مع الشروق ..تثمين خيرات بلادنا .. أفضل من »نزيف « التوريد..
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/10/11
تُورّد تونس حاجيات استهلاكية عديدة من المواد الغذائية، وتتحمل تكاليفها الباهظة في السوق الدولية بالعملة الصعبة، ويتحمل الميزان التجاري العام والميزان التجاري الغذائي عبءا ثقيلا جراء ذلك، والحال ان هذه الحاجيات يمكن أن يُوفرها الإنتاج المحلي بكميات كافية وأكثر وبجودة وسلامة صحية تفوق بكثير المنتجات المورّدة.. فتونس تتوفر بها كل العوامل الملائمة لتكثيف الإنتاج الفلاحي، خاصة من حيث الأراضي الخصبة المتاحة والعوامل المناخية الملائمة، رغم شح الأمطار، وكذلك المهارات البشرية الضرورية والتقاليد التاريخية العريقة في مجال الفلاحة.
تتحمل الدولة فاتورة مرتفعة لتوريد الحبوب والأعلاف بلغت خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 2207,8 ملايين دينار أي ما يعادل 48,8 % من جملة الواردات الغذائية منها 1441,0 م د خصصت لشراء القموح (القمح الصلب والقمح اللين) أما البقية فخُصّصت لشراء الأعلاف. ويتحمل الميزان التجاري عبءا ثقيلا لتوريد الزيوت النباتية والتي شهدت قيمة وارداتها خلال الفترة المذكورة ارتفاعا بـ 10,2 % لتبلغ 537,5 مليون دينار، كما سجل سعر توريد السكر ارتفاعا بـ %14,4 خلال الفترة المذكورة. وبالتوازي مع ذلك أصبح المواطن يتكبّد الأسعار المرتفعة لهذه المواد في السوق المحلية.
وينطبق كل ما سبق ذكره أيضا على بعض الواردات الغذائية الأخرى خاصة الأساسية ل »قفة« المواطن والتي تضطر إليها الدولة من حين إلى آخر لتوريدها قصد تغطية ضعف الإنتاج المحلي والمضاربة. من ذلك مثلا توريد مادة البطاطا أو اللحوم أو الحليب أو بعض الأصناف من الغلال بأسعار مرتفعة في السوق العالمية وأحيانا تتكبّد الدولة خسارة في ذلك في سبيل تعديل السوق والضغط على الأسعار. غير أن ذلك لم يعد مقبولا اليوم نظرا لما يتوفر في البلاد من قدرات ومؤهلات على إنتاجها محليا تغنينا عن توريدها، وهو ما تعمل أغلب الدول اليوم على تحقيقه.
تحتاج البلاد اليوم إلى الحفاظ على احتياطي العملة الأجنبية من "نزيف" الواردات الغذائية، وذلك لتأمين واردات أخرى أهم مثل الطاقة والدواء والمواد الأولية والتجهيزات الضرورية لتطوير الإنتاج الصناعي أو لتأمين سير المرافق العمومية أبرزها الصحة والنقل والتعليم . فقطاع النقل في حاجة شديدة اليوم لتوريد حافلات وقطارات وعربات مترو بعد أن أصبح الأسطول في حالة متردّية. وقطاع الصحة يحتاج بدوره إلى توريد التجهيزات اللازمة للمستشفيات لتأمين الخدمات الصحية الضرورية شأنه شأن قطاع التعليم الذي تنقصه عديد التجهيزات التكنولوجية الحديثة لتطويره وغيرها من المرافق العمومية الأخرى.
وقد آن الأوان اليوم لمزيد تشجيع الفلاحين على تكثيف زراعات الحبوب المحلية عبر توفير البذور والأسمدة بالكميات المطلوبة ومزيد الضغط على أسعارها وعلى أسعار بقية مستلزمات الإنتاج. كما أن "ثروة" زيت الزيتون المتوفرة في بلادنا يمكن أن تُغنينا عن استيراد الزيوت النباتية الباهظة والمضرة بالصحة وهو ما ينادي به اتحاد الفلاحين من خلال الدعوة إلى توجيه الدعم من الزيت النباتي المورّد إلى زيت الزيتون وترفيع الإنتاج حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي منه وتحصل الفائدة الصحية. وينطبق ذلك أيضا على مادة السكر التي بالإمكان العودة الى إنتاجها محليا عبر استرجاع تجربة زراعة اللفت السكري وعلى بقية المنتجات الفلاحية الأساسية الأخرى.
بالإمكان اليوم التحكم في الواردات الغذائية ومزيد ترشيدها لو يقع التعجيل بتنفيذ استراتيجية جذرية تقوم على إرادة سياسية قوية تدعو إلى التعويل على الذات وتثمين واستغلال مؤهلاتنا وقدراتنا للرفع من الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال تدخل الدولة لتقديم التشجيعات اللازمة وتوفير الدعم للفلاح وخاصة للضغط على تكاليف الإنتاج عبر تخفيف الضرائب والمعاليم الديوانية عن مستلزمات الإنتاج الفلاحي. كما يستدعي ذلك أيضا استغلال الإمكانات الكبرى التي توفرها الأراضي الفلاحية الدولية المُهملة والتي آلت وضعية بعضها الى الأسوإ منذ 2011 رغم اتساع مساحتها وخصوبتها العالية وتوفر بعضها على التجهيزات الضرورية وهو ما يجعلها قادرة على استيعاب كل أصناف الأنشطة الفلاحية، سواء لزراعة الحبوب والأعلاف أو الزياتين والأشجار المثمرة أو الخضر وتربية المواشي..
فاضل الطياشي
تُورّد تونس حاجيات استهلاكية عديدة من المواد الغذائية، وتتحمل تكاليفها الباهظة في السوق الدولية بالعملة الصعبة، ويتحمل الميزان التجاري العام والميزان التجاري الغذائي عبءا ثقيلا جراء ذلك، والحال ان هذه الحاجيات يمكن أن يُوفرها الإنتاج المحلي بكميات كافية وأكثر وبجودة وسلامة صحية تفوق بكثير المنتجات المورّدة.. فتونس تتوفر بها كل العوامل الملائمة لتكثيف الإنتاج الفلاحي، خاصة من حيث الأراضي الخصبة المتاحة والعوامل المناخية الملائمة، رغم شح الأمطار، وكذلك المهارات البشرية الضرورية والتقاليد التاريخية العريقة في مجال الفلاحة.
تتحمل الدولة فاتورة مرتفعة لتوريد الحبوب والأعلاف بلغت خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 2207,8 ملايين دينار أي ما يعادل 48,8 % من جملة الواردات الغذائية منها 1441,0 م د خصصت لشراء القموح (القمح الصلب والقمح اللين) أما البقية فخُصّصت لشراء الأعلاف. ويتحمل الميزان التجاري عبءا ثقيلا لتوريد الزيوت النباتية والتي شهدت قيمة وارداتها خلال الفترة المذكورة ارتفاعا بـ 10,2 % لتبلغ 537,5 مليون دينار، كما سجل سعر توريد السكر ارتفاعا بـ %14,4 خلال الفترة المذكورة. وبالتوازي مع ذلك أصبح المواطن يتكبّد الأسعار المرتفعة لهذه المواد في السوق المحلية.
وينطبق كل ما سبق ذكره أيضا على بعض الواردات الغذائية الأخرى خاصة الأساسية ل »قفة« المواطن والتي تضطر إليها الدولة من حين إلى آخر لتوريدها قصد تغطية ضعف الإنتاج المحلي والمضاربة. من ذلك مثلا توريد مادة البطاطا أو اللحوم أو الحليب أو بعض الأصناف من الغلال بأسعار مرتفعة في السوق العالمية وأحيانا تتكبّد الدولة خسارة في ذلك في سبيل تعديل السوق والضغط على الأسعار. غير أن ذلك لم يعد مقبولا اليوم نظرا لما يتوفر في البلاد من قدرات ومؤهلات على إنتاجها محليا تغنينا عن توريدها، وهو ما تعمل أغلب الدول اليوم على تحقيقه.
تحتاج البلاد اليوم إلى الحفاظ على احتياطي العملة الأجنبية من "نزيف" الواردات الغذائية، وذلك لتأمين واردات أخرى أهم مثل الطاقة والدواء والمواد الأولية والتجهيزات الضرورية لتطوير الإنتاج الصناعي أو لتأمين سير المرافق العمومية أبرزها الصحة والنقل والتعليم . فقطاع النقل في حاجة شديدة اليوم لتوريد حافلات وقطارات وعربات مترو بعد أن أصبح الأسطول في حالة متردّية. وقطاع الصحة يحتاج بدوره إلى توريد التجهيزات اللازمة للمستشفيات لتأمين الخدمات الصحية الضرورية شأنه شأن قطاع التعليم الذي تنقصه عديد التجهيزات التكنولوجية الحديثة لتطويره وغيرها من المرافق العمومية الأخرى.
وقد آن الأوان اليوم لمزيد تشجيع الفلاحين على تكثيف زراعات الحبوب المحلية عبر توفير البذور والأسمدة بالكميات المطلوبة ومزيد الضغط على أسعارها وعلى أسعار بقية مستلزمات الإنتاج. كما أن "ثروة" زيت الزيتون المتوفرة في بلادنا يمكن أن تُغنينا عن استيراد الزيوت النباتية الباهظة والمضرة بالصحة وهو ما ينادي به اتحاد الفلاحين من خلال الدعوة إلى توجيه الدعم من الزيت النباتي المورّد إلى زيت الزيتون وترفيع الإنتاج حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي منه وتحصل الفائدة الصحية. وينطبق ذلك أيضا على مادة السكر التي بالإمكان العودة الى إنتاجها محليا عبر استرجاع تجربة زراعة اللفت السكري وعلى بقية المنتجات الفلاحية الأساسية الأخرى.
بالإمكان اليوم التحكم في الواردات الغذائية ومزيد ترشيدها لو يقع التعجيل بتنفيذ استراتيجية جذرية تقوم على إرادة سياسية قوية تدعو إلى التعويل على الذات وتثمين واستغلال مؤهلاتنا وقدراتنا للرفع من الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال تدخل الدولة لتقديم التشجيعات اللازمة وتوفير الدعم للفلاح وخاصة للضغط على تكاليف الإنتاج عبر تخفيف الضرائب والمعاليم الديوانية عن مستلزمات الإنتاج الفلاحي. كما يستدعي ذلك أيضا استغلال الإمكانات الكبرى التي توفرها الأراضي الفلاحية الدولية المُهملة والتي آلت وضعية بعضها الى الأسوإ منذ 2011 رغم اتساع مساحتها وخصوبتها العالية وتوفر بعضها على التجهيزات الضرورية وهو ما يجعلها قادرة على استيعاب كل أصناف الأنشطة الفلاحية، سواء لزراعة الحبوب والأعلاف أو الزياتين والأشجار المثمرة أو الخضر وتربية المواشي..
فاضل الطياشي