رئيس الدولة يحشر الاتحاد الأوروبي في الزاوية زمن «المقيم العام» ولَى وانقضى

رئيس الدولة يحشر الاتحاد الأوروبي في الزاوية زمن «المقيم العام» ولَى وانقضى

تاريخ النشر : 13:08 - 2025/11/27

جاءت رسالة الاحتجاج شديدة اللهجة التي أبلغها رئيس الدولة إلى سفير الاتحاد الأوروبي بتونس لتكسر جدار الضبابية التي تخيّم على العلاقات التونسية الأوروبية.

وربما تعمّد رئيس الدولة مجانبة الأعراف الديبلوماسية من خلال إبلاغ رسالة الاحتجاج بنفسه بدل وزارة الشؤون الخارجية ليعبّر عن إدراك تونس العميق لدوافع وغايات ازدواجية الخطاب والممارسة التي تتحكم في السياسة الأوروبية.

فالواضح أن المشكل الذي فجر هذه الأزمة الديبلوماسية يتجاوز مجرّد لقاء جمع سفير الاتحاد الأوروبي برئيس منظمة وطنية ليتعلّق بخلفيات هذا اللقاء وتوقيته وتفاعله مع الأروقة الموازية التي يشتغل عليها ما يسمى «حزب الحرب» في أوروبا الذي يدفع نحو التصادم مع حركات التحرّر الوطني في بلدان الجنوب في نطاق الصراع المحتدم بين مسار تشكل العالم الجديد ومكونات ما يسمى «الصهيونية العالمية» التي يثبت التاريخ أنها لا يمكن أن تمارس الهيمنة خارج منطق الإرهاب متعدد الأشكال وبالأساس ما يعرف بالثورات الملوثة كما تشير التطوّرات في سائر أنحاء العالم أنها بلغت مرحلة الجنون في الدفاع عن هيمنة لم تعد متاحة.

كما يثبت التاريخ أنه كلما أطنب المعسكر الغربي في رفع شعارات السلام فإن ذلك يعني حتما أنه بصدد التحضير لمؤامرة كبرى تستهدف سيادة الدول وأمنها القومي على غرار الربيع العبري وأحداث 11 سبتمبر فالواضح أن استنفار كل مكونات تحالف «الإرهاب والمافيا» لكسر مسار التحرّر الوطني في تونس يتنزل في سياق عام يعيش على وقعه الإقليم من أبرز ملامحه محاولات تضييق الخناق على الجزائر وإعادة تلغيم الساحل الافريقي الذي يمثل الحزام الأمني للمغرب العربي بالإرهاب ومشروع مصنع الطائرات المسيرة الاسرائيلية «سبايك» في الدار البيضاء وتفاعل هذه المستجدات على الساحة الافريقية مع تداعيات منطق تجريم «التحرّر الوطني» في الشرق الأسط بمشاركة فاعلة من مكونات ما يسمى «الناتو» العربي والإسلامي تزامنا مع تعاظم الحرب النفسية في تونس مع وصول السفير الأمريكي الجديد وكأن الأحداث عادت عاما إلى الوراء وتحديدا إلى أجندا استعدوا لحكم الإرهاب التي انبثقت عن سقوط الدولة في سوريا.

والواضح أن هذه الأجندا تراهن على الحلقات الضعيفة في المنطقة مثل الفراغ الأمني الناجم من انقسام الدولة في ليبيا وهشاشة التحوّلات الناشئة في بلدان الساحل الافريقي وأساسا مالي ومنظومة التطبيع في المملكة المغربية وسيطرة الإرهاب على مساحات شاسعة من دولة السودان لضرب الاستقرار في الدول الوطنية المتمسكة باستقلالية قرارها وبشكل خاص النموذج التونسي الجزائري المناهض للتطبيع والرافض للإملاءات الخارجية مهما كان مأتاها خلافا للكثير من دول الجنوب التي استبدلت مستعمرا قديما بآخر جديد وتحوّلت من ثمة إلى ساحات مفتوحة للصراع بين القوى العالمية.

والطامة الكبرى أن أوروبا لا تتحكم في خياراتها في ظل عرافة الوصاية الصهيوأمريكية وهو ما يفسّر إمعان القارة العجوز في خيار التصادم مع مسارات التحرّر الوطني في بلدان الجنوب رغم ما تتكبده من خسائر جسيمة بسبب هذا الخيار الذي أوصل الشعوب الأوروبية إلى حافة الجوع مثلما يؤكد أن بروكسال ليست شريكا موثوقا على الأقل في الوقت الراهن.

وبالمحصّلة فإن خلفيات هذه الأزمة الديبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي تتنزل في صميم الدفاع عن الأمن القومي التونسي وهو ما يفسّر سرعة وقوة الموقف الذي عبّر عنه رئيس الدولة فالمعسكر الغربي عموما لا يفهم إلا منطق القوة والعين الحمراء.

والأكيد في المقابل أن هذا المنعطف الجديد في العلاقات التونسية الأوروبية يحفّز داخليا على البحث في الأسباب التي تؤبد استهداف المنظومة الأطلسية للاستقرار في تتونس ومن ثمة تعطيل مسار إعادة البناء بما يتلاءم مع مبدأ السيادة الوطنية الذي يفترض أن يدخل تغييرا جذريا على سائر السياسات العمومية دون استثناء.

والواضح في هذا الصدد أن علاقة تونس بشريكها الأوروبي والمنظومة الأطلسية بشكل عام لايزال ينقصها الوضوح الذي يفرض وضع مسائل جوهرية على الطاولة تجسّد حق تونس المشروع في جبر الضرر عن التداعيات الكارثية لعشرية الخراب واستعادة المطلوبين للقضاء التونسي المتحصنين بالعواصم الغربية.

كما يتسبب ضعف الحكومة في تعطيل الشراكات الجديدة لا سيما مع افريقيا والصين وهو ما يتسبب في تهميش موقع التفوّق الذي تمتلكه تونس القادرة على إقفال القارة الافريقية أمام الاتحاد الأوروبي لو اتجهت إلى القطع الراديكالي مع المنظومة الأطلسية لأن تونس ستكسب الكثير من المسارات الجديدة وفي مقدمتها مبادرة «الحزام والطريق» فيما ستخسر أوروبا كل شيء خصوصا وأنها أصبحت الطرف الضعيف في المعادلة الدولية الجديدة.

إن افتقار أغلب أعضاء الحكومة للكفاءة والإيمان العميق بخيار التحرّر الوطني يفتح مساحات شاسعة أمام جيوب الردة وأعرافهم في الخارج الذين يراهنون على الاحباط لتشتيت المجتمع وتعطيل تعبئة وطنية لا محيد عنها لتحصين الأمن القومي التونسي في هذه المرحلة الدقيقة التي تفرض الحسم بشكل جذري في مسائل كثيرة مثل الخيانة والمال الفاسد وجملة القوانين المنبثقة عن دستور 2014 والاختراقات المكثفة لدواليب الدولة الحاصلة في حقبة الترويكا.

تونس ستنتصر حتما في هذه المعركة الحاسمة وربما الأخيرة ضد منظومة الاستعلاء الأطلسية وجيوبها في الداخل لكن جسامة الرهانات لم تعد تقبل إهدار الوقت.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

 تناول لقاء جمع الثلاثاء 25 نوفمبر، محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري بالرئيس الجديد
10:03 - 2025/11/27
نركّز في ركن نبض الصحافة العربية والدولية على الأوضاع الكارثية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخ
07:00 - 2025/11/27
لم يكن أكثر المنظّرين للصهيونية تشاؤما ليتوقّع أن يأتي يوم تصبح فيه «الدولة التي وُعدت بأنها واحة
07:00 - 2025/11/27
تمت برمجة يوم دراسي بالاكاديمية البرلمانية التابعة لمجلس نواب الشعب يوم الاثنين 15 ديسمبر المقبل
07:00 - 2025/11/27
أكدّ رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد لدى استقباله يوم أمس بقصر قرطاج، وزير الدّاخلية خالد النّوري ،على
07:00 - 2025/11/27
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم أمس25 من شهر نوفمبر الجاري، بقصر قرطاج، "George Elombi" الرئي
07:00 - 2025/11/27
استدعى رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد يوم أمس بقصر قرطاج، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس "Giuseppe Perron
07:00 - 2025/11/27