مع الشروق : مصر «الجائزة الكبرى»... مصر الصخرة الكبرى!

مع الشروق : مصر «الجائزة الكبرى»... مصر الصخرة الكبرى!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/28

في لحظة زهو وانتشاء بنجاح الآلة الحربية الأمريكية في غزو العراق واحتلاله وإسقاط قيادته وتفكيك جيشه وتحطيم دولته، قالت كندوليزا رايس (وزيرة خارجية أمريكا من 2005 إلى 2009) عام 2006 أن كرة النار سوف تتدحرج باتجاه عواصم عربية عديدة وأن سقوط بغداد ما هو إلا مقدمة لطوفان سوف يأتي على كثير من الدول العربية.. رايس عدّدت وقتها فيما عددت دولا مثل سوريا والسودان وليبيا والصومال واليمن والسعودية.. وخصت جمهورية مصر العربية بأنها سوف تكون «الجائزة الكبرى».. أي أن دور مصر في حرب الخليج الأولى التي شنتها أمريكا على العراق عام 1991 ودورها في عدوان عام 2003 لم يشفع لها ولم يجنبها الوقوف في طابور الدول المستهدفة بكرة النار الأمريكية.
وبالفعل ظلت كرة اللهيب الأمريكية تتدحرج (إن مباشرة أو من وراء الحجب) لتدمر السودان والصومال وليبيا وسوريا فيما نجت مصر من موجة الربيع العبري الأولى التي انطلقت من تونس عام 2011 عندما تحرك الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك وبدفع من الشعب المصري الذي نزل إلى الشوارع في مسيرات جمعت أكثر من 30 مليون مواطن مصري لكنس الاخوان المسلمين من السلطة.. وقد كانوا مثلما كان الشأن في تونس أداة طيعة بيد أمريكا لتدمير الدول من الداخل واضعافها حتى تجثو على ركبتيها وتخضع لمشرط «التقسيم وإعادة التشكيل».. وتتأهل لتصبح جزءا لا يتجزأ من «الشرق الأوسط الجديد (أو الكبير)» وفق الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية التي تخطّط لتفتيت الدول المحورية وفسح المجال لقيام دويلات قزمية على أسس عرقية ومذهبية وطائفية تقبل بلعب دور ـ الكمبارس ـ في مخططات الكيان الصهيوني وتقبل بالدوران في فلكه وتسهيل توجهه نحو إقامة ما يسميه «إسرائيل الكبرى».
الآن يبدو أن الدور قد جاء على الدول المحورية المتبقية حسب التصور الأمريكي ـ الصهيوني. وكما حلمت كوندوليزا رايس وبصوت مرتفع عام 2006 ورأت كرة النار تتدحرج إلى السعودية ومصر جاء الدور مؤخرا على نتنياهو.. ليصرح في ذلك الحوار الصحفي الشهير وبتلك النبرة التي تملؤها «التقوى ويغمرها اليقين والخضوع» لتعاليم توراتية بأنه ماض في تنفيذ ما جاء في أصحاح أشعياء (رقم 18 الذي قال عند بداية هجومه على غزة بأنه ذاهب لتنفيذ وصاياه).. ليعلن صراحة ويؤكد جهارا نهارا بأن مخططه لإقامة اسرائيل الكبرى يشمل أجزاء من مصر وأجزاء من السعودية لتكتمل الحلقات المفقودة من مسلسل قيام ـ إسرائيل الكبرى ـ الممتدة من النيل في مصر إلى الفرات في العراق والتي تضم أجزاء من السعودية يعتبرها الصهاينة ارثا تاريخيا لليهود الذين تواجدوا في زمن ما في أرض المدينة المنورة.. وبذلك يكشف نتنياهو كل أوراقه ويعلن صراحة رغبة ظل يداور ويناور لاخفائها إلى أن يحين وقت التصريح بها.. وبالنظر إلى ما يضرب الساحة العربية والنظام الرسمي العربي من عجز وضعف وشلل.. وبالنظر إلى «النجاحات الكاسحة» التي يحققها نتنياهو منذ أن استظهر بتلك الخريطة في الأمم المتحدة وأكد أنه ذاهب للقضاء على كل النقاط المظلمة في المنطقة ولتغيير خارطة الشرق الأوسط برمتها.. وبالنظر إلى الدور الأمريكي (والغربي) الداعم بالمال وبالسلاح وبالغطاء السياسي .. بالنظر إلى كل هذا فقد بات نتنياهو على يقين بأن اللحظة التاريخية قد أزفت لاستكمال إقامة ـ إسرائيل الكبرى ـ وبأن مصر التي تعد العقبة الرئيسية في طريق هذا المشروع قد باتت معزولة ويمكن ابتزازها والضغط عليها بالمساعدات الأمريكية وبالاغراءات المتكررة بفسخ ديونها وهي تفوق 150 مليار دولار حتى تخضع ولا تقف في طريق مخططات نتنياهو (ومن ورائه أمريكا) إن  سلما أو حربا.
تلك هي حسابات حقل الارهابي نتنياهو أما حسابات البيدر المصري فمختلفة تماما، بل وتجعل من أوهام نتنياهو مجرد أحلام يقظة ومجرّد هلوسات لا تفتأ أن تتلاشى حين تصطدم بأرض الواقع.. ذلك أن مصر التي تجاوز تعدادها المائة مليون نسمة، ومصر التي بنت جيشا عتيدا ومزودا بأدق أنواع الأسلحة وأكثرها تطورا.. ومصر التي خاضت العديد من الحروب والمنازلات وقدمت تضحيات جساما دفاعا عن فلسطين.. ومصر التي أدركت منذ البداية أن العدوان على غزة ما هو إلا مقدمة لاستدراج واستهداف مصر  فحاولت التسلح بضبط النفس والنأي بنفسها عن الوقوع في خطط الصهاينة والأمريكان..  ومصر التي كانت تاريخيا القلعة الحصينة والصخرة الصمّاء التي تكسرت عليها كل هجمات الغزاة من مغول وتتار وصليبيين وغيرهم.. مصر هذه بجيشها العتيد وبشعبها المتماسك والمتمسك بحقوقه وبكرامته ستعرف كيف تلقن نتنياهو أقسى الدروس وستعرف كيف تكتب نهاية أضغاث أحلام هذا ـ النتنياهو ـ الذي زيّن له نهمه وشراهته التحرّش بعظم قوي سيكسر أسنانه ويذهب بحنجرته ويلقيه جثة هامدة في مزابل التاريخ. وسيدرك هذا المغرور أن مصر التي ظنها وفق توصيف حلفائه الأمريكان «جائزة كبرى» ما هي إلا صخرة كبرى ستتكسر عليها شوكته وشوكة من زيّن له وهم إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بعد اخضاع كل دوله لمشرط «التقسيم وإعادة التشكيل».
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك