مع الشروق: صواريخ... تُربك... ولا تُصلح !

مع الشروق: صواريخ... تُربك... ولا تُصلح !

تاريخ النشر : 07:16 - 2021/04/11

على مستوى التشخيص يبدو رئيس الدولة قيس سعيّد متمكنا من كل الأدوات التي تتيح له القيام بتشخيص جيّد للحالة التونسية... لكن الإشكال أن التشخيص لا تتبعه وصفات علاج. ولا يتبعه دواء لمواطن الخلل والمرض التي يتفنن كل مرة في كشفها وتعريتها أمام الرأي العام الوطني والدولي...
منذ شهور والرئيس سعيّد يجتهد في استكشاف أمراض الدولة التونسية وما أكثرها. ومنذ شهور وهو يندّد ويتوعّد ويجهّز «صواريخه» لإطلاقها في اتجاه «المتآمرين» في الغرف المظلمة وفي وضح النهار. لتبقى «الصواريخ» إلى حد الآن صواريخ كلامية سرعان ما تذروها الرياح وتذهب دون أن تترك لها صدى إلا لدى من يتسلون بتعداد «عضبات وانتفاضات» رئيس الدولة.
آخر صواريخه الكلامية أطلقها من أمام روضة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما قال تعقيبا على تعمّده ردّ قانون إنشاء المحكمة الدستورية إلى البرلمان بطريقة تجعل إنشاء هذه المحكمة أمرا مستحيلا طالما أن السنة التي نص عليها الدستور قد ولّت إلى غير رجعة وطالما أنه ليس بالامكان إعادة عجلة الزمن إلى الوراء: إنه لن يتحاور مع اللصوص. وفي إشارة أيضا إلى وأد أية فرصة لإطلاق حوار وطني طالما أنه يرى أن من بين من سيجلس إليهم لصوصا.
الصاروخ الآخر أطلقه أمام روضة الشهداء يوم 9 أفريل عندما استظهر لرئيسي البرلمان والحكومة بذلك الرسم الكاريكاتوري الذي يعود الى ثلاثينات القرن الماضي والذي يصور تونس في صورة امرأة مريضة يكمن علاجها في برلمان وطني وفي حكومة قوية. وهو ما يعني أن تونس لا تزال بعد أزيد من 80 سنة تعاني نفس المرض. وتظهر عليها عند التشخيص نفس الأعراض. وتحتاج نفس وصفة الدواء: برلمان وطني وحكومة قوية. أي أن رئيس الدولة يرى في البرلمان الضعيف والعاجز وفي الحكومة العاجزة المترددة مكامن الداء التي لا شفاء لتونس بوجودها... وهذه اشارة واضحة إلى أن بداية علاج الحالة التونسية تبدأ بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها. وربما يسبقها تنقيح للمجلة الانتخابية.. على أن تتولى الأغلبية الجديدة في برلمان نظريا لا لصوص فيه تشكيل حكومة قوية مع إمكانية التوجه نحو فتح كل الملفات ومباشرة علاج كل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تكبّل البلاد حتى الآن وتصيب المالية العمومية بالعجز الكامل وتغرق البلاد في المديونية وتعجز عن تحريك آلة الإنتاج والعمل وإعادتها إلى نسقها الطبيعي.
نظريا الكلام يستقيم. لكن عمليا حتى وإن كان الحل من هذا القبيل وحتى وإن كانت تردده بعض الكتل وكثير من السياسيين والخبراء، إلا أنه يحتاج لكي يأخذ مساره التشريعي إلى نصاب معيّن وإلى كتل برلمانية تحمله وتقطع به كامل المسار التشريعي. وهو ما ليس متاحا لرئيس الدولة وما يشكل تحديدا لبّ الإشكال الذي تطرحه تصريحات الرئيس وصواريخه التي ستبقى على ما يبدو في منصاتها حتى موعد انتخابات 2024 لأن المتمكنين من مفاتيح  الحكم ودواليبه  الآن لن يكون من مصلحتهم المضي إلى انتخابات جديدة ووضع تفوقهم، مهما كان متواضعا، موضع رهان.
كل هذا يحيل حتما إلى تصريحات رئيس الدولة وإلى تهديداته. تهديدات تزيد في تعكير الأجواء. فلا هي ذهبت بوصفات العلاج إلى منتهاها فتشفى البلاد ولا هي تركت مجالا لحوار وطني قد يفلح في تحقيق حدّ أدنى يمكن البناء عليه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه... والأمل أن يعمد رئيس الدولة إلى وقفة تأمل فإما إطلاق الصواريخ بعد طول تشخيص وإما توجه جادّ نحو دعم الحكومة ورعاية مبادرة الاتحاد للحوار الوطني حتى تبلغ مداها.
عبد الحميد الرياحي
 

تعليقات الفيسبوك