات كبرى تبعدنا عن شبح الإجراءات التقليدية التي دأبت الحكومات التونسية المتعاقبة على اتخاذها.  
إنّ مواصلة نهج الترفيع في الأسعار لا يخدم المؤسسات ولا المستهلكين. وهذا يعني أنّ الطرفين يدفعان دفعا إلى الانخراط في حالة الركود التضخمي، التي تؤدي لا محالة إلى أوضاع اجتماعية ساخنة، بات يعبر عنها اتحاد الشغل بوضوح تام في الأيام الاخيرة. وحتى في الدول ذات الاقتصاديات الضخمة فإن حالة الركود التضخمي أدت بالمواطنين الأوروبيين إلى التظاهر في الشوارع، وذلك هو الحد الأدنى للتعبير عن الغضب. 
 كمال بالهادي
 

تعليقات الفيسبوك